هدوء حذر في إدلب: استئناف الدوريات المشتركة على "أم 4"

13 اغسطس 2020
استؤنفت الدوريات بعد توقفها لأكثر من أسبوعين (عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

استأنفت الدوريات الروسية - التركية المشتركة سيرها على الطريق الدولي حلب - اللاذقية "أم 4" المار من إدلب شمالي غرب سورية، يوم أمس الأربعاء، بعد توقفها لحوالي عشرين يوماً لأسباب أمنية. وقد يكون استئناف سير الدوريات على الطريق المذكور، مبعثاً لتهدئة التوتر الذي ازداد في الفترة الماضية في "منطقة خفض التصعيد الرابعة" (إدلب وما حولها)، ولا سيما خلال فترة توقف سير الدوريات، وتمثّل بمحاولات قوات النظام وحلفائها التقدّم إلى مناطق واقعة تحت سيطرة المعارضة جنوبي إدلب وشرق اللاذقية، وتزامنت مع اتهامات روسية غير رسمية لتركيا بعدم الامتثال للاتفاقات الثنائية، وسط تهديد مبطن بالتوسع أكثر في إدلب.

وسارت الدورية المشتركة رقم 23 للجيشين الروسي والتركي، صباح أمس الأربعاء، على الطريق الدولي "أم 4"، بعد ساعات من قصف متبادل بين الجيش التركي وقوات النظام السوري بريف إدلب الخاضع لوقف إطلاق النار. وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أنّ الدورية سارت بعد انتشار مكثف للجيش التركي، ترافق مع تحليق من طائرات الاستطلاع. وانطلقت الدورية من قرية ترمبة قرب مدينة سراقب شرق إدلب، وانتهت في قرية عين الحور بريف اللاذقية الشرقي المتاخم لريف إدلب الغربي. وتخضع تلك المساحة لسيطرة المعارضة السورية مع تواجد كبير للجيش التركي.


أعطى توقف الدوريات عن المسير، مؤشراً على خلاف بين الروس والأتراك في إدلب

وسيّر الطرفان التركي والروسي، 22 دورية مشتركة على الطريق الدولي "أم 4"، بموجب اتفاق موسكو بينهما في الخامس من مارس/آذار الماضي، والذي قضى بوقف إطلاق النار وتسيير دوريات مشتركة على طول المسافة التي يقطعها الطريق في إدلب وصولاً إلى اللاذقية. وكان من المقرر تسيير الدورية الثالثة والعشرين صباح الأربعاء في 29 يوليو/تموز الماضي، إلا أنه تم تأجيلها مرات عدة بسبب تهديدات أمنية على الطريق، واستمرار قوات النظام وحلفائها، ولا سيما المليشيات الإيرانية، بخرق وقف إطلاق النار في المنطقة. علماً أنّ الدورية المشتركة رقم 22 قد سارت على الطريق في 22 يوليو الماضي، وسط إجراءات أمنية مشددة، وذلك عقب تعرض الدورية رقم 21 لهجوم بعبوة ناسفة أسفر عن إصابة ثلاثة جنود روس بجروح.

وأعطى توقف الدوريات عن المسير، مؤشراً على خلاف بين الروس والأتراك في إدلب، انعكست معطياته بشكل واضح على الأرض وتحديداً عند خطوط التماس، حيث حاول النظام مراراً خلال الأسبوعين الماضيين التقدم على محور جبل الأكراد بريف اللاذقية الشرقي لإحداث خرق على تلك الجبهة. كذلك، شهدت محاور جبل الزاوية بالريف الجنوبي من إدلب محاولات عدة للتقدم، إلا أنّ جميعها باءت بالفشل، بعد تصدي قوات المعارضة لها.

وكان الصحافي العسكري الروسي أوليغ بلوخين، المرافق للقوات الروسية وقوات النظام في سورية، اتهم السبت الماضي، تركيا باستفزاز موسكو للتحرك في إدلب خلال فترة توقف الدوريات. وقال بلوخين عبر حسابه على قناة "تلغرام"، إنّ "تركيا رفضت مرة أخرى المشاركة في الدوريات الروسية التركية في إدلب"، مدعياً أنّ الجيش التركي غير قادر على ضمان الأمن على طريق الدوريات. وأشار إلى أنه "بحسب ممثل (مركز التنسيق المشترك في دمشق)، فإنّ أنقرة ترفض الامتثال لشروط الاتفاقات الثنائية". ولفت إلى أنّ "تقاعس تركيا عن التحرك، يهدد عملية التسوية بأكملها في إدلب". ونقل المراسل تهديدات مفادها أنّ "الاستمرار بتقاعس أنقرة عن تأدية التزاماتها، قد يؤدي إلى لجوء روسيا للقيام بما يجب، وتوسيع مناطق نفوذ روسيا شمالي إدلب".

