ربّما، لا يمكننا تحديد الفترة التي ظهرت فيها عبارة "العيال السيس" في قاموس مفردات اللهجة المصرية الدارجة، لكنها باتت وصفاً متداولاً، خصوصاً في العقد الأخير؛ إذ نسمعها في الحديث اليومي لبعض الناس، وحواراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى إنها تمرّ علينا في بعض الأفلام والمسرحيات والبرامج التلفزيونية.
تُطلق هذه التسمية على أشخاص يحملون صفات معيّنة، في سياق نعتهم بطريقة تقلّل من قيمتهم. مفردة عيال، كما هو معروف، يُقصد بها الشبّان، أما السيس فجاءت، غالباً، من التركية، والتي تعني "منعدم" أو "غائب".
نقول: "أدب سيس"، أي قليل الأدب، أو عديم الأدب. فبالتالي، المقصود بـ "عيال سيس" هو أنهم شباب بلا قيمة، أو قليلو التربية، سيئو الخلق.. إلخ. وتُطلق هذه العبارة، عادةً، على الذكور، إلا أن بعضهم يعمم استخدامها على كلا الجنسين.
اتّخذ استخدام هذا الوصف سياقات ثقافية وسياسية واجتماعية، بحيث يرمي من يستعمله إلى تشويه من يخالفه التيّار أو الرأي.
منذ شباط/ فبراير 2011، وما بعده، بات كبار السن، وأولئك المحافظون، يكرّرون وصف "العيال السيس". كان هؤلاء يقولون إن المشاركين في الثورة ضد مبارك "عيال سيس"، وكانوا يستدلون على ذلك بهيئة المعتصمين الذين يظهر عليهم "البهدلة" من أثر البقاء في الشارع لأيام، أو من أثر الظروف الاقتصادية الطاحنة من بطالة وأجور متدنية وغير ذلك، أو حتى الذين اختاروا هذا الشكل لأنفسهم، خصوصاً أصحاب اللحى والشعر غير المهندم. وكانوا يقولون أحياناً عن الثوار: "شوية عيال سيس؛ محششين أو مبرشمين".
عرفت العبارة تحوّلاً لافتاً بفعل سقوط مبارك، فأصبحت تُطلق على شباب أبناء الطبقة البرجوازية، المرفهين الذين لا يعرفون الشقاء ولم يجرّبوا الكثير من الأوضاع التي يعيشها معظم المصريين. هكذا، أصبحت صفة "السيس" تخصّ الشباب الغائب عن السياسة وأوضاع البلاد، والذي لا يشارك في التظاهرات والمسيرات.
لم تمض ثلاث سنوات قبل أن يعود الوصف مجدداً إلى ما كان عليه سابقاً، فـ "الشباب السيس" الذين كان كل همهم "مصيف مارينا" أو السفر إلى أوروبا لقضاء الوقت، قرروا فجأة ترك عادتهم السنوية، والبقاء في مصر للمشاركة في أحداث الثلاثين من يونيو، تشبّها بالثوار الذين كانوا في رأيهم قبل عامين فقط "يسعون إلى تدمير مستقبل البلد".
كان هذا تحولاً في شخصية هؤلاء الذين قضوا سنوات من عمرهم متفرغين لمهاجمة المتظاهرين، لكن هؤلاء المرفهين لم يتمكنوا من مواصلة تقمص شخصية الثوار طويلاً؛ إذ شارك معظمهم في أحداث الثلاثين من يونيو، ثم شارك قلة منهم في مظاهرات لاحقة أطلق عليها "تفويض الجيش لمحاربة الإرهاب".
انتهت مهمة هؤلاء سريعاً، وعادوا إلى طبيعتهم بعدما أسقطوا كل ما تحقق من ثورة يناير؛ ليتفرغوا للسفر والسهر وإنفاق الأموال، ويستعيدوا طبيعتهم في الهجوم على الآخرين الذين يدعون إلى نهاية الفساد وتوزيع عادل للثروة ورفض تحكّم طبقة واحدة في مصير البلاد، وكلها مطالب يفسرها المرفهون بأنها حقد من "العيال السيس" الذين لا يجدون ما يفعلونه غير التظاهر والاحتجاج.
يظل لفظ "العيال السيس" متداولاً في مصر، وإن بات استخدامه يطاول الجميع، أو يتم استخدامه من كل فريق لتوبيخ أو إهانة الفريق الآخر. حتى إنه انتقل، بفعل وسائل التواصل الاجتماعي، إلى بلدان عربية أخرى، وجرى تداوله فيها.
(مصر)