نوري المالكي ومساعي استمالة الأكراد من بوّابة "الخطر الإرهابي"

11 يونيو 2014
استنفار البشمركة على حدود اقليم كردستان (الأناضول)
+ الخط -

يسعى رئيس الحكومة العراقية المنتهية ولايته، نوري المالكي، إلى الاستفادة من تطورات نينوى وصلاح الدين وكركوك، لإعادة اللحمة إلى علاقاته المنقطعة مع مسؤولي إقليم كردستان العراق، ما من شأنه، في حال نجح، وهو أمر شديد الصعوبة، أن يحلّ مشاكل عديدة للمالكي، أبرزها عقدة "الفيتو" الموضوع أمام التجديد له لولاية حكومية ثالثة.

وقد سجّلت أربيل، في الساعات الماضية، أولى اللقاءات الرسمية بين القادة الأكراد وأطراف من حكومة المالكي، بالتزامن مع سقوط محافظة نينوى الحدودية وأجزاء من محافظتي صلاح الدين وكركوك، واستقبال قوات "البشمركة" الكردية فرقاً من الجيش العراقي انسحبت من مدينة الموصل. كل ذلك على الرغم من بلوغ الخلافات ذروتها بين الطرفين، مع إعلان إقليم كردستان العراق البدء بتصدير النفط للأسواق العالمية من دون الحاجة إلى إذن من وزارة النفط المركزية أو الحكومة المنتهية ولايتها.

وحصل التقارب الأخير من قبل طرف واحد، وهو حكومة بغداد، قابلته كردستان بانفتاح حذر، في إطار "حماية المصالح المشتركة"، في إشارة الى المناطق التي تقطنها غالبية كردية ولا تخضع لسلطتها الدستورية، والتي تمثل نواة الخلاف مع بغداد، وتُعرف بـ"المناطق المتنازع عليها"، أو المناطق الخاضعة للمادة 140 من الدستور، أبرزها كركوك ومناطق من ديالى.

ويرى مراقبون أن التقارب الامني قد ينعكس بشكل إيجابي على الملف السياسي والاقتصادي الشائك بين الطرفين، في حال قدمت كردستان مساعدة عسكرية لبقايا الجيش العراقي المنكسر على تخوم نينوى وكركوك وصلاح الدين، لاستعادة المناطق والمدن من الفصائل المسلحة. يقابل ذلك تنازلات كبيرة من حكومة المالكي في ما يشبه المقايضة لقاء حصول بغداد على المساعدة العسكرية المطلوبة، باعتبار أن الطرف الكردي هو الاقوى في معادلة الصراع الحالي.

وكان قادة كبار في الجيش العراقي قد فروا مع بضعة آلاف من الجنود، الى إقليم كردستان، عقب سقوط مدينة الموصل. من بين هؤلاء كل من قائد القوات البرية وقائد عمليات نينوى العسكرية ونائب رئيس أركان الجيش. وقامت سلطات الاقليم باستقبالهم بعد احتجاز العربات العسكرية التي قدموا فيها، وأبقتها قرب الحدود الادارية بين نينوى والعاصمة أربيل.

كما تمكنت قوات من "البشمركة" الكردية، أمس الثلاثاء، من فرض سيطرتها على منطقة الرشاد، شمال كركوك وانتزاعها من الجماعات المسلحة، بعد ساعات من سقوطها وانسحاب الجيش العراقي منها.

وتوجهت ستة أفواج من "البشمركة"، وتمركزت في المناطق الكردية في نينوى وكركوك، لمنع سقوطها، وهو ما اعتُبر أنه بداية دعم عسكري للجيش العراقي وحكومة بغداد.

وتحاول حكومة المالكي الانفتاح بشكل كبير على سلطات إقليم كردستان، من خلال منحها صلاحيات دخول كركوك ومدن نينوى وديالى وصلاح الدين. إلا أن ذلك يقابله ترحيب لا يزال حذراً من المسؤولين الاكراد في أربيل والسليمانية، بسبب ما يصفونه "الحرص على عدم الاستعجال في الحكم على الوضع الامني الجديد".

