يكتوي اليمنيون بالحرب منذ ثلاثة أعوام ونصف العام، ويعيشون في ظل أزمة اقتصادية خانقة ألقت بظلالها على تفاصيل معيشتهم ونغصت احتفالاتهم بالمناسبات والأعياد، ولم يعد الإنفاق على الترفيه والتنزه متاحاً خاصة خلال عيد الأضحى الذي كان ينعش السياحة الداخلية وفرصة للسكان في الذهاب إلى البحر، مع معاناة الاقتصاد الكلي من التدهور.
كان البحر وجهة اليمنيين المفضلة، حيث ينتقل آلاف من سكان وسط البلاد وشمالها إلى المدن الساحلية لقضاء إجازة العيد، وكانت مدينة عدن (جنوب) تستقطب أكثر من نصف مليون زائر خلال أيام عيد الأضحى بحسب الإحصائيات الرسمية، فيما كانت مدينة الحديدة على البحر الأحمر (غرب البلاد) تستقبل نحو ربع مليون زائر.
ويقول أسامة ناصر المقيم في صنعاء، وهو واحد من آلاف اعتادوا قضاء العيد في مدينة عدن: "كل عيد كنت أنتقل إلى عدن مع زوجتي وطفليّ، أنفق هناك نحو 400 ألف ريال في خمسة أيام، نستمتع بالبحر بعد أشهر من العمل في مدينة جبلية، لكن الحرب جمدتنا في أماكننا". ويضيف لـ"العربي الجديد": "بعد عام من توقف راتبي، قبضت نصف راتب قبيل عيد الأضحى، وهو لا يكفي لشراء ملابس الأطفال".
وتعرضت أماكن المتنزهات والترفيه في كبريات المدن اليمنية للدمار أو تم إغلاقها بقرار من السلطات لاعتبارات عديدة. حيث قررت سلطات الحوثيين، منتصف أغسطس/ آب الحالي، إغلاق حديقة السبعين بالعاصمة صنعاء وهي حديقة عامة يديرها مستثمر محلي، بعد رفض المستثمر دفع مبالغ كبيرة باسم الضرائب.
وتعتبر الحديقة متنزها ترفيهيا مناسبا للفئات متوسطة الدخل، وتضم مدينة ألعاب ومساحة للعائلات بالإضافة إلى مطاعم ومحال لبيع الحلويات والفشار، وتتيح الدخول بمبالغ بسيطة، حيث يبلغ سعر تذكرة الدخول 250 ريالاً (نصف دولار) ترتفع خلال الأعياد إلى 500 ريال (دولار).
وتتراوح أسعار الألعاب بين 400 – 700 ريال (دولارين) لكل لعبة، ووفقاً لمكتب السياحة بصنعاء، فإن حديقة السبعين تعتبر متنفس سكان العاصمة اليمنية خلال العيد ويزورها نحو مليون شخص.
وخسر سكان العاصمة اليمنية واحداً من أهم مراكز الترفيه منذ مطلع فبراير/ شباط 2016، بعدما دمر الطيران الحربي السعودي، أجزاء واسعة من ملاهي "فان سيتي" جنوب صنعاء، وهي مدينة ألعاب مملوكة لشركة محلية وتضم صالة للتزلج وصالة للبولينغ وصالات لألعاب الأطفال بالإضافة إلى كافتيريا ومطعم ومحلات، وكانت متنفسا لسكان العاصمة اليمنية في المناسبات.
أما "ماجيكال سيتي"، وهو أحد أهم مراكز الترفيه في العاصمة اليمنية، لا يزال متاحاً للسكان منذ افتتاحه في إبريل/ نيسان 2013، لكن أسعاره المرتفعة تجعله مقصوداً من فئة محدودة، ولا يستطيع معظم سكان صنعاء تحمل تكاليفه، وترضخ الأسر المتوسطة الدخل لرغبات أطفالها في زيارة المركز لكن وفق ميزانية محدودة وبعد اختيار ألعاب معينة.
ويعد "ماجيكال سيتي" أكبر مركز للترفيه العائلي على مستوى اليمن مغلق ومكيف، مملوك للشركة العربية اليمنية الليبية القابضة وهي شركة مساهمة بين الحكومتين اليمنية والليبية يبلغ رأسمالها حالياً 100 مليون دولار. وأسعار الألعاب هنا تتراوح بين 200- 1000 ريال لكل لعبة، وأعلن المركز عن عروض بمناسبة العيد منها باقة 30 لعبة بسعر 7500 ريال (20 دولاراً).
ويوضح عبد الله المترب مدير التسويق في مركز الترفيه العائلي ماجيكال سيتي، أن الحرب ضربت قطاع الترفيه في اليمن رغم أن مراكز الترفيه محدودة وتنعدم فيها المنافسة، مشيراً إلى انخفاض الإقبال على هذه المراكز بشكل كبير نتيجة تدني القدرة الشرائية للمواطنين.
ويضيف المترب لـ "العربي الجديد": "نعاني من ارتفاع كلفة استيراد قطع الغيار نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار وارتفاع الرسوم الجمركية وأجور النقل والتأخر في وصول الشحنات لفترات طويلة تصل إلى أربعة أشهر، كما نعاني من دفع تكلفة مضاعفة في تشغيل مولدات الكهرباء منذ ثلاثة أعوام نتيجة توقف الكهرباء العمومية".
ويقول العاملون في مراكز الترفيه باليمن، إن القطاع بشكل عام والترفيه العائلي بشكل خاص يعتبر مهملاً وغير مستغل بشكل كامل، وذلك نتيجة لعوامل عدة، أهمها التكاليف المرتفعة لمشاريع كهذه. أدى ذلك إلى أن قلة الاستثمارات في هذا المجال باستثناء بعض الشركات، الذي لا يقدم في ظل انعدام المنافسة خدمات الترفيه المتكاملة والابتكارية المواكبة للعصر الحديث.
ويعيش نحو نصف مليون من سكان مدينة تعز (جنوب غربي اليمن) في ظل حصار خانق يفرضه الحوثيون الذين يسيطرون على المنفذين الشرقي والغربي للمدينة. ويصارع السكان لتأمين لقمة العيش، وتفتقد مدينتهم لمراكز الترفيه ما عدا مركزا صغيرا لألعاب الأطفال ضمن منشآت حديقة صغيرة تدعى "غاردن سيتي"، ظلت مغلقة لثلاثة أعوام قبل إعادة افتتاحها خلال مايو/ أيار الماضي.
وتعاني مدينة الحديدة على البحر الأحمر (غرب البلاد) من تداعيات المعارك في الساحل الغربي بين القوات الحكومية والمتمردين الحوثيين من جهة أخرى، ونزح نحو ربع مليون من سكان المدينة خلال الأشهر الماضية، وأصبحت شواطئ البحر مهجورة.
وتخلو غالبية المدن اليمنية من مراكز الترفيه بما فيها محافظة حضرموت الواقعة على البحر العربي (جنوب شرقي البلاد)، وتنحصر مراكز الترفيه في مدينتي صنعاء وعدن.
ولم يتم دفع الرواتب لنحو مليون موظف حكومي في العاصمة صنعاء ومناطق الحوثيين، وواصل الريال اليمني انخفاضه إلى 550 ريالاً للدولار الواحد مقابل 215 ريالاً للدولار قبل الحرب، مما ألحق الضرر بالقدرة الشرائية في بلد يستورد غالبية السلع.