"منتدى الهجرة عبر المتوسط" في ليبيا بمشاركة أفريقية وأوروبية

17 يوليو 2024
صورة تذكارية في انطلاق منتدى الهجرة عبر المتوسط، ليبيا، 17 يوليو 2024 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- انطلقت أعمال منتدى الهجرة عبر المتوسط في ليبيا بمشاركة 28 دولة أفريقية وأوروبية لتعزيز الحوار حول إدارة الهجرة غير النظامية وتحديد السياسات المشتركة.
- شهد المنتدى حضور شخصيات بارزة مثل رئيس حكومة تونس ورئيسة حكومة إيطاليا، حيث أكدت الأخيرة على أهمية التعاون بين إيطاليا وليبيا لمواجهة تحديات الهجرة.
- عبّر الدبيبة عن رفض ليبيا لتوطين المهاجرين غير النظاميين، مشدداً على ضرورة إيجاد مقاربات عملية وبرامج تنموية في بلدان المهاجرين الأصلية.

انطلقت أعمال منتدى الهجرة عبر المتوسط في ليبيا، اليوم الأربعاء، بمشاركة 28 دولة أفريقية وأوروبية، من خلال رؤساء حكومات وممثلين دبلوماسيين وسفراء لدى ليبيا وممثلي منظمات دولية معنية بملفّ الهجرة غير النظامية. ويُعَدّ هذا المنتدى مبادرةً لحكومة الوحدة الوطنية الليبية من أجل تعزيز الحوار، ما بين الدول الأوروبية والأفريقية المعنية، حول إدارة الهجرة غير النظامية عبر البحر الأبيض المتوسط وتحديد السياسات المشتركة في هذا الإطار.

وترأس رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة الاجتماع الرئاسي لمنتدى الهجرة عبر المتوسط اليوم، في حين يترأس وزير الداخلية المكلّف عماد الطرابلسي أعمال اجتماع وزراء داخلية الدول المشاركة. وقد شارك في الاجتماع الرئاسي كلّ من رئيس تشاد محمد إدريس ديبي، ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني (رافقها وزير داخليتها ماتيو بيانتيدوزي)، ورئيس حكومة تونس أحمد الحشّاني (رافقه وزير داخليته خالد النوري)، ورئيس وزراء مالطا روبرت أبيلا.

ويأتي منتدى الهجرة عبر المتوسط كذلك متابعةً لزيارة قام بها رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية عبد الحميد الدبيبة لبروكسل في شهر مايو/ أيار الماضي، والتقى في خلالها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، وقد تناول معها مسألة تطوير "تعاون أفضل" ما بين الاتحاد الأوروبي وليبيا في قطاع الهجرة كذلك، وهو أمر يتعيّن تحقيقه "انطلاقاً من الأولويات المشتركة". يُذكر أنّ نائب رئيسة المفوضية مارغريتيس شيناس يمثّل الاتحاد الأوروبي في المنتدى.

وفي كلمته التي ألقاها في افتتاح المنتدى، رأى الدبيبة وجوب أن تمضي الدول المتضرّرة من الهجرة غير النظامية في تطوير القطاعات الحيوية والاقتصادية في الدول الأفريقية المصدّرة للهجرة لتوفير فرص عمل لأبنائها. وأشار إلى أنّ الأموال المصروفة في الأعوام الخمسين الماضية لم تحلّ المشكلة، مشدّداً على ضرورة توجيه التمويل إلى بلدان المهاجرين الأصلية، من أجل تنفيذ مشروعات تنموية حقيقية تساهم في استقرارهم في مناطقهم. وقال: "نسعى إلى تأسيس حركة فعلية لحل هذه المشكلة".

أضاف رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية أنّ أزمة الهجرة غير النظامية "تؤرّق دولاً كثيرة"، وأشار إلى أنّ الدول الأفريقية تعاني من أزمات اقتصادية وجوع بسبب ويلات الاستعمار ونهب الثروات في خلال العقود الماضية، الأمر الذي يدفع المواطنين الأفارقة إلى البحث عن سبل للعيش عبر طريق محفوف بالمخاطر قد ينتهي بالموت في البحر الأبيض المتوسط.

كذلك تحدّث الدبيبة عن التحديات الكبيرة التي يواجهها المهاجرون في أثناء رحلات الهجرة غير النظامية عبر الصحراء، إذ يقضي كثيرون منهم عطشاً وجوعاً، وعند وصولهم إلى ليبيا يحاولون عبور البحر الأبيض المتوسط حيث يواجهون خطر الموت غرقاً. وبيّن أنّ "أوروبا تستخدم كثيراً من الطرق لمنع هؤلاء، وأفريقيا تدفع بهم إلى البحث عن حياة أفضل، ونحن نجد أنفسنا وسط ضغط من الشمال والجنوب". وأوضح الدبيبة أنّ منتدى الهجرة عبر المتوسط سوف يسلك مسارَين، شارحاً أنّ "الأوّل هو الرؤية الاستراتيجية التي يشارك فيها رؤساء الدول والحكومات، والثاني مسار التعاون الأمني الذي يشارك فيه وزراء الداخلية والوزراء المعنيون".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

