لكي يتمكن النظام السوري من تسويق روايته القائلة بوجود مؤامرة كونية ضد سورية، استعان بشخصيات دبلوماسية، وأدبية، محلية وعربية، وأحياناً عالمية، واللافت أكثر هو لجوؤه إلى الفنانين على اختلاف مستوياتهم، لتسويغ موقفه الذي يعتمد على البطش ويرفض الاستجابة لمطالب الشعب، وقد ترجم ذلك على شكل أغان، وفيديوهات مهللة لقوات الأسد، وتحيات يرسلها فنانون إلى زملائهم وقائدهم من مؤتمر "سوتشي".
وكان آخر ما نضح به إناء الفن الموالي للنظام السوري فيلم "رجل الثورة" للمخرج نجدت أنزور، الذي بدأ عرضه في دمشق قبل أيام قليلة، ولعلها ليست مصادفة أن يتزامن العرض مع تعرض سكان الغوطة لهجمات بغاز الكلور السام من جانب النظام بحسب ما ذكرته "صفحات ناشطين" ومنظمات حقوقية عالمية، وسط انتقادات كثيرة من مثقفين وناشطين معارضين، بسبب طريقة تناول الفيلم لمجازر الكيميائي.
يأتي فيلم "رجل الثورة" ضمن سلسلة من إنتاجات المؤسسة العامة للسينما التي سخرتها وزارة الثقافة بعد الثورة لإظهار النظام في وضع المسكين، البريء، المعتدى عليه، وتصوير الثوار على أنهم إرهابيون دمروا البلاد، وأنهم ينفذون مخططاً صهيونياً إمبريالياً، مقابل حفنة من الدولارات تدفعها دول عربية يصفها إعلام النظام بأنها (رجعية).
تدور أحداث الفيلم خلال سنوات الثورة في سورية، بشكل متزامن مع مجزرة الكيميائي في خان شيخون التي راح ضحيتها عشراتُ المدنيين، ويروي قصة الصحافي الأجنبي الذي يلعب دوره الفنان سيف الدين سبيعي، بعد دخوله بصورة غير شرعية إلى سورية عن طريق لبنان، بحثاً عن قصص ينشرها عن الواقع السوري.
ولكن ما يفاجئ الصحافي "بحسب رواية الفيلم" الأمان الذي يسود المدن السورية، بعكس ما ينقله الإعلام الغربي، ما يدفع الصحافي للانخراط في صفوف مقاتلي المعارضة ليشارك في صنع الأخبار، ويظهره الفيلم على أنه أحد المشاركين في مجزرة الكيميائي في خان شيخون، في إشارة إلى أن النظام بريء منها ومن غيرها من حالات استخدام الكيميائي الموثقة من قبل الأمم المتحدة نفسها، وتأكيد اتهام النظام للثوار بارتكاب هذه المجازر، بغية كسب تأييد المجتمع الدولي.
وكان بشار السبيعي، شقيق الفنان سيف الدين السبيعي (بطل العمل) وهو معارض للنظام، قد كتب عبر صفحته في "فيسبوك" منتقداً الفيلم، وقبول أخيه بلعب دور البطولة، واصفاً أخاه بأنه أسوأ من المخرج نجدت أنزور، واتهمه بـ"النذالة".
واعتبر أن الفيلم يسيء لرجال الدفاع المدني في سورية (القبعات البيضاء) ويظهرهم على أنهم إرهابيون، وخاصة بعد ترشيح فيلم "آخر الرجال في حلب" الذي أبدعه المخرج فراس فياض، لنيل جائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم وثائقي. الكاتب حسن م يوسف قدم حوارات الفيلم كلها باللغة الإنكليزية.. وأراد أنزور أن يسوغ ذلك فزعم أن الجمهور السوري يعرف الحقيقة، وأنه يريد أن يوصل (الحقيقة) إلى العالم كله.
تبنى نجدت أنزور رواية النظام قبل الثورة عندما قدم المسلسل الملحمي "أخوة التراب" من إنتاج شركة "الشام الدولية"، وهو من تأليف حسن م يوسف نفسه، في فترة كانت علاقات النظام السوري تعيش توترا مع تركيا، رافقه تهديد تركي بشن حرب على سورية. ثم تابع أنزور نهجه بالدفاع عن النظام إلى أن كافأه بعضوية مجلس الشعب، وحصوله على أسهم من شركة "طاقة الرياح المستقبلية" بحسب ما نشره موقع "الاقتصادي".
تجدر الإشارة إلى أن فيلم رد القضاء كان من تأليف ديانا كمال الدين، كاتبة مسلسل "وحدن" الذي صوره أنزور نهاية عام 2017، في إحدى قرى محافظة السويداء، ليعرض في شهر رمضان القادم، عن عائلة عانت من الحرب في سورية، وفيه يستثمر أنزور معاناة الناس المدنيين السوريين ليخدم رواية النظام عن "المؤامرة الكونية" أيضاً.