نظام الأسد يفتقر إلى المقاتلين: تجنيد الموظفين والعمال

07 مارس 2016
تشييع مقاتلين لحزب الله سقطوا بسورية (محمود زيات/فرانس برس)
+ الخط -

"لقد كنا في دورة من التجويع، إذ كان تعداد دورتنا 600 شخص، لكل متدرب 6 حبات زيتون وجبة إفطار؛ و25 كيلو بطاطا مسلوقة لكل الدورة في وجبة الطعام الثانية". هكذا يصف أحد موظفي دائرة حكومية في سورية بعض أحوالهم داخل معسكر شمسين، وهو المعسكر الذي اتخذته قوات النظام السوري لتدريب متطوعين جدد في المنطقة الوسطى من حماة وحمص، وهيكلتهم ضمن مجموعات مليشياوية قتالية.


اقرأ أيضاً: تجنيد عراقيين للقتال مع الأسد:1500 دولار و"العرض لفترة محدودة"

يقع المعسكر في جنوب غربي حمص. وانطلقت فكرة إنشائه من محاولات النظام السوري تعويض النقص البشري على جبهات القتال ضدّ المعارضة السورية، إذ يبدو أن الاستعانة بالمليشيات الأجنبية، لم تعد كافية للمشاركة في جميع المعارك، وخصوصاً بعد فتح النظام السوري، منذ التدخل العسكري الروسي في سورية، جبهات إضافية في أرياف اللاذقية وحمص وحماة ودرعا وأخيراً ريف حلب الشمالي.

وبدأ النظام السوري يشعر بالنقص البشري بشكل فاضح منذ أوائل العام الماضي، مما استدعى رئيس النظام، بشار الأسد، للحديث علناً عن هذا النقص في منتصف يوليو/ تموز 2015، أمام رؤساء وأعضاء المنظمات الشعبية والمهنية في قصر الشعب في دمشق، مُقِرّاً بوجود "نقص في الطاقة البشرية".

ومنذ ذلك الحين استمرت المحاولات بأشكال متنوعة، أبرزها الحديث عن تشكيل فيلق رابع، إذ أعلن حينها رئيس الأركان في الجيش النظامي، العماد علي أيوب، في بيان صدر من مقرّ غرفة العمليات الروسية ـ السورية، في قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، عن تشكيل قوات بشرية مزودة بالسلاح والعتاد، كان أهمها الفيلق "الرابع ـ اقتحام".

كما اعتمد النظام على مليشيات برية محلية في المناطق التي يخوض فيها معارك ضدّ مقاتلي المعارضة؛ ففي الساحل السوري، جنّد مليشيات مثل "كتائب البعث"، و"صقور الصحراء"، و"الدفاع الوطني" (الشبيحة)، و"المقاومة السورية لتحرير لواء إسكندرون"، ومليشيا "درع الساحل"، إضافة إلى لواء "البعث في حماة"، والذي اعتمد تشكيله على عمال المعامل المتوقفة عن العمل والإنتاج والتي تعرفُ بـ (المعامل التي لا تنتج). وكان التركيز بصورة أساسية على عمال معامل البورسلان والغزل والحديد والصوف والإسمنت، على أن تكون مهمة اللواء الجديد استلام الحواجز الأمنية داخل مدينة حماة، بعد سحب عناصر الحواجز وشبيحتها الحاليين إلى جبهات القتال.

لكن في منتصف الشهر الماضي، بدأت محاولات تعويض الطاقة البشرية تأخذ منحى رسمياً، إذ أصدرت "القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة" التابعة لوزارة الدفاع في حكومة النظام بياناً دعت فيه المواطنين في مناطق سيطرة النظام للانتساب إلى الألوية التطوعية، على أساس أن تقوم فكرة هذه الألوية على تدريب وتسليح المدنيين من موظفين وطلاب ومتطوعين ضمن لجان شعبية مهمتها حماية المناطق التي تسكنها.

