14 نوفمبر 2024
نقطةٌ أخرى لصالح إيران
تشكل الأزمة الخليجية الراهنة فرصة أخرى لإيران لتعزيز نفوذها في المنطقة، أمام إفلاس النظام الإقليمي العربي، وعجزه عن تطويق تداعيات هذه الأزمة، والحفاظ على الحد الأدنى من التوافق بين دول مجلس التعاون الخليجي، الأمر الذي سيفتح المجال أمام خلط الأوراق أكثر في المنطقة.
ففي وقت أبان فيه صانع القرار الإيراني عن قدرةٍ لافتةٍ على المناورة وقراءة الاصطفافات وإدارة الضغوط التي تتعرّض لها طهران، جاءت هذه الأزمة لتعكس طورا جديدا في عجز بلدان الخليج عن تدبير المتغيرات التي تعرفها المنطقة منذ اندلاع ثورات الربيع العربي قبل ستة أعوام، سواء على صعيد السيرورات التي أفرزتها هذه الثورات، لا سيما منذ 2013، أو على صعيد التعاطي مع القوى الكبرى والإقليمية الساعية إلى التحكم في هذه الأحداث وتوجيهها بما يخدم أجنداتها.
تدل معظم المؤشرات على أن هذه الأزمة تصب في مصلحة إيران أولا وأخيرا، خصوصا في ضوء ميزان القوى الحالي الذي يميل لصالح المحور الروسي الإيراني في المنطقة، وفشل القوى العربية الكبرى (تحديدا السعودية) في تعديل هذا الميزان لصالحها في سورية والعراق واليمن، على الرغم من الدعم العسكري واللوجستي الكبير الذي قدمته لحلفائها في هذه البلدان.
تنبئنا أبجديات الفكر الاستراتيجي أن ما لا تحصل عليه الدول بالحرب يمكن أن تحصل على كله أو بعضه بالسياسة والدبلوماسية والمناورة، وهو ما لا تدركه، على ما يبدو، البلدان العربية المتخوفة من تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة، فمنذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، جرّبت هذه البلدان كل الوصفات من أجل وقف الامتدادات المذهبية والطائفية والاستراتيجية لهذه الثورة، لكن من دون جدوى، فعوض أن يعرف تراجعا، ازداد نفوذ طهران تمدّدا، وازدادت معه النخب الإيرانية إصرارا على اللعب بأكثر من ورقة، في مواجهة جيرانها العرب، من خلال إنهاكهم في أكثر من بؤرة توتر، في وقتٍ يضيق فيه هامش الحركة أمامهم، بسبب غياب استراتيجية متكاملة وفاعلة لديهم، تأخذ بالاعتبار تبدلات القوة والنفوذ في المنطقة والعالم.
مؤسفٌ أن تتحول مشكلة الإرهاب إلى مصدر تَستخلص منه القوى الإقليمية عوائد سياسية
توظفها لخدمة أجنداتها المتباينة، فالإصرار على الزج ببعض التنظيمات والحركات في خانة الإرهاب تصريفٌ لموقفٍ سياسي غير مدروس، فكيف نجيز اعتبار حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، على الرغم من الاختلاف الفكري والإيديولوجي معها، حركة إرهابية، وهي التي لم تتعدَّ، في كل ما قامت به من عمليات عسكرية ضد الكيان الصهيوني، حدودَ فلسطين المحتلة (التاريخية). وكيف نتجاهل أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر بقدر ما هي جزء من المشكلة المصرية بقدر ما هي أيضا جزء من حلها، على الرغم من إصرار نظام السيسي على إنكار هذه الحقيقة. ثم ماذا تعني هذه الصعوبة البالغة التي واجهت القوات العراقية في حربها على تنظيم الدولة الإسلامية في الموصل، ألا يعني ذلك بوضوح أن قوى عربية مركزية تعمل جاهدةً للحيلولة دون القضاء نهائيا على التنظيم، حتى يظل ورقةً تناوش بها إيران المتغلغلة في مفاصل الدولة العراقية.
من ناحية أخرى، يمثل الموقف الأميركي مؤشرا على المآلات المحتملة لهذه الأزمة، وهو موقفٌ ينزع، على ما يبدو، إلى التوازن، فقبل صدور بيان وزارة الدفاع الأميركية الذي أكدت فيه امتنانها لقطر لدعمها الوجود العسكري الأميركي بها، خمن كثيرون أن إقدام السعودية والإمارات والبحرين على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، جاء بعد تلقيها ضوءا أخضر من إدارة دونالد ترامب، على اعتبار أن السعودية، ربما، كانت تنتظر عوائد سياسية سريعة لمليارات الدولارات التي ضختها في الخزانة الأميركية بعد زيارة ترامب للمنطقة أخيرا. لكن هذا البيان كان بمثابة رسالة لكل أطراف الأزمة، لأنه تضمن تحذيرا مضمرا للبلدان الثلاثة بعدم الانجرار وراء ردود أفعال غير محسوبة، ومكلفة إقليميا، ثم جاء إعلان البيت الأبيض أن الولايات المتحدة ترغب في تسوية الأزمة وفق المبادئ التي أعلنها الرئيس ترامب فيما يخص القضاء على تمويل الإرهاب؛ إعلان فيه نوع من التوازن الذي يترجم مخاوفَ الإدارة
الأميركية من أن يؤدي توتر العلاقات بين بلدان الخليج إلى خدمة أجندة إيران التي من مصلحتها تحويلُ اهتمام الولايات المتحدة والنظام الدولي عن سياساتها التوسعية في اتجاه أزمة دولية جديدة، ربما تتطلب وقتا لحلها، وهو وقتٌ سيستثمره، بالتأكيد، نظام الملالي لترتيب أولوياته في العراق وسورية واليمن ولبنان.
