05 نوفمبر 2024
هذا الحراك الاحتجاجي في الجزائر
تأتي الوقفات والمظاهرات الاحتجاجية العفوية التي تشهدها بعض مدن الجزائر بمثابة الرد الشعبي المباشر على الإعلان الرسمي عن ترشّح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة في الانتخابات الرئاسية، المزمع تنظيمها في أبريل/ نيسان المقبل. وتعكس ضخامة الاحتجاجات وتوسعها، والدعوات إلى التظاهر من جديد، والتي تطلقها حركة "مواطنة" وسواها من الدعوات، حجم التأزم والاحتقان لدى كتلة شعبية كبيرة في الجزائر من ممارسات النظام الحاكم، وغطرسة القوى المهيمنة عليه، والتي استهترت بإدارة غالبية الجزائريين، ووقفت وراء ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة، على الرغم من مرضه الذي أقعده على الكرسي المتحرك، وجعله مشلولاً وغير قادر على النطق بالكلام.
وعلى الرغم من ذلك كله، تريد القوى النافذة في النظام الجزائري تصوير بوتفليقة كأنه "الشخص المقدس"، حسبما وصفه محمد بن حمو رئيس حزب الكرامة الموالي لبوتفليقة، بل واعتبره "عظيماً وأحد رموز الجزائر"، فيما ذهب رئيس الوزراء الجزائري، أحمد أويحيى، إلى حدّ اعتباره "قدر الجزائريين"، في إشارة إلى حتمية بقائه في كرسي الرئاسة، وتأبيد نظام حكمه.
ولم تقتصر شعارات المحتجين على رفض ممارسات السلطة و"العهدة الخامسة"، حيث هتفوا بشعارات ".. مكانش عهدة خامسة"، و"العهدة الخامسة على دمنا"، و"أولاش السماح أولاش"، وغيرها من الشعارات المعتادة، بل صدحت حناجر المحتجين بشعارتٍ ضد الفساد المستشري، وضد النظام الجزائري، ووصفوه بـأنه "نظام قاتل"، وطالبوا برحيل بوتفليقة، ويحدوهم أملٌ بأن تتخلص الجزائر من هذا النظام الذي يخوّن كل من يعارض "العهدة الخامسة"، ولا ينطق سوى بخطاب المؤامرة الذي هو لسان حال كل الأنظمة القمعية، الرافضة التغيير السياسي، والتداول السلمي للسلطة.
ويعبّر الحراك الاحتجاجي في الجزائر عن بدايات "نهاية عالمٍ ما" في الجزائر، وانحطاط مرحلةٍ بأكملها تمتد إلى أكثر من عشرين عاماً، وأفول جميع مقولاتها، ذلك أن ما يحدث في
الجزائر، في أيامنا هذه، هو احتجاج ورفض من لدن قطاعات واسعة من الشباب الجزائري على سياسات النظام البوتفليقي، وعلى الأزمة الاجتماعية العميقة في المجتمع، والبطالة المقيمة بين أوساط الشباب. ويعّبر كذلك عن تهافت النموذج الذي قدمه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ولعب فيه على وتر المشاعر الوطنية والرمزية التاريخية، وراح يسوّق مقولات الاستقرار والمصالحة الوطنية والسلم الاجتماعي، في حين أن موجات الحراك الاحتجاجي وهبّاته المتكرّرة في الجزائر تظهر مدى احتقان كتلة شعبية هائلة، مأزومة وقلقة، لم تجد أي تعبيرٍ سياسي مقنع لها، يمكنه أن يفتح لها في الفضاء السياسي العام أفقاً، ويمنح مشاركتها في الحياة العامة معنىً وتأثيراً، ويدمجها في النظام البوتفليقي.
جاء عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم بوصفه زعيماً منقذاً من حالات الانهيار والخراب، السياسي والاجتماعي والاقتصادي، التي عرفتها الجزائر بعد أزمة تسعينيات القرن العشرين المنصرم، وتداعياتها السياسية والاجتماعية والأمنية، بعد إقرار التعدّدية السياسية والمصادقة على دستور 1989، إذ كان المأمول منه أن يدشّن طريق المصالحة مع الذات والتاريخ، واحتواء النتائج المعاكسة للمرحلة السابقة لصالح السلم والوئام الأهلي، لكنه راهن على غير ذلك، عبر تمتين سبل سيطرته على السلطة، والتمسّك بها، مع استخامه فزاعه التنبيه المتواصل إلى المحاذير التي يمثلها خطر الإرهاب، أملاً في تجاوز حالة الإخفاق والتردّي التي وصلت إلى البلاد في حكمه. وتمادى في استحضار تلك الطريقة التي تنهض على المزاودة في محاربة العدو الإرهابي، حيث تم اتخاذ إجراءتٍ وسن قوانين لمحاربة العنف، باتت تمس سائر الجزائريين، الممتثلين منهم للقانون والخارجين عنه كذلك.