في المقابل، فإنّ أنقرة أرسلت رسالة قوية إلى موسكو، بإنشائها قيادة مركزية لتنسيق عملياتها في سورية، تحت مسمى "القيادة العسكرية لعملية درع السلام"، برئاسة اللواء هاكان أوزتكين. وقد شملت صلاحيات القيادة المركزية الجديدة التي أقرها المجلس العسكري الأعلى في تركيا، أربع مناطق من بينها إدلب ومحيطها، ما يؤكد عزم أنقرة إدخال إدلب ضمن إطار نفوذها عسكرياً وربطها بمركز قيادة عملياتها في سورية، إلى جانب مناطق "غصن الزيتون" (عفرين وريفها)، و"درع الفرات" (مدن الباب وأعزاز وجرابلس ومحيطها)، و"نبع السلام" (تل أبيض ورأس العين وما بينهما).

وكانت الليلة قبل الماضية قد شهدت قصفاً من قبل مدفعية الجيش التركي على مواقع للنظام السوري والمليشيات الموالية له في محور مدينة سراقب شرق إدلب، وذلك رداً على خروقات في المنطقة لاتفاق وقف إطلاق النار. كذلك قصفت فصائل المعارضة مواقع لقوات النظام في محور قرية الرويحة ومحور داديخ شرقي إدلب، موقعةً إصابات بشرية في صفوفها. في المقابل، قصفت قوات النظام قرى معربليت والفطيرة ومجدليا ومحيطها والنيرب، ما أسفر عن وقوع أضرار مادية وحرائق في ممتلكات المدنيين.

وقد تكون عودة الدوريات لاستئناف سيرها على الطريق الدولي "أم 4"، مؤشراً على عودة الهدوء إلى جبهات إدلب، ربما بتفاهم تركي – روسي غير معلن، وذلك قبيل انعقاد الجولة الثالثة من أعمال اللجنة الدستورية المقررة في 24 أغسطس/آب الحالي. وكان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد أعرب أول من أمس الثلاثاء، عن أمله باستئناف أعمال اللجنة خلال الشهر الحالي، ما يشير إلى تفاهم روسي تركي حول انعقاد اللجنة. في حين هدّأت أنقرة من حدة تصريحاتها بما يخص الملف الليبي ومدينة سرت، المرتبط بشكل أو بآخر بالملف السوري وإدلب تحديداً، الأمر الذي يجعل عودة التفاهم ممكنة بين الطرفين في إدلب، أخذاً في الاعتبار تداخل الملفات بينهما. 


متابعة الدوريات الروسية - التركية المشتركة على الطريق الدولي أم 4، هي دلالة على استمرار التفاهم بين الطرفين

وفي حديث لـ"العربي الجديد"، قال القيادي في المعارضة، العميد فاتح حسون، إنّ "متابعة الدوريات الروسية - التركية المشتركة على الطريق الدولي أم 4، هو دلالة على استمرار التفاهم بين الطرفين، وتوقفها يعني وجود خلاف إمّا مؤقت أو دائم، وبالتالي يحتاج لتفاهم جديد". وأضاف: "يبدو أنه حتى في ظلّ الظروف الميدانية الحالية والحشود في منطقة إدلب التي تقوم بها الأطراف المعادية (نظام الأسد وداعموه)، ما زالت توجد بعض التفاهمات، وهذا ما تمت ترجمته ميدانياً باستئناف الدوريات المشتركة".

وأشار حسون إلى أنّ "صمود هذه التفاهمات مرتبط بتفاهمات تركيا وروسيا في ليبيا، لذا فتخفيف أنقرة من حدة تصريحاتها حول سرت، قابله تخفيف حدة التوتر في منطقة إدلب والذي تثيره روسيا وتشرف عليه"، مضيفاً: "لقد كان للحشود العسكرية التركية الأخيرة في إدلب وتشكيل قيادة عسكرية مرتبطة بشكل مباشر بقيادة الأركان، أثر إيجابي في لجم النظام وداعميه، وهي رسالة واضحة بأنّ منطقة إدلب تمسّ تركيا بشكل مباشر، ولا يمكن أن تتركها فريسة لروسيا وإيران".

وكانت روسيا وتركيا قد توصلتا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في الخامس من مارس الماضي، بعد شنّ أنقرة عملية عسكرية ضدّ قوات النظام بمشاركة فصائل المعارضة السورية. ونصّ الاتفاق، إلى جانب وقف إطلاق النار، على تسيير دوريات مشتركة بين الجيشين الروسي والتركي على طول الطريق الدولي حلب – اللاذقية "أم 4" المار من إدلب، وإنشاء ممر آمن على جانبي الطريق بعمق 6 كيلو مترات.

وتعرضت بعض الدوريات لهجمات واعتراضات متكررة، اتهمت جماعات متطرفة بالوقوف وراءها، إلا أنّ الهجوم على الدورية رقم 21 كان الأعنف، والذي أعلن تشكيل أطلق على نفسه اسم "كتائب خطاب الشيشاني" الوقوف وراءه. غير أنّ الدورية رقم 22 عادت وسارت على الطريق في 22 يوليو الماضي، ووصلت إلى آخر نقطة مقررة لسير الدورية (بلدة عين الحور بريف اللاذقية). وتوقفت الدوريات بعد ذلك، بتأجيل متكرر لسير الدورية رقم 23، قبل أن تُستأنف يوم أمس.