07 اغسطس 2024
هل ابتسمت أميركا للسيسي؟
من حق الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي ورجاله، الاحتفال بما حققوه في زيارته أخيراً الولايات المتحدة لحضور افتتاح أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، فالزيارة جاءت ناجحةً على أكثر من مستوى، فهي الثانية للسيسي منذ توليه الرئاسة، وجاءت تدعيماً إضافياً لشرعية نظامه أمام العالم، في ظل معارضة ضعيفة منقسمة على نفسها، اكتفت بعض فئاتها بتنظيم مظاهراتٍ صغيرة في شوارع نيويورك، ونقلها على بعض الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي.
في المقابل، شارك السيسي في بعض الاجتماعات المهمة، ممثلا لمصر، وألقى خطابها أمام الجمعية العامة، وشارك في لقاءات صحفية، والتقى بمرشحي الرئاسة الأميركيين، هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، ولعل لقاءيه بهما يحملان من الدلالات والبشريات الكثير للسيسي ونظامه. وكأن الزيارة عموماً بمثابة بداية لعهد جديد، تترسخ فيه أقدام نظام السيسي دوليا وأميركياً، فمرشح الرئاسة الجمهوري، دونالد ترامب، ينظر إلى السيسي رجله المفضل في الشرق الأوسط، ويعده بأن تتحول أميركا في حال فوزه بالرئاسة إلى "صديق" لمصر، وليس مجرد "حليف". وكان السيسي ثاني رئيس يلتقي به ترامب في حملته الرئاسية، (بعد رئيس المكسيك). وقد حمل اللقاء أيضا دلالاتٍ كثيرة، تفوق العلاقات المصرية الأميركية، حيث قدّمته حملة ترامب لوسائل الإعلام الأميركية لقاءً بين ترامب والعالم الإسلامي، أو مع ممثل إحدى أكبر الدول العربية والإسلامية، فترامب عندما التقى رئيس المكسيك فعل ذلك من باب تحسين صورته، فيما يتعلق بملف المهاجرين الأميركيين اللاتينيين بشكل عام. وعلى المنوال نفسه، التقى بالسيسي، ليقول للرأي العام الأميركي إنه، على الرغم من انتقاداته للمهاجرين المسلمين، وحديثه عن "الإسلام الراديكالي" (مصطلح يسيء للإسلام نفسه)، إلا إنه قادرٌ على عقد صفقاتٍ مع زعماء العالم الإسلامي، والدخول معهم في علاقات صداقةٍ قوية. لذا حرص ترامب بعد اللقاء على مديح السيسي، والتأكيد على وجود "كيمياء" شخصية بينهما، تجعل تعاونهما سهلاً في حالة فوز ترامب بالرئاسة. ولم يتردد السيسي في رد الجميل لترامب، حيث دافع في لقاء مع قناة "سي إن إن" الأميركية عن تصريحات الأخير ضد المسلمين، وقال إن مصطلح "التطرف الإسلامي"، الذي يصر ترامب على استخدامه، صحيح، مع العلم أن إدارة أوباما، وقوى ليبرالية كثيرة في أميركا والغرب، ترفض استخدامه، لما يحمله من إساءاتٍ بالغة للإسلام نفسه، حيث يربطه بالإرهاب. وقد حرص السيسي، أيضاً، على التخفيف من حدة وقع تعليقات ترامب المسيئة للمهاجرين والأقليات المسلمة، واعتبرها "تصريحات انتخابية"، ستتغير إذا فاز صاحبها بالرئاسة.
وهكذا، وجد السيسي لنفسه حليفاً أميركياً قوياً متمثلا في ترامب، ومن خلفه قواعد لا بأس بها
من الحزب الجمهوري، حيث يتفق الطرفان على أن الأولوية لبناء حكومات مستقرة في الشرق الأوسط، تهزم الجماعات العنيفة، مثل داعش، وتحارب ما يرون أنه العدو الأول لأميركا في الشرق الأوسط، وهو الجماعات الدينية العنيفة وأيديولوجيتها، في حين تختفي قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان من قاموس السيسي وترامب معا.
وقد حقق السيسي أيضاً نجاحاً لا بأس به، في بناء علاقاته مع المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، حيث قابلته على الرغم من انتقادات داخلية لها، طالبتها بعدم لقاء السيسي، حتى لا تمنح مزيداً من الشرعية لنظامه وانتهاكاته الجسيمة للحقوق والحريات، لكنها التقته، واكتفت بمطالب عامة عن حقوق الإنسان والديمقراطية وضرورة احترامهما، في وقتٍ رأى محللون أميركيون أن لقاء هيلاري بالسيسي يبشر بسياسة أميركية تفضل الاستقرار على نشر الديمقراطية، في حال فوز الأخيرة بالرئاسية.