ودخلت البلاد في أزمةٍ ما تزال تعصف بها، وتمتدّ إلى عشرين عاماً خلت، ولا يخفيها ما زعمه بوتفليقة الذي اعتبر أن "ما تمّ إنجازه خلال العقدين الماضيين لا يمكن لأي جاحد إنكاره"، أي أن ما حققه من إنجازاتٍ عظيمة في الجزائر، منذ وصوله إلى السلطة في إبريل/ نيسان 1999 وإلى يوم إعلان ترشحه لولاية خامسة، فيما يكشف واقع الحال أن استعداده من فوق كرسيه المتحرّك لتأبيد حكمه لا يخفي أن الأزمات المزمنة في الجزائر لم تجد الحل، بل باتت توّلد أزماتٍ جديدةً تغذّيها، وتجد تحققاتها العديدة في الواقع الجزائري المعيشي واليومي،
حيث الفساد المستشري ومظاهر العنف والصراعات القديمة، وسياسات الإقصاء والتهميش، ولا مخرج من هذا كله إلا بحل ديمقراطي يخرج البلد من الأزمة.
غير أن سعي القوى الهيمنة في نظام بوتفليقة للاستمرار في القبض على مفاصل الحكم والبقاء فيه، جعلها لا تدرك أن العنف وحده، لا يُمكنه احتواء موجات الحراك الاحتجاجي الشعبي، بل يحوّل المعسكر الحاكم إلى أقليةٍ متسلطةٍ فاقدةٍ ما تبقى لها من شرعية وطنية في وجه المطالب المحقّة للحراك الاحتجاجي، المتمثلة في ضرورة التغيير السياسي، ولن يبرّر لجوءها إلى مقولة "أعداء الداخل"، هذه المرة، استخدام العنف مجدداً، لقمع الحراك الاحتجاجي ضد العهدة الخامسة.
وتطرح أسئلة كثيرة على الحراك الاحتجاجي الشعبي، والقوى الفاعلة فيه، تطاول حجم اتساعه، وسبل تنظيمه بشكل سلمي، وكيفية الوصول إلى تحقيق مطالبه، ذلك أن حالة الغضب التي أظهرها الشارع الجزائري ضد ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة قد تأخذ طابعاً وطنياً عاماً في حال امتداد الحراك الاحتجاجي إلى مدن كبرى أخرى، وخصوصا الجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة، ذلك أن امتداده إليها سيجسّد التعبير الأوضح عن حالة رفض ممارسات النظام الحاكم، ويكسب الحراك الجرأة الكافية لكسر حاجز الخوف والرهاب الذي حال دون مشاركة قطاعاتٍ واسعةٍ من الجزائريين خلال السنوات الماضية، ويجعل من الصعب على النظام البوتفليقي احتواء الحراك المطالب بالتغيير السياسي، مثلما فعل هذا النظام في حالاتٍ سابقةٍ من تجربة الجزائريين التاريخية المطالبة بالتغيير، بالنظر إلى استغلال النظام طابعها المناطقي والمحدود.
ولم تقتصر شعارات المحتجين على رفض ممارسات السلطة و"العهدة الخامسة"، حيث هتفوا بشعارات ".. مكانش عهدة خامسة"، و"العهدة الخامسة على دمنا"، و"أولاش السماح أولاش"، وغيرها من الشعارات المعتادة، بل صدحت حناجر المحتجين بشعارتٍ ضد الفساد المستشري، وضد النظام الجزائري، ووصفوه بـأنه "نظام قاتل"، وطالبوا برحيل بوتفليقة، ويحدوهم أملٌ بأن تتخلص الجزائر من هذا النظام الذي يخوّن كل من يعارض "العهدة الخامسة"، ولا ينطق سوى بخطاب المؤامرة الذي هو لسان حال كل الأنظمة القمعية، الرافضة التغيير السياسي، والتداول السلمي للسلطة.