تعي طهران جيدا أن زيارة ترامب للشرق الأوسط أخيرا حملت رسائل كثيرة موجهة إليها. لذلك، تعمل على توظيف هذا التصدع المفاجئ في البيت الخليجي واستخلاص عوائده السياسية. فمن مصلحتها أن يستمر هذا التصدع ويفرز تفاعلاته على المدى البعيد، لا سيما مع هرولةٍ غير مبررةٍ من دول عربية لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، ما سيؤثر، بالطبع، على المنطقة برمتها.
ففي وقت أبان فيه صانع القرار الإيراني عن قدرةٍ لافتةٍ على المناورة وقراءة الاصطفافات وإدارة الضغوط التي تتعرّض لها طهران، جاءت هذه الأزمة لتعكس طورا جديدا في عجز بلدان الخليج عن تدبير المتغيرات التي تعرفها المنطقة منذ اندلاع ثورات الربيع العربي قبل ستة أعوام، سواء على صعيد السيرورات التي أفرزتها هذه الثورات، لا سيما منذ 2013، أو على صعيد التعاطي مع القوى الكبرى والإقليمية الساعية إلى التحكم في هذه الأحداث وتوجيهها بما يخدم أجنداتها.
تدل معظم المؤشرات على أن هذه الأزمة تصب في مصلحة إيران أولا وأخيرا، خصوصا في ضوء ميزان القوى الحالي الذي يميل لصالح المحور الروسي الإيراني في المنطقة، وفشل القوى العربية الكبرى (تحديدا السعودية) في تعديل هذا الميزان لصالحها في سورية والعراق واليمن، على الرغم من الدعم العسكري واللوجستي الكبير الذي قدمته لحلفائها في هذه البلدان.
تنبئنا أبجديات الفكر الاستراتيجي أن ما لا تحصل عليه الدول بالحرب يمكن أن تحصل على كله أو بعضه بالسياسة والدبلوماسية والمناورة، وهو ما لا تدركه، على ما يبدو، البلدان العربية المتخوفة من تصاعد النفوذ الإيراني في المنطقة، فمنذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، جرّبت هذه البلدان كل الوصفات من أجل وقف الامتدادات المذهبية والطائفية والاستراتيجية لهذه الثورة، لكن من دون جدوى، فعوض أن يعرف تراجعا، ازداد نفوذ طهران تمدّدا، وازدادت معه النخب الإيرانية إصرارا على اللعب بأكثر من ورقة، في مواجهة جيرانها العرب، من خلال إنهاكهم في أكثر من بؤرة توتر، في وقتٍ يضيق فيه هامش الحركة أمامهم، بسبب غياب استراتيجية متكاملة وفاعلة لديهم، تأخذ بالاعتبار تبدلات القوة والنفوذ في المنطقة والعالم.
مؤسفٌ أن تتحول مشكلة الإرهاب إلى مصدر تَستخلص منه القوى الإقليمية عوائد سياسية
من ناحية أخرى، يمثل الموقف الأميركي مؤشرا على المآلات المحتملة لهذه الأزمة، وهو موقفٌ ينزع، على ما يبدو، إلى التوازن، فقبل صدور بيان وزارة الدفاع الأميركية الذي أكدت فيه امتنانها لقطر لدعمها الوجود العسكري الأميركي بها، خمن كثيرون أن إقدام السعودية والإمارات والبحرين على قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، جاء بعد تلقيها ضوءا أخضر من إدارة دونالد ترامب، على اعتبار أن السعودية، ربما، كانت تنتظر عوائد سياسية سريعة لمليارات الدولارات التي ضختها في الخزانة الأميركية بعد زيارة ترامب للمنطقة أخيرا. لكن هذا البيان كان بمثابة رسالة لكل أطراف الأزمة، لأنه تضمن تحذيرا مضمرا للبلدان الثلاثة بعدم الانجرار وراء ردود أفعال غير محسوبة، ومكلفة إقليميا، ثم جاء إعلان البيت الأبيض أن الولايات المتحدة ترغب في تسوية الأزمة وفق المبادئ التي أعلنها الرئيس ترامب فيما يخص القضاء على تمويل الإرهاب؛ إعلان فيه نوع من التوازن الذي يترجم مخاوفَ الإدارة
تعي طهران جيدا أن زيارة ترامب للشرق الأوسط أخيرا حملت رسائل كثيرة موجهة إليها. لذلك، تعمل على توظيف هذا التصدع المفاجئ في البيت الخليجي واستخلاص عوائده السياسية. فمن مصلحتها أن يستمر هذا التصدع ويفرز تفاعلاته على المدى البعيد، لا سيما مع هرولةٍ غير مبررةٍ من دول عربية لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، ما سيؤثر، بالطبع، على المنطقة برمتها.