وهكذا، تبدو أميركا مقبلةً على فترة إضافية من التراجع الدولي والعزلة، والتخلي عن سياسة دعم الديمقراطية والضغط على النظم الاستبدادية حول العالم بصفة عامة، وفي الشرق الأوسط خصوصاً، حيث يرى توجه قوى داخل أروقة السياسة الأميركية أن الشرق الأوسط لم يعد يتحمل مزيداً من عدم الاستقرار، وأن الأفضل التوقف، ولو فترةً، عن الضغط للمطالبة بإصلاحات ديمقراطية حقيقية. ولعل لقاء كلينتون بالسيسي يدل على رغبتها في العمل مع النظم الاستبدادية العربية في الحفاظ على الوضع القائم في الشرق الأوسط، مع الاكتفاء بالدفاع الخطابي عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، أو جعلها مطالب ثانوية، لا تؤثر على القضايا الأساسية التي تتطلب التعاون مع تلك النظم. أما ترامب فلا يضع قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في حساباته من البداية.
وهكذا، تبدو أميركا، وقد فتحت للسيسي ذراعيها، مبشرةً بعهد جديد من العلاقات مع نظامه، خصوصاً في ظل التراجع المستمر في أداء معارضيه، وعدم وحدتهم حول أي بديلٍ يذكر. لذا، من حق السيسي ونظامه الفرح والاحتفال بزيارته نيويورك ونتائجها، وإن عليهم ألا يبالغوا في ذلك، لأسباب أربعة.
أولاً: قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، خصوصاً فيما يتعلق بالسياسات الحقيقية التي يمكن
أن يتبعها ترامب أو كلينتون، في حالة الفوز بالرئاسة الأميركية، فشخص كترامب يحمل توجهات عدائيةً تجاه حكومات حليفة لمصر، كالمملكة العربية السعودية التي تواجه حملة ضغطٍ متزايدة في أروقة الحزب الجمهوري، ويطالبها ترامب بتحمل مزيد من تكاليف الحرب على الإرهاب. وهكذا، قد يجد السيسي نفسه في حالة فوز ترامب بالرئاسة، وممارسته ضغوط على دول عربية حليفة للسيسي ونظامه، مضطرا للمفاضلة بين تقاربه مع صديقه ترامب من ناحية، ومع حلفائه العرب من ناحية أخرى.
ثانيا: تبقى علاقة السيسي بالنظام الأميركي، سواء في حالة فوز هيلاري، أو ترامب، علاقة نظم لا تتسلل إلى الرأي العام، وموقفه من العلاقة بين البلدين، وهو ما يفقد العلاقة كثيراً من زخمها وقيمتها لدى صانع القرار الأميركي.
ثالثا: لا يبدو أن هناك برامج واضحة لتحسين العلاقة بين البلدين، في حالة فوز أيّ من المرشحين الرئيسيين، فكلاهما ليس معنياً بتقديم مزيد من الدعم والمساعدات لحلفائهم في الشرق الأوسط سوى التعاون معهم ضد داعش، ومنحهم بعض الشرعية السياسية. في المقابل، يبدو السيسي بلا برامج واضحة، لتحقيق المصالح المصرية على المستوى الدولي.
رابعا: أطلق السيسي، في مايو/ أيار الماضي، مبادرةً للتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين لم تحقق أي نتيجة. ومن قبل تحدث عن تقارب عربي وقوات عربية مشتركة، لم يتبلور لها أي نتائج واضحة. وهنا، تبرز معضلة السياسة الخارجية المصرية، فهي قائمةٌ في جوهرها على قدرة الدولة المصرية على لعب أدوارٍ إقليميةٍ ودوليةٍ بناء على إمكاناتها الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية، وكلها عوامل تبدو في تراجع خلال حكم السيسي الذي تعاني سلطته من أزمة شرعيةٍ داخليةٍ مزمنةٍ ومشكلاتٍ متفاقمة.
وبهذا، قد يحصل السيسي على مزيد من الشرعية الدولية، في ظل نظام دولي تتراجع فيه أهمية الديمقراطية، نظام يلعب فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وترامب، واليمين الغربي المتشدد الذي يتحالف مع السيسي، دوراً أكبر سنوات مقبلة، شرعية تطيل عمر النظام، لكنها لن تشفيه من أمراض داخلية عديدة، تبدو مزمنة ومتفاقمة.
