هذه الأمثال الشعبية المصرية

30 مارس 2017
+ الخط -
(1)
توجد أمثال شعبية مصرية قد تنطبق على ما حدث، فهناك مثلا عبارة شهيرة، هي "خذوهم بالصوت"، وهي مقولة شعبية تقال عندما يكون هناك شخصٌ ما ارتكب خطأ أو جريمة، وعندما يشعر بأن هناك من كشفه أو يرغب في مواجهته أو لومه، فيبادر هو ويسبق الآخرين بالصياح والولولة وادعاء الغضب، أو يحاول اختراع موضوع آخر وضجة أخرى لإلهاء الآخرين، ويبدأ في إلقاء اللوم عليهم، أو على آخرين متآمرين، وهناك مقولة شعبية أخرى. لكن، من الصعب ذكرها في هذا المكان، ولكنه بشكل عام يتحدّث عن ذوات السلوك والسمعة السيئة، عندما يبادرن بتشويه سمعة الأخريات، واتهامهن في شرفهن، عندما يحاول شخص ما نصحهن بتحسين سلوكهن.
تذكّرت هذه المقولات الشعبية، عندما طالعت خطاب مندوب مصر في المجلس الدولي لحقوق الإنسان، وهو يتحدث عن الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان في أوروبا، معربا عن بالغ القلق إزاء القوانين المقيدة للحريات، باسم مكافحة الإرهاب في فرنسا وبريطانيا، وإزاء الانتهاكات البريطانية في أيرلندا الشمالية، كما دعا فرنسا إلى الوقف الفوري للمداهمات (بلغت 4000 حالة على حسب قوله)، وكذلك الإقامة الجبرية التي تم تطبيقها ضد 400 فرد.
لم يكتف مندوب الحكومة المصرية بذلك، بل زاد في الهجوم والمزايدة، وبدأ في انتقاد إجراءات الأمن في السويد. نعم لا تندهش، لقد قام مندوب الحكومة المصرية الذي يمثل دولةً أصبح فيها خبر تعذيب متهم أو وفاة مسجون بعد التعذيب أو إعدام مشتبه بهم أو تصفيتهم في سيناء خارج إطار القانون من الأخبار اليومية المعتادة للأسف، بانتقاد الإجراءات الأمنية في السويد، كما طالب بالتحقيق في حالات وفاة مسجونين في السجون الإيطالية.
ولم يكتف بذلك، بل انتقد توسيع صلاحيات الحكومات الأوروبية في الإجراءات الاستثنائية في 
إطار مكافحة الإرهاب، مثل صلاحيات حظر السفر والرقابة على الاتصالات، وكذلك أعرب عن قلقه من تزايد خطاب الكراهية والتحريض ضد المسلمين في دول أوروبية عديدة.
لا يثير كل ما سبق أي دهشة أو تعجب، إن تم وضعه في إطار الأمثال والمقولات الشعبية السابقة، فأداء الحكومة المصرية وخطابها لم يختلف كثيرا عن "كيد النساء"، والتلاسن الذي يحدث في الحارات الشعبية. نعم، هناك تصاعد لخطاب الكراهية والعنصرية ضد العرب والمسلمين في أوروبا. ولكن، أليس زعماء اليمين الأوروبي المتطرّف وقادة التحريض ضد العرب والمسلمين هم أقرب أصدقاء عبد الفتاح السيسي؟ وماذا عن رسائل الإشادة وخطابات الغزل المتبادل بينهم.

(2)
لا أريد الدفاع عن الحكومات الأوروبية، فليس هناك ديمقراطية مثالية في العالم حتى الآن. ولكن، إن كان هناك بعض الانتهاكات الأوروبية ضد العرب والمسلمين في أوروبا، فهي بالتأكيد لا تتعدى واحدا في الألف، مقارنة بالانتهاكات الحكومية الروتينية ضد العرب والمسلمين والمسيحيين داخل مصر، فكان الأولى بالحكومة المصرية أن تعالج فجواتها وثقوبها الداخلية قبل الحديث عن خدوش الآخرين، "فمن بيته من زجاج لا يجب عليه أن يقذف الآخرين بالحجارة"، كما يقول المثل الشعبي.
