هذا ليس موقفاً

يسألونك عن موقفك من قضيّة ما. يوم الخميس الماضي، أعلن الناطق باسم الرئيس الإندونيسي جوهان بودي، جوكو ويدودو، أنه "لا مكان للمثليّين والمتحوّلين جنسيّاً"، الأمر الذي دانته منظّمة "هيومن رايتس ووتش"، لافتة إلى "تراجع حقوقهم بعدما تعرّضوا لاعتداءات لفظية متكرّرة من قبل وزراء ورجال دين متشدّدين ومنظمات إسلامية". ما هو موقفك من كيفيّة تعاطي إندونيسيا مع هؤلاء؟ اللاموقف قد يضعك في خانة الجبناء أو الضعفاء. ولا بدّ من أن يكون موقفك مداناً من قبل الموقف المقابل. عالقٌ أنت إذاً بين مواقف كثيرة ليست مستعدّة لتقبّلك.

غالباً ما لا يتقبل الناس الوضوح أو الكذب أو الصراحة أو أي شيء آخر. وقد يُستغرب موقفك وتُطلق عليك أحكام كثيرة، وإن كان غير ملزم لأحد. والمواقف عادة ما تُبنى من خلال تفاعل المحيط و"الأنا".

ما موقفك ممّا يجري في سورية؟ وما موقفك من النازحين واللاجئين؟ موقفك قد يؤدي إلى الحكم عليك بـ "العنصريّ". أنت عنصريّ ولا تفكّر في معاناة هؤلاء النفسية والاجتماعية. على الأرجح، لا إحصائيات حول عدد العمال اللبنانيّين الذين طردوا من وظائفهم بهدف استبدالهم بعمّال سوريّين. النقمة هنا شعورٌ طبيعي. لكنّ أرقام النازحين واللاجئين في النهاية، والتسرّب من المدارس، وغيرها، لا تضاهيها أية أرقام، وإن كان الموقف لا يبنى بالضرورة عليها.

وإن سُئلتَ عن موقفك من وزير، ستّتهم بالوقوف مع الفريق الآخر، في حال انتقدته أو انتقدت عمله. مع من تقف؟ لا تقل إنّك لست مؤيّداً لأي فريق. الحياد مثل شرب الماء. يمدّ في عمرك لكن لا طعم له. وقد تسمع أن اللاموقف موقف. ثق إن هذا يقال من قبل "اللاموقفيّين" كتبرير، أو من قبل الآخرين للتخفيف عنك.

لم تكن المشكلة يوماً في أي موقف. هل يمكننا حقّاً إعلان مواقفنا من دون أحكام؟ ربّما تؤيّد حقوق المثليّين من دون أن تكون مقلّداً للغرب، وربّما لديك تحفظّات من دون أن تكون مناهضاً لحقوق الإنسان. لم تعد ترغب في الوقوف في أي صف. أيّ موقف سبقك إليه آخرون وصار لهم خانة. "الأنا" التي فيك تودّ أن تعيش منفردة، في عالم لا أحكام فيه.

يسألونك عن موقفك. الأحداث كثيرة وعليك أن تكون مستعدّاً. لا يعقل أنّك لا تملك إجابات. لن تجد أحداً قادر على تفهّم عزلتك هذه أو تعبك من إعلان مواقف وخوضك جدالات لا طائل منها. ما تريده هو أن يصمت العالم لساعات أو أيام وربّما أكثر وينظّف نفسه من مواقف كثيرة سجّلها. وبعد العودة إلى الصفر، قد يسألك أحدهم عن موقفك من تنظيف العالم. لا تجب حتى لا تقع في الخطأ نفسه مرة أخرى.