من جهتها، قالت رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، في كلمتها أمام منتدى الهجرة عبر البحر المتوسط اليوم، إنّ "البحر الأبيض المتوسط ​​يمثّل أولوية، ومن غير الممكن أن يكون بحر أبيض متوسط ​​من دون إيطاليا وليبيا معاً". أضافت، أنّ "ثمّة تحديات في هذه الأوقات، لا يمكننا مواجهتها بمفردنا، والهجرة واحدة منها". وأوضحت ميلوني أنّ "من أجل معالجة هذه القضية بجدية، ثمّة حاجة إلى تغيير النهج 360 درجة"، ولفتت إلى أنّ "إيطاليا تعمل جاهدة من أجل ذلك" على مستويات متعدّدة، من بينها "مكافحة الاتجار بالبشر"، مبيّنة أنّ الشبكات الإجرامية الكتورّطة في ذلك تُعَدّ من أكثر الشبكات نفوذاً بحسب تقارير أممية. وأكدت ضرورة مكافحة الهجرة غير النظامية ووضع استراتيجية لمعالجة هذه الأزمة بطريقة متزامنة.

وأفادت ميلوني بأنّ في العامَين الأخيرَين، تعاونت بلادها مع الدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، مشيرة إلى أنّ "التحديات كبيرة تجاه ملف الهجرة غير النظامية". وفي حين سلّطت ميلوني الضوء على دور إيطاليا في مكافحة شبكات تهريب المهاجرين، بيّنت أنّ تدفقات الهجرة الكبيرة صعّبت مهامهم في إدارة هذا الملف.

أمّا رئيس وزراء مالطا روبرت أبيلا، فقد رأى أنّ حلّ أزمة الهجرة غير النظامية يبدأ من البلدان الأصلية. وشرح أبيلا، في انطلاق منتدى الهجرة عبر المتوسط اليوم، أنّ المهاجرين يتركون بلدانهم بسبب النزاعات والحروب، بحثاً عن السلام وفرص أفضل، مضيفاً أنّ الصعوبات الاقتصادية تُعَدّ سبباً آخر للهجرة، مشدّداً على أنّ في الأمر تحدياً لدول العبور التي تثقلها حركة هؤلاء الأشخاص نظراً إلى تحمّلها تكاليف الخدمات المقدّمة لهم. ودعا أبيلا إلى توحيد الجهود والتركيز على حلول للعوامل الرئيسية المسبّبة للهجرة غير النظامية، من قبيل دعم خطط التنمية في أفريقيا. ولفت إلى أنّ مالطا أدرجت ملف الهجرة على أولويات الاتحاد الأوروبي، في السنوات الخمس الأخيرة.

بدوره، شدّد رئيس الحكومة التونسية أحمد الحشّاني، التي تُعَدّ بلاده متضرّرة من أزمة الهجرة، على أهمية تحليل أسباب الأزمة، مشيراً إلى أنّ تغيّر المناخ والفقر من أبرز دوافعها. وأضاء، في منتدى الهجرة عبر المتوسط اليوم، على جهود تونس الكبيرة بهدف الحدّ من الهجرة وإدارة موجات تدفّق المهاجرين غير النظاميين الذين هم بمعظمهم من جنسيات دول جنوب الصحراء. ورأى الحشّاني أنّ للمهاجرين الحقّ في البحث عن حياة أفضل، لكنّ تونس تتعامل بحدود إمكاناتها والمساعدات التي قُدّمت لها قليلة جداً. وإذ قال الحشّاني إنّ تونس ليست عنصرية وهي تنتمي إلى إفريقيا، أفاد بأنّ حلّ أزمة المهاجرين لا بدّ من أن يكون من بلدانهم الأصلية وليس من دول العبور.

في الإطار نفسه، قال نائب رئيسة المفوضية الأوروبية مارغريتيس شيناس إنّ منتدى الهجرة عبر المتوسط يُعَدّ إنجازاً مهماً لحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، مؤكداً التزام الاتحاد الأوروبي بدعم ليبيا في ملف الهجرة. وأشار شيناس إلى أنّ أصوات عديدة في أوروبا تحاول تجزئة ملف الهجرة غير النظامية، في حين أنّ الاتحاد الأوروبي لا يؤيّد هذا النهج. وأوضح أنّ الحلّ الأمثل يكمن في جلب جميع أصحاب المصلحة لمناقشة ملف الهجرة نحو بلدان المهاجرين الأصلية. ورأى شيناس أنّ من الضروري التعاون مع الدول على المستوى الثنائي ومساعدة الشركاء لإيجاد حلول جذرية لهذا الملف، مشدّداً على أهمية تحسين حياة الأشخاص على المستوى الاقتصادي لتحقيق نتائج مستدامة.