ووفقاً لتسريبات من مصادر حكومية عراقية، فقد وافقت حكومة نوري المالكي، في ساعة متأخرة من ليلة أمس، الثلاثاء، على منح باخرة النفط الكردي الموجودة في مياه المحيط الاطلسي حالياً، ترخيصاً للبيع في الاسواق العالمية، بعد رفض السلطات المغربية استقبالها في موانئها. كما وافقت على صرف مرتبات "البشمركة" وشراء محاصيل القمح من الاقليم، وإعادة حصة الاكراد من الموازنة الى نسبة 21 في المئة بدلاً من 17 في المئة. معلومات أكّدها القيادي في "التحالف الوطني" الحاكم، حسين البصري، الذي وضع تلك "التنازلات في إطار حاجة حكومة المالكي إلى المساعدة الامنية".

ويوضح البصري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن بغداد قدمت، عبر نائب رئيس الوزراء العراقي (الكردي) روز نوري شاويس، حزمة عطايا وتنازلات لكردستان ووعود بحل المشاكل العالقة، لكن كردستان لم ترد حتى الساعة".

وبحسب المؤشرات التي صدرت عن مسؤولين أكراد، فإن التدخل الكردي لن يتجاوز حماية المناطق التي تقطنها غالبية كردية خارج حدود الاقليم، وهو ما يؤكده القيادي في "الاتحاد الوطني الكردستاني"، حمه أمين، لـ"العربي الجديد"، بقوله إن "عقيدة القوات الكردية دفاعية وليست هجومية، وليس لدائرة القرار في كردستان الاستعداد للتضحية بجنودها في مناطق خارج سلطتها، وخصوصاً إذا ما علمنا أن البشمركة التي يستنجد بها المالكي اليوم، كان بالامس يرفض منحها مرتباتها، ويرفض اعتبارها قوات تابعة للدولة العراقية الاتحادية".
وهنا يتساءل أمين "كيف يمكن الطلب منا الآن الدخول لمناطق عربية من أجل قتال داعش، وهو ما يُعتبر حرباً بالانابة عن جيش وحكومة أبدعت في خلق المشاكل معنا". كما برّر أمين تردد سلطات كردستان بالتعاون عسكرياً مع بغداد بالقول إن "دستور الاقليم يمنع قتال القوات الكردية خارج الاقليم لأي سبب كان، إلا في حالة الدفاع عن أبناء القومية الكردية".

وخلص المسؤول الكردي إلى أن "التدخل سيكون محصوراً في المناطق الكردية الملاصقة للاقليم لحماية أهلها، فضلاً عن تأمينها وعدم وصول المسلحين والمعارك الى حدودنا الادارية".

وكان الأمين العام لوزارة البشمركة، جبار الياور، قد أعلن اتخاذ إجراءات أمنية مشددة لحماية حدود إقليم كردستان من الاحداث الجارية في المحافظات العراقية المجاورة، عبر نشر قوات عسكرية وامنية على طول 2500 كيلومتر مع تلك المحافظات، موضحاً أن "أمن الاقليم الداخلي أهم من كل شيء".

ولا يزال مسؤولون عراقيون أكراد، يؤكدون أن علاقاتهم مع الحكومة العراقية ورئيسها المالكي، هي مرحلة "اختلاف تام"، وليس خلافاً تفصيلياً حول بعض القضايا التي يمكن التعامل معها، والعمل على حلها. لذلك، فإنّ حصول تقارب حقيقي وكلي بين المالكي والاكراد، لمناسبة الحرب الحالية، هو "أمر مستبعد"، بحسب ما يوحي به عضو لجنة الامن والدفاع في مجلس النواب العراقي، شوان محمد، في حديثه لـ"العربي الجديد". ويوضح محمد أن بين أكراد العراق والمالكي والحكومة المركزية في بغداد، "اختلاف جوهري أدى ولا يزال يؤدي باستمرار الى بروز خلافات ومشاكل حتى تراكمت وصارت كثيرة العدد".

ويجزم أن الأكراد "غير متحمسين لقتال المسلحين في المناطق التي غادرها الجيش بكل عدته وعتاده"، مشيراً إلى أن "المستفيد من ذلك القتال سيكون المالكي نفسه بعد هدوء الاوضاع".

المساهمون