نتنياهو... وفرض السلطة على الإعلام الإسرائيلي

23 يوليو 2016
يواصل محاولة فرض سيطرته على الإعلام (Getty)
+ الخط -
يشكل رئيس الحكومة الإسرائيلية، الحالي، بنيامين نتنياهو، حالة فريدة من نوعها من بين السياسيين الإسرائيليين في العقدين الأخيرين، في كل ما يتعلق بعلاقته مع الإعلام الإسرائيلي ككل وخاصة كل ما تشتم منه ميول يسارية أو ليبرالية مناهضة ومعارضة لفكره السياسي واليميني.
فقد تمكن نتنياهو منذ نافس شمعون بيريس، عام 1996 على رئاسة الحكومة، إثر اغتيال رابين، من تكريس فكرة كون الإعلام الإسرائيلي يساريًا ومعاديًا لليمين وللتطلعات والأهداف القومية في صفوف شرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي.
ولم تقف التغييرات التي طرأت في قطاع الإعلام الإسرائيلي، ولا التحولات الداخلية ضمن الإعلام الرسمي، من ضم جيش من الصحافيين من اليمين الإسرائيلي في قلب سلطة البث الرسمية، وفي قلب القنوات التجارية، منذ اعتلاء الليكود للحكم في العام 1977، عائقا أمام مواصلة نتنياهو، خاصة خلال المعارك الانتخابية، الهجوم على الإعلام واتهامه باليسارية والسعي لإسقاط الحكومة اليمينية التي يرأسها. وذلك ليس فقط من خلال انتقاد سياسات حكومته بل من خلال سعي الإعلام و"نبشه" في ملفات يشتبه أن نتنياهو تورط فيها خلال عمله رئيسا للحكومة، وإبراز ظاهرة التبذير في مقر نتنياهو وفي صرف مبالغ طائلة لإشباع رغباته الشخصية ونزوات زوجته سارة نتنياهو. وآخرها، بحسب دعاية نتنياهو ومريديه، ما نشر عن وجود تحقيق من قبل الشرطة الإسرائيلية مع نتنياهو وأفراد أسرته بشبهات حول تلقيه أموالا بطرق غير مشروعة.
وعلى مدار العقدين الأخيرين، حظي نتنياهو بشكل عام بتأييد مطلق من مختلف أحزاب اليمين، بالرغم من تنامي ظهور صحف ومواقع يمينية يدعم بعضها سياسات نتنياهو ويدافع حتى عن "القضايا قيد التحقيق"، وفي مقدمتها موقع "والا" الإخباري، وصحيفة "يسرائيل هيوم" المجانية التي يملكها الثري الأميركي شيلدون إيدلسون، والقناة الإسرائيلية اليمينية 24، وبطبيعة الحال صحيفة التيار الديني الصهيوني، "مكور ريشون".
لكن تغييراً ما طرأ هذا الأسبوع على "هذا التأييد المفهوم ضمنًا" لمقولات نتنياهو وسعيه لفرض سيطرة كاملة على الإعلام، عندما أعلن اثنان من أبرز رموز اليمين الحالي في إسرائيل اليوم، وهما الوزيران نفتالي بينت (من حزب البيت اليهودي الممثل للتيار الديني الصهيوني)، ووزير المالية موشيه كاحلون (زعيم حزب كولانو)، عن معارضتهما الشديدة لقرار نتنياهو بتأجيل بدء عمل تنظيم سلطة البث الجديدة حتى مطلع العام 2018، التي يفترض فيها أن تحل محل سلطة البث القائمة. ومع أن نتنياهو ادعى أن التأجيل يأتي بسبب عدم جاهزية الهيئة الجديدة لإطلاق عملها، إلا أن جهات سياسية وحزبية في إسرائيل نفت ذلك معتبرة أن الهدف الأساسي هو محاولة نتنياهو إحباط القائمين على الهيئة الجديدة حتى يستقيلوا ليتمكن من تعيين مقربين منه على رأس هرم هذه الهيئة.
وتزامن هذا مع محاولة نتنياهو دعم مقترح قانون لنائب من المعسكر الصهيوني، هو الصحافي السابق ميكي روزنطال، الذي يقضي بفرض بضعة قيود إضافية على سياسة نشر الدعايات والإعلانات "الخفية" غير المباشرة في وسائل الإعلام، ومحاولة نتنياهو لتلافي معارضة حزب "أغودات يسرائيل" الحريدي لهذا القانون بسبب امتلاك الحزب لصحيفة يومية، من خلال تحديد أن القانون يسري فقط على الصحف التي تبيع أكثر من خمسين ألف نسخة يومياً، وهو ما فضح عملياً نوايا نتنياهو بمحاربة صحيفة "يديعوت أحرونوت"، وهي الصحيفة الورقية الوحيدة المتبقية في إسرائيل التي تتمتع بهذا الانتشار، وتباع مقابل ثمن محدد خلافا لصحيفة "يسرائيل هيوم" التي توزع مجانا.
وقد فضح هذا البند حقيقة نوايا نتنياهو، ما دفع بوزراء من خارج الليكود إلى معارضة هذه الاقتراحات التشريعة، خوفا على حرية الصحافة، ولكن بدرجة أكبر خوفا من أن تمس هذه القوانين بصحف سياسية موالية لأحزابهم.
وقد اعتبر زعيم حزب البيت اليهودي، نفتالي بينت، أن القوانين الجديدة وخطوات نتنياهو الأخيرة تعرض حرية التعبير عن الرأي وحرية الصحافة للتهديد، فيما ذهب موشيه كاحلون إلى الحديث عن أن قرارات نتنياهو تعني عمليا خسارة نحو 400 مليون شيكل من خزينة الدولة في حال تم تأجيل إطلاق عمل هيئة البث الجديدة.
لكن المشكلة في تصريحات الوزراء، وبقية المعارضين من الائتلاف الحكومي، أنهم جميعا كانوا وقّعوا، في اتفاقية تشكيل الائتلاف الحكومي الحالي، على البند الذي يخول نتنياهو مطلق الصلاحيات (باعتباره وزير الإعلام) أيضا، في كل ما يتعلق بمجال الإعلام وإدارته في إسرائيل، بما في ذلك مثلا سعي نتنياهو إلى إدخال منافس للقناة الثانية للحصول على حقوق بث وإدارة قناة التلفزة التابعة للكنيست، عبر سعي نتنياهو لتمكين شركة "والا" من المنافسة في المناقصة القادمة، على إدارة ونقل بث قناة الكنيست.
وقد دفعت هذه التحركات بعدد من المراقبين وكتاب الصحف في إسرائيل إلى العودة للحديث مجددا عن هوس نتنياهو الإعلامي، كما فعل  يوسي فيرتير في هآرتس، وإلى مقارنة نتنياهو برئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برليسكوني، الذي فرض سيطرة كبيرة على الإعلام الإيطالي خلال سنوات حكمه من خلال شرائه وتحكمه بالقنوات التلفزيونية المختلفة في بلاده.




المساهمون