ونظراً للتجارب السابقة، يبدو محسوماً أنّ رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام سيتسمرّ في ترؤس جلسات مجلس الوزراء وإقرار المراسيم اللازمة والبنود المعلّقة على جدول أعمال الحكومة. كما بات منتظراً عودة الحياة إلى البرلمان اللبناني بعد موت تشريعي دام 11 شهراً (عُقدت الجلسة التشريعية الأخيرة منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي)، مع توجّه رئيس المجلس نبيه بري إلى دعوة مجلس النواب إلى التشريع بعد جلسة انتخاب هيئة مكتب المجلس يوم الثلاثاء المقبل. وبذلك، يكون نصر الله قد أطاح بمسار التعطيل الذي فرضه أيضاً حليف الحزب الأول، رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، على الحكومة تحت عنوان "الميثاقية" و"حقوق المسيحيين"، وفي البرلمان تحت عنوان "تشريع الضرورة" لاعتبار عون وسائر الكتل المسيحية أنّ المجلس الحالي مجرد هيئة انتخابية أولويتها انتخاب الرئيس.
كما أنّ نصر الله وضع الملف الرئاسي في مرتبة لاحقة، ضارباً بذلك، من جديد، الطموح الرئاسي لعون الذي تضخّم في الأسابيع الأخيرة نتيجة سلسلة المشاورات التي قام بها زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، معرباً عن استعداده لتبني عون رئيساً للجمهورية.
وجاء خطاب نصر الله الأخير ليضع حداً واضحاً لهذا الطموح، على الرغم من ترحيب الأخير بمبادرة الحريري التي قال عنها: "لا أريد أن أبالغ ولا أريد أن أسخّف الأمور فيها"، مكرراً دعمه الكلامي لعون. إلا أنّ معلومات توفرت لـ"العربي الجديد" أفادت بأنّ لقاءً عُقد بين المعاون السياسي لنصر الله، حسين الخليل، والمرشح الرئاسي الآخر، حليف حزب الله أيضاً، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، أكد خلاله الأول عدم ممانعة الحزب باستمرار فرنجية في ترشيحه، في إشارة واضحة إلى العرقلة الحاصلة لمبادرة الحريري.
ومن المتوقع أنّ يستعيد تكتل التغيير والإصلاح برئاسة عون نبرته الحادة في خطابه السياسي بعد الفشل الواضح لمشاورات الحريري، خصوصاً عقب اللقاء الذي جمع فرنجية برئيس البرلمان، نبيه بري، الذي أكد دعمه فرنجية. وفي هذا الإطار، يبدو أنّ التكتل كان يرسم مساراً آخر للأزمة السياسية، إذ وضعت على طاولة عون مجموعة من الاقتراحات لممارسة المزيد من الضغوط على القوى السياسية. وتشير أولى هذه الطروحات إلى تقديم وزيري التكتل، جبران باسيل وإلياس أبو صعب، استقالتيهما من الحكومة والعمل على إقناع وزراء آخرين على الاستقالة، وأولهم وزير حزب الطاشناق، آرتور نظريان. ولو أنّ هذه الاستقالات لن تهدّد شرعية الحكومة والنصاب فيها، إلا أنها ستفتح الأبواب أمام عون لإعادة عنوان "الميثاقية" إلى مجلس الوزراء أيضاً، على اعتبار أنّ الأخير سيكون قد فقد مشاركة حزبين مسيحيين رئيسيين (استقال حزب الكتائب في يونيو/ حزيران الماضي). وبالتالي سيرفع عون مجدداً شعار "الغبن المسيحي" والسيطرة على قرار الطائفة من قبل القوى الطائفية الأخرى، من خلال "شخصيات مسيحية مستقلة متواطئة مع هذه الهيمنة"، أمثال الوزراء المسيحيين المستمرين في علمهم الحكومي.
وإضافة إلى خيار الانسحاب من الحكومة، يعوّل عون على المهرجان السياسي المقرّر عقده يوم الأحد المقبل، إحياءً لذكرى "13 تشرين"، أي اجتياح الجيش السوري لقصر بعبدا وإطاحته بالحكومة التي كان يرأسها عون (بين أعوام 1988 و1990) وتكريس الوصاية الأمنية والسياسية على لبنان. وفي هذا الإطار، أعلمت الهيئات التنظيمية في التيار الوطني الحرّ (الإطار التنظيمي الذي يتزعمه عون ويرأسه صهره الوزير جبران باسيل)، مناصريها بضرورة بدء التحرّكات التصاعدية يوم الجمعة المقبل تمهيداً ليوم الأحد. وفي السياق، دعت هيئات الأقضية اللبنانية في التيار إلى تنظيم مواكب سيّارة ابتداءً من مساء يوم الجمعة، على أن تقوم هذه التظاهرات السيّارة بجولات في المناطق بهدف الحشد والتجييش الشعبي. وهو ما سبق أن حصل العام الماضي، خلال المعركة التي خاضها عون ضد الحكومة التي يشارك فيها، بهدف محاولة التمديد لصهره العميد السابق في الجيش اللبناني شامل روكز، والمحافظة على حظوظ الأخير بتبوّء قيادة الجيش.
وتؤكد مصادر قيادية في التيار لـ"العربي الجديد"، أنّ "عون لم يضع بعد أي خطة واضحة لمواجهة خصومه"، تاركاً بذلك الأمور رهناً بسير الأزمة السياسية ومواقف الكتل النيابية والقوى السياسية في البرلمان والحكومة.
ويمكن القول إنّ كلام نصر الله، المتمسّك بالحكومة وفتح البرلمان، استبق مخطّط عون، وجاء كرسالة واضحة بأنّ حزب الله لن يشارك العونيين في تأزيم الوضع الداخلي وتكريس الشلل الكامل للمؤسسات من خلال ضرب الحكومة وتحويلها إلى حكومة تصريف أعمال. فهل بات عون وحيداً في الصراع من أجل طموحه السياسي؟ جواب نصر الله المسبق يقول "إننا في حزب الله لن نتخلى عن حليف أو صديق ولن نغدر بهم"، إلا أنه سبق للحزب أن ترك عون وحيداً في شوارع بيروت العام الماضي.