إن كان هناك قلق مصري من زيادة الصلاحيات الأوروبية في التنصت على المواطنين (في إطار القانون وإطار مكافحة الإرهاب)، وهو أمر قد ينتهك الخصوصيات بالتأكيد. ولكن، ماذا عن تجسّس الأجهزة الأمنية المصرية (بالمخالفة للدستور والقانون) على الحياة الخاصة للمواطنين، وماذا عن إذاعة المكالمات العادية والشخصية للمعارضين وتصويرها، بما يخالف معناها الحقيقي، بغرض التحريض والحث على كراهية كل من يعارض نظام الحكم في مصر.
إن كان هناك قلق مصري من الإقامة الجبرية في فرنسا لبعض المشتبه في تورّطهم في عمليات إرهابية، فماذا عن الحبس الاحتياطي سنوات طويلة، لمجرد مشتبه به في مظاهرة بدون ترخيص، وقد يكون لم يشارك بها من الأساس، ولكن قاده حظه العسير إلى الوجود قرب مكان التظاهرة مصادفة، وماذا عن الأحكام القاسية التي قد تصل إلى السجن المؤبد لمن قد يشارك في تظاهرة سلمية، ألا تقلق السلطات المصرية بخصوص ما يحدث من انتهاكات في السجون المصرية؟
إذا كانت السلطات المصرية قلقة من الإجراءات الأوروبية الاحترازية لمكافحة الإرهاب (والتي تتم وفقا لضوابط صارمة، وتحت رقابة مدققة من البرلمانات والأجهزة الرقابية والمنظمات
الحقوقية)، فلماذا لا تقلق السلطات المصرية من قتل المشتبه بهم خارج نطاق القانون في مصر، أو الاختفاء القسري خارج إطار القانون، أو التنصت على المواطنين المصريين، وإذاعة حياتهم الشخصية في وسائل الإعلام بالمخالفة للقانون، ألا يوجد قلق لدى السلطات المصرية من تبعات قمع الحريات، وتكميم الأفواه في مصر؟ وماذا عن إقالة أعضاء مجلس النواب، إن اعترضوا على شيء، أو أبدوا بعض الملاحظات؟ وماذا عن تلفيق التهم؟ وماذا عن التخوين وتشويه السمعة وإرهاب كل من يعارض؟ أليس على السلطات المصرية أن تقلق على الأوضاع في مصر، وتحاول إصلاحها بدل التلاسن وأساليب المراهقين؟
(3)
هناك مقولة شعبية مصرية أخرى، أتذكرها كلما كان هناك حديث عن قوائم العفو الرئاسي، وهو "الحدّاية ما بتحدفش كتاكيت"، أي أن بيض الحداءة لا يفقس إلا أفراخ حدّاءة، وليس كتاكيت وأفراخ دجاج، لا تنتظر هدية من الحدّاءة، لا تنتظر عطفا من الحيوانات المتوحشة، لا تنتظر أخلاقا نبيلة ممن تعود البلطجة والسطوة والجبروت وإرهاب الآخرين، من الجميل أن يتم الإفراج عن شبابٍ مظلوم كل فترة، ومن الجميل أن يتم الإفراج عن شباب متعاطف مع "الإخوان المسلمين" بعد حبسهم سنوات ظلما وعدوانا، ولكن السؤال الآن هو ما الذي تسبب في ظلمهم؟ من الذي ألقى بهم في السجون، وهو يعلم أنهم مجرّد متعاطفين لم يرتكبوا أي جرم سوى التعاطف مع شخصٍ أو فكرة أو تيار. وأيا كانت درجة الاختلاف مع هذا الشخص، أو هذه الفكرة، أو التيار. لكن من حق أي فرد التعاطف أو اعتناق أي فكرة.
والسؤال الأهم: وماذا عن باقي المظلومين، ولماذا لا يتم وقف الظلم ووقف تلفيق القضايا بدلا من زيادة أعداد المقبوض عليهم، وأعداد المحبوسين احتياطيا والصادر ضدهم أحكام ثم الشكوى من التكدّس داخل السجون، أليس هناك من يدرك أن الظلم هو وقود العنف والإرهاب؟ ولكن، لماذا يسعى نظام الحكم وأجهزته إلى حل جذري للمشكلة، إن كان لا يرى أن هناك مشكلة من الأساس؟
وهناك أخيرا من سأل عن عدم وجود القيادات الشبابية في قوائم العفو. ماذا عن أحمد دومة وعلاء عبد الفتاح وعمرو علي ورامي السيد، ومن ارتبطت أسماؤهم بثورة 25 يناير؟ الإجابة أن التعجب يحدث إن احتوت قوائم العفو على أسمائهم في ظل تشكيل مثل هذه اللجنة.
DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017