ويعبّر الحراك الاحتجاجي في الجزائر عن بدايات "نهاية عالمٍ ما" في الجزائر، وانحطاط مرحلةٍ بأكملها تمتد إلى أكثر من عشرين عاماً، وأفول جميع مقولاتها، ذلك أن ما يحدث في
جاء عبد العزيز بوتفليقة إلى الحكم بوصفه زعيماً منقذاً من حالات الانهيار والخراب، السياسي والاجتماعي والاقتصادي، التي عرفتها الجزائر بعد أزمة تسعينيات القرن العشرين المنصرم، وتداعياتها السياسية والاجتماعية والأمنية، بعد إقرار التعدّدية السياسية والمصادقة على دستور 1989، إذ كان المأمول منه أن يدشّن طريق المصالحة مع الذات والتاريخ، واحتواء النتائج المعاكسة للمرحلة السابقة لصالح السلم والوئام الأهلي، لكنه راهن على غير ذلك، عبر تمتين سبل سيطرته على السلطة، والتمسّك بها، مع استخامه فزاعه التنبيه المتواصل إلى المحاذير التي يمثلها خطر الإرهاب، أملاً في تجاوز حالة الإخفاق والتردّي التي وصلت إلى البلاد في حكمه. وتمادى في استحضار تلك الطريقة التي تنهض على المزاودة في محاربة العدو الإرهابي، حيث تم اتخاذ إجراءتٍ وسن قوانين لمحاربة العنف، باتت تمس سائر الجزائريين، الممتثلين منهم للقانون والخارجين عنه كذلك.
ودخلت البلاد في أزمةٍ ما تزال تعصف بها، وتمتدّ إلى عشرين عاماً خلت، ولا يخفيها ما زعمه بوتفليقة الذي اعتبر أن "ما تمّ إنجازه خلال العقدين الماضيين لا يمكن لأي جاحد إنكاره"، أي أن ما حققه من إنجازاتٍ عظيمة في الجزائر، منذ وصوله إلى السلطة في إبريل/ نيسان 1999 وإلى يوم إعلان ترشحه لولاية خامسة، فيما يكشف واقع الحال أن استعداده من فوق كرسيه المتحرّك لتأبيد حكمه لا يخفي أن الأزمات المزمنة في الجزائر لم تجد الحل، بل باتت توّلد أزماتٍ جديدةً تغذّيها، وتجد تحققاتها العديدة في الواقع الجزائري المعيشي واليومي،
غير أن سعي القوى الهيمنة في نظام بوتفليقة للاستمرار في القبض على مفاصل الحكم والبقاء فيه، جعلها لا تدرك أن العنف وحده، لا يُمكنه احتواء موجات الحراك الاحتجاجي الشعبي، بل يحوّل المعسكر الحاكم إلى أقليةٍ متسلطةٍ فاقدةٍ ما تبقى لها من شرعية وطنية في وجه المطالب المحقّة للحراك الاحتجاجي، المتمثلة في ضرورة التغيير السياسي، ولن يبرّر لجوءها إلى مقولة "أعداء الداخل"، هذه المرة، استخدام العنف مجدداً، لقمع الحراك الاحتجاجي ضد العهدة الخامسة.
وتطرح أسئلة كثيرة على الحراك الاحتجاجي الشعبي، والقوى الفاعلة فيه، تطاول حجم اتساعه، وسبل تنظيمه بشكل سلمي، وكيفية الوصول إلى تحقيق مطالبه، ذلك أن حالة الغضب التي أظهرها الشارع الجزائري ضد ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة قد تأخذ طابعاً وطنياً عاماً في حال امتداد الحراك الاحتجاجي إلى مدن كبرى أخرى، وخصوصا الجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة، ذلك أن امتداده إليها سيجسّد التعبير الأوضح عن حالة رفض ممارسات النظام الحاكم، ويكسب الحراك الجرأة الكافية لكسر حاجز الخوف والرهاب الذي حال دون مشاركة قطاعاتٍ واسعةٍ من الجزائريين خلال السنوات الماضية، ويجعل من الصعب على النظام البوتفليقي احتواء الحراك المطالب بالتغيير السياسي، مثلما فعل هذا النظام في حالاتٍ سابقةٍ من تجربة الجزائريين التاريخية المطالبة بالتغيير، بالنظر إلى استغلال النظام طابعها المناطقي والمحدود.