وهكذا، وجد السيسي لنفسه حليفاً أميركياً قوياً متمثلا في ترامب، ومن خلفه قواعد لا بأس بها
وقد حقق السيسي أيضاً نجاحاً لا بأس به، في بناء علاقاته مع المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، حيث قابلته على الرغم من انتقادات داخلية لها، طالبتها بعدم لقاء السيسي، حتى لا تمنح مزيداً من الشرعية لنظامه وانتهاكاته الجسيمة للحقوق والحريات، لكنها التقته، واكتفت بمطالب عامة عن حقوق الإنسان والديمقراطية وضرورة احترامهما، في وقتٍ رأى محللون أميركيون أن لقاء هيلاري بالسيسي يبشر بسياسة أميركية تفضل الاستقرار على نشر الديمقراطية، في حال فوز الأخيرة بالرئاسية.
وهكذا، تبدو أميركا مقبلةً على فترة إضافية من التراجع الدولي والعزلة، والتخلي عن سياسة دعم الديمقراطية والضغط على النظم الاستبدادية حول العالم بصفة عامة، وفي الشرق الأوسط خصوصاً، حيث يرى توجه قوى داخل أروقة السياسة الأميركية أن الشرق الأوسط لم يعد يتحمل مزيداً من عدم الاستقرار، وأن الأفضل التوقف، ولو فترةً، عن الضغط للمطالبة بإصلاحات ديمقراطية حقيقية. ولعل لقاء كلينتون بالسيسي يدل على رغبتها في العمل مع النظم الاستبدادية العربية في الحفاظ على الوضع القائم في الشرق الأوسط، مع الاكتفاء بالدفاع الخطابي عن قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، أو جعلها مطالب ثانوية، لا تؤثر على القضايا الأساسية التي تتطلب التعاون مع تلك النظم. أما ترامب فلا يضع قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في حساباته من البداية.
وهكذا، تبدو أميركا، وقد فتحت للسيسي ذراعيها، مبشرةً بعهد جديد من العلاقات مع نظامه، خصوصاً في ظل التراجع المستمر في أداء معارضيه، وعدم وحدتهم حول أي بديلٍ يذكر. لذا، من حق السيسي ونظامه الفرح والاحتفال بزيارته نيويورك ونتائجها، وإن عليهم ألا يبالغوا في ذلك، لأسباب أربعة.
أولاً: قد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، خصوصاً فيما يتعلق بالسياسات الحقيقية التي يمكن
ثانيا: تبقى علاقة السيسي بالنظام الأميركي، سواء في حالة فوز هيلاري، أو ترامب، علاقة نظم لا تتسلل إلى الرأي العام، وموقفه من العلاقة بين البلدين، وهو ما يفقد العلاقة كثيراً من زخمها وقيمتها لدى صانع القرار الأميركي.
ثالثا: لا يبدو أن هناك برامج واضحة لتحسين العلاقة بين البلدين، في حالة فوز أيّ من المرشحين الرئيسيين، فكلاهما ليس معنياً بتقديم مزيد من الدعم والمساعدات لحلفائهم في الشرق الأوسط سوى التعاون معهم ضد داعش، ومنحهم بعض الشرعية السياسية. في المقابل، يبدو السيسي بلا برامج واضحة، لتحقيق المصالح المصرية على المستوى الدولي.
رابعا: أطلق السيسي، في مايو/ أيار الماضي، مبادرةً للتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين لم تحقق أي نتيجة. ومن قبل تحدث عن تقارب عربي وقوات عربية مشتركة، لم يتبلور لها أي نتائج واضحة. وهنا، تبرز معضلة السياسة الخارجية المصرية، فهي قائمةٌ في جوهرها على قدرة الدولة المصرية على لعب أدوارٍ إقليميةٍ ودوليةٍ بناء على إمكاناتها الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية، وكلها عوامل تبدو في تراجع خلال حكم السيسي الذي تعاني سلطته من أزمة شرعيةٍ داخليةٍ مزمنةٍ ومشكلاتٍ متفاقمة.
وبهذا، قد يحصل السيسي على مزيد من الشرعية الدولية، في ظل نظام دولي تتراجع فيه أهمية الديمقراطية، نظام يلعب فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وترامب، واليمين الغربي المتشدد الذي يتحالف مع السيسي، دوراً أكبر سنوات مقبلة، شرعية تطيل عمر النظام، لكنها لن تشفيه من أمراض داخلية عديدة، تبدو مزمنة ومتفاقمة.