نجحت الثورة.. ولكن

21 يناير 2016
أين يكمن نَول التغيير الحقيقي (فرانس برس)
+ الخط -
مما لا شك فيه أننا نحتاج لكثير من الدراسة والتقييم لثورات الربيع العربي، معجزة هذا القرن، سواء في ظروف اشتعالها، وأهدافها، ومستوى انخراط النخب الاجتماعية والثقافية فيها، أو مدى استجابتها وتحقيقها لمطالب الجموع التي أشعلتها، إضافة لمستويات العنف التي قوبلت به وعنفها المضاد في مسيرة سعيها لخلع الأنظمة أو ذاك الناجم عن تهدم أركان السلطة وانتشار الفوضى في المرحلية المفصلية بين خلع نظام وإرساء آخر.


ومما لا شك فيه أن لكل بلد خصوصياته الاجتماعية والسياسية التي أدت إلى اندلاع شرارة الغضب الشعبي ضد حكومته، وأن هناك قوى لعبت إقليميا على عامل الفوضى وإذكاء العنف ضمن أو عقب كل ثورة؛ إلا أنه لا بد من الإشارة إلى أن تونس تبدو الدولة الأقل ارتباكا من حيث انحسار العنف والاقتتال، ونجاحها في تحقيق انتقال سلس وسلمي للسلطة، لكن هذه المقاربة لن تصمد طويلا أمام تمحيص دقيق للواقع في ميدان دراسة نتائجها ومدى تحقيقها طموح شبابها، إذ نجد أن هذه الثورة النموذج انصرفت إلى الاهتمام بتشكيل الحكومات، وغيبت مضمون الثورة.

فالثورة التي صدّرت الربيع إلى بلدن الشتاء الدامس لم يحصد شبابها ثمارها بعد، إذ بعد مرور نصف عقد على سقوط النظام ما يزال يرفع ذات الشعارات التي خرج في الشوارع مطالبا بها، حرية، كرامة، شغل، وفي البحث في دراسات عالمية تناولت ثورات العالم في القرن السابق بالدراسة والتشريح يرى كرين برنتن في كتابه تشريح الثورة أن "المجتمعات التي تمر بالدورة الكاملة للثورة هي في بعض النواحي أقوى غير أنها لا تبزغ عادة بعد صنعها مباشرة"، لكن اعتماد هذه المقولة لا يعفي بأي حال من تلمس بوادر تغيير حقيقي يقع تطبيقها فعليا على أرض الواقع من توفير مناخ ملائم للتعبير عن فعالية المجتمع وطاقاته الفعالة أو طرح مشاريع تستوعب طاقات التخطيط الممنهج والمؤسس لبنى أساسية لأنظمة العمل واستيعاب طاقات الشباب وتفعيلها، وإطلاق مشاريع تؤمن مواطن شغل قارة وآليات تشغيل دائمة وفعلية للحد من نسبة البطالة والتحسين من الظروف الاجتماعية المتردية لهؤلاء الشباب.

إن الحكومات المتعاقبة على امتداد خمس سنوات كاملة لم تنشئ مؤسسات تفسح للشباب إمكانية المشاركة في بناء دولته، أو رسم توجهاتها وفقا لمطالبه التي ثار من أجلها، على الدولة أن تعالج شواغل الحامل الاجتماعي للثورة، جيل الشباب، من خلال البحث في سبل ناجعة لتطوير مهاراتهم وتحقيق مطالبهم الملحة على صعيد العمل، سعيا نحو استيعاب وتوجيه طاقاتهم المستقبلية بما يخدم المجتمع والدولة كمعبر حقيقي له ولفعاليته الحضارية.

إن معضلة بطالة الشباب تتطلب قرارات حاسمة باعتباره الحلقة الأهم في المسار الثوري، الشباب الذي لم يتخل عن سبب الثورة وعلتها وحافظ على الروحية الثورية رغم الإخفاقات السياسية. ففي ظل غياب حاضنات اجتماعية مدنية وأمام تقصير الدولة تجاههم تأخذ المقاهي دور الحاضن غير الآمن للم شملهم حيث يمارسون حريتهم في الكلام والتعبير والتجمع، "حرية" بجيوب فارغة لا قيمة لها في عيون من يرى سعادته ومتعته في العمل وليس في الراحة، أوقات الفراغ المهدورة والأوضاع الاجتماعية المتردية للشباب تمثل المناخ الملائم لاستقطابهم من طرف تنظيمات إرهابية.

شباب مصاب بخيبة أمل في ثورته، يئس من الوعود الواهية لمسؤولين أتقنوا حرفة بيع الكلام، فأين يكمن نَول التغيير الحقيقي لتصويب مسار نتائج ثورتنا.

(تونس)
المساهمون