الصورة
رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا عبد الحميد الدبيبة ورئيس حكومة مالطا روبرت أبيلا في مؤتمر قبيل منتدى الهجرة عبر المتوسط - 16 يوليو 2024 (محمود تركية/ فرانس برس)
الدبيبة وأبيلا عشية انطلاق منتدى الهجرة، ليبيا، 16 يوليو 2024 (محمود تركية/ فرانس برس)

تجديد مذكرة تفاهم قبيل منتدى الهجرة عبر المتوسط

وعشيّة انطلاق أعمال منتدى الهجرة عبر المتوسط اليوم، وقّعت ليبيا ومالطا على تجديد مذكّرة تفاهم ثنائية في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية. واجتمع عبد الحميد الدبيبة مع نظيره المالطي روبرت أبيلا والوفد المرافق له في العاصمة طرابلس، وبحثوا "متابعة ملف التعاون في مكافحة الهجرة غير النظامية، وتبادل السجناء من مواطني البلدَين، والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى ملف الطاقة والاستثمار". واتّفق الطرفان على "الإسراع في عقد اجتماع الدورة الـ28 للجنة المشتركة الليبية المالطية، برئاسة وزيرَي خارجية البلدَين، بهدف تفعيل مذكرات التفاهم واتفاقيات التعاون في مختلف المجالات ووضع الإطار القانوني المناسب لها".

يُذكر أنّ ليبيا ومالطا كانتا قد وقّعتا، في الأوّل من يونيو/ حزيران من عام 2020، مذكّرة تفاهم صالحة لمدّة ثلاث سنوات تنصّ على إنشاء مركزَي تنسيق في عاصمتَي الدولتَين، طرابلس وفاليتا، من أجل تعزيز سبل مواجهة الهجرة غير النظامية عبر البحر الأبيض المتوسط. كذلك تنصّ مذكّرة التفاهم أن تقترح مالطا على الاتحاد الأوروبي زيادة الدعم المالي لتعزيز أمن الحدود الليبية، بما في ذلك اعتراض أنشطة الاتجار بالبشر ومتابعتها في منطقة البحث والإنقاذ في البحر الأبيض المتوسط. يُذكر أنّ مالطا تشكو من إجبارها على استقبال المهاجرين غير النظاميين الوافدين من ليبيا على أراضيها.

وقال رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية أمام الصحافيين إنّ ما مرّت به ليبيا من أزمات جعل حدودها مفتوحة، الأمر الذي جعلها وجهة للمهاجرين من بلدانهم، علماً أنّ ليبيا ما زالت تعاني من جرّاء ذلك. وعبّر الدبيبة عن رفض بلاده محاولة دول عدّة، لم يسمّها، توطين المهاجرين غير النظاميين في ليبيا، مشيراً إلى أنّ هدف المنتدى الخروج بمقاربات عملية لتفعيل برامج تنموية للمهاجرين في بلدانهم الأصلية بهدف مساعدتهم هناك. وأضاف أنّ ليبيا ملتزمة المشاركة في حلحلة قضايا المهاجرين بالشراكة مع المجتمع الدولي.

وكان الدبيبة قد أكد أنّ حكومته تتطلّع إلى أنّ يشكّل منتدى الهجرة عبر المتوسط "منصّة نقاش جادة لإيجاد إطار عملي واستراتيجي يضمن تحقيق التنمية في الدول الأفريقية، للحدّ من ظاهرة الهجرة"، وذلك من خلال "مقاربات تعالج حقيقة المشكلات" البلدان الأصلية، "بعد أن أثبتت التجربة فشل الاقتصار على الحلّ الأمني".

وفي حين عبّر الدبيبة، في كلمة نشرها على حسابه على موقع فيسبوك، عن أمله بانعقاد المنتدى "بمشاركة رئاسية ووزارية واسعة لدول الساحل والصحراء الأفريقية مع نظرائهم الأوروبيين"، لفت إلى أنّ تلك الدول "لم تعد مجرّد دول عبور فقط، فتزايد أعداد المهاجرين يضعنا أمام مسؤولية أمنية وأخلاقية، للمشاركة في الدفع مع كلّ الدول المعنية لوضع حلول جامعة تعالج المشكلة مبكراً، وتوفّر حياة كريمة للمواطن الأفريقي في بلده".

ومنذ أكثر من 13 عاماً، تعاني ليبيا من انفلات أمني، على وقع أزمة سياسية حادة حوّلتها إلى مقصد للمهاجرين غير النظاميين الوافدين من العمق الأفريقي، علماً أنّ مئات من عصابات تهريب البشر راحت تنشط في رحلات عبر الحدود الجنوبية في اتجاه سواحل ليبيا الشمالية المقابلة للسواحل الأوروبية الجنوبية. وتنطلق من هذه المناطق قوارب الهجرة غير النظامية في اتجاه شواطئ أوروبا، ولا سيّما مالطا التي تشكو من إجبارها على استقبال المهاجرين الوافدين من ليبيا على أراضيها.

المساهمون