وبعد تأمين مئات من المتطوعين، لجأ النظام السوري إلى وضعهم في معسكر شمسين. ويكشف فريق الرصد والمتابعة في "مركز حماة الإعلامي"، نقلاً عن مصدر أمني مسؤول من داخل المعسكر تحفظ على ذكر اسمه لدواع أمنية، عن أن "الدورة الحالية يبلغ تعدادها نحو 600 متطوع، يتوزعون بين مدنيين وموظفين حكوميين جرت تعبئتهم من مديرياتهم ومؤسساتهم الحكومية التي ينتسبون إليها إدارياً، وسيتم زجُّ هذه العناصر بعد تخريجها من الدورة، في جبهات القتال مباشرة"، نافياً بذلك تماماً ما يروجه النظام من فرز هؤلاء المتطوعين إلى حواجز المدينة.

وفي هذا السياق، تكشف مصادر لـ"العربي الجديد" عن أنه في ما يتعلق بمتطوعي مدينة حماة تحديداً من الموظفين الحكوميين وغيرهم، فإنّه "سيجري فرزهم إلى حواجز المدينة لمدة عشرة 10 أيام فقط؛ وبعدها سيتم سوقهم مباشرةً إلى جبهات القتال لتلافي النقص في العنصر البشري على مختلف الجبهات، خصوصاً جبهات الساحل وريفي حلب الشمالي والجنوبي، فضلاً عن جبهات ريف حماة الجنوبي والشمالي. والدليل على ذلك، أنه تم إرسال الدفعة الأولى بكاملها من المعسكر إلى جبهة تدمر (شرقي حمص)، ولم يعد منها أحدٌ، حيث قتل جميع عناصر الحملة".

وخلصت المصادر إلى القول إن "حالةً كبيرة من النقمة والاستياء يعيشها المتطوعون داخل المعسكر، حيث تجري معاملتهم معاملة يمكن توصيفها بالمسيئة التي ترتكز على الاستغلال والتجويع والإهانة".

وفي السياق نفسه، يقول أحد الأشخاص الذين حضروا هذه التدريبات في معسكر شمسين، إن "هناك حالة من الاستياء والنقمة على (الشبيحة) المدربين لهم داخل المعسكر"، مشيراً إلى أحد هذه المواقف بالقول: "وقف بنا قائد المعسكر برتبة لواء موضحاً أنّ الأمر في الانضمام إلى المجموعات القتالية وحضور المعسكر هو أمر طوعي بعيد عن الإكراه والإجبار؛ فمن أراد الخروج والانسحاب فليفعل. فخرج 300 متدرب من أصل 600، أي ما يعادل نصف الدورة، الأمر الذي صدم الضباط الأمنيين والشبيحة، والذين سرعان ما أعادوا العناصر إلى الدورة".

وحول كيفية تطويع هؤلاء الأفراد في معسكرات نظامية، تقول المصادر نفسها لـ"العربي الجديد"، إنه من خلال معلومات حصلت عليها من أروقة القيادة السياسية والأمنية وقيادات فرع حزب "البعث" في حماة، فإن "كل مديرية تقوم برفع أسماء موظفيها للجنة الأمنية في المدينة لسوقهم إلى معسكر شمسين لتدريبهم وتنظيمهم في مجموعات قتالية، يجري دعم جبهات القتال بهم، وبعد رفع اسم الموظف يُعطى مهلة خمسة عشر يوماً (15) فقط للالتحاق بالمعسكر، وبمجرد انقضاء المهلة وعدم التحاقه يفصل من وظيفته مباشرة".

وتتابع المصادر القول إن "كل مديرية ومؤسسة حكومية يجب عليها رفع أسماء موظفيها جميعهم وسوقهم للتطويع الإجباري في مليشيات قتالية، ولو كلَّف ذلك تعطيل كافة مديريات الخدمات في المدينة عن العمل، فالضرورة الأولى الآن هي تعويض نقص العنصر البشري في معاركنا مع الإرهابيين"، على حدّ تعبيرهم.