كسب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في الأسبوع الحالي، عامين إضافيين على حكومته الرابعة، على الرغم من استنادها إلى ائتلاف هش نسبياً، كونها تتمتع بأغلبية 61 صوتاً من أصل 120 صوتاً في البرلمان الإسرائيلي. فقد أعلن وزير المالية الإسرائيلي، موشيه كاحلون، من حزب "كولانو"، وبفعل اتفاق الائتلاف الحكومي، أنه سيوافق على تقديم مشروع ميزانية عامة لسنتين، أي للعامين 2017 و2018، ما يوفر عناءً على نتنياهو ويضمن له استقرار ائتلافه الهش لعامين إضافيين، بدلاً من الخوض في متاهات مطالب جديدة من شركائه الائتلافيين، أو تهديد بإسقاط الحكومة.
لكن أهم من ذلك، جاء لنتنياهو مع مرور عام على تشكيل حكومته عبر نتائج الاستطلاع الخاص الذي أجرته صحيفة "معاريف سوف هشفوع"، وبيّن أن نتنياهو سيحظى في حال جرت الانتخابات الإسرائيلية اليوم بتأييد 47 في المائة من الإسرائيليين له، وأن المنافس الذي قد يواجهه وقد يشكل خطراً على مستقبله السياسي، رئيس حزب "يش عتيد" يئير لبيد، سيحصل في حال جرت الانتخابات اليوم على 36 في المائة فقط من الأصوات، مع اندثار وتلاشي أي خطر مهما كان ضئيلاً من زعيم المعارضة الحالي يتسحاق هرتسوغ.
وعلى الرغم من تراجع قوة حزب الليكود الذي يترأسه نتنياهو من 30 مقعداً إلى 26 مقعداً في البرلمان، إلا أن الخريطة السياسية والحزبية التي رسمها الاستطلاع تبيّن أغلبية مطلقة لليمين الإسرائيلي، تُمكّن نتنياهو وحده من تشكيل حكومة إسرائيلية مقبلة. أما لبيد الذي يحصل حزبه على 21 مقعداً وفق الاستطلاعات الجديدة، فلا يملك أملاً في تشكيل ائتلاف مع أحزاب الحريديم، وهو يرفض، لعنصريته المعلنة، على الرغم من تصنيف نفسه وحزبه كحزب وسط، أن يفكر حتى بالاعتماد على دعم الأحزاب العربية الممثلة اليوم بـ"القائمة المشتركة" ولها 13 مقعداً، من خارج الائتلاف الحكومي.
وتُبيّن الخريطة الحزبية الجديدة، وفقاً للاستطلاع، تراجع قوة الليكود كحزب (وليس نتنياهو كمرشح لرئاسة الحكومة)، من 30 مقعداً إلى 26 مقعداً، بينما يرتفع عدد مقاعد حزب لبيد من 11 مقعداً حالياً إلى 21 مقعداً. أما أهم ما أظهره الاستطلاع، فهو استمرار تراجع حزب "المعسكر الصهيوني" بقيادة زعيم المعارضة يتسحاق هرتسوغ من 24 مقعداً إلى 15 مقعداً.
اقرأ أيضاً: روسيا وإسرائيل... تنسيق أمني وتفاهمات سياسية
وأفاد الاستطلاع بتقدّم لبيد على هرتسوغ، ليؤكد مجدداً أن حزب "المعسكر الصهيوني" واليسار في إسرائيل ككل، لم يعد مرشحاً ولو حتى نظرياً للتنافس على قيادة دفة أمور إسرائيل وتشكيل حكومة جديدة فيها، وإنما تحوّله إلى قوة ثالثة (برلمانياً)، وربما رابعة، في حال استمر المد الفاشي في إسرائيل والمقرون بالتطرف القومي والديني، وأنتج تحالفات جديدة بين قوى اليمين المختلفة، يمكّنها أن تنافس الليكود ونتنياهو على قيادة إسرائيل. وبالتالي قد يتحوّل التنافس في إسرائيل بين اليسار التقليدي المرتبط بأحزاب وتحالفات مع الوسط (كحزب هتنوعاة، بقيادة تسيبي ليفني، الذي اتحد مع حزب العمل ليشكلا كتلة المعسكر الصهيوني)، وبين اليمين التقليدي الذي يرفع شعار الحقوق الفردية (في ما يتعلق بمكانة الفلسطينيين في الداخل)، إلى التنافس بين هذا اليمين التقليدي الذي يمثّله الليكود بتحالفه الحالي مع الحريديم والبيت اليهودي، وبين تحالف يميني ممكن يقوده كل من لبيد وأفيغدور ليبرمان، اللذين يحصلان وفق الاستطلاع أعلاه على 29 مقعداً تقريباً.
وقد دلّت نتائج الاستطلاع على ارتفاع قوة ليبرمان إلى 9 مقاعد، بدلاً من 6 مقاعد حالياً، وارتفاع قوة البيت اليهودي بزعامة نفتالي بينيت، إلى 12 مقعداً بدلاً من 8 مقاعد حالياً. وعلى الرغم من أن بينيت مشارك في الائتلاف الحكومي الحالي، إلا أنه لم يتردد خلال العام الأول لحكومة نتنياهو، في افتعال أزمات حكومية، خصوصاً في كل ما يتعلق بالبناء في المستوطنات، وفي مسألة "حق اليهود" في الصلاة في باحات المسجد الأقصى.
وبالعودة من هذه التوقعات والسيناريوهات إلى الوضع الراهن في إسرائيل، مع مرور عام على حكومة نتنياهو، فإنه من الواضح، وبحسب تقديرات مراقبين للساحة الداخلية الإسرائيلية، أن تراجع قوة الائتلاف الحكومي في الاستطلاع إلى 57 عضواً من 61 حالياً، لا يشكّل تهديداً حقيقياً للحكومة الحالية بقيادة نتنياهو، وذلك لكون الائتلاف الحالي يتمتع في نهاية المطاف بنوع من الانسجام بين أقطابه في القضايا السياسية، وخصوصاً في كل ما يتعلق بالمفاوضات مع الطرف الفلسطيني، وبتحديد وتقييد هامش النشاط والتحرك السياسي للفلسطينيين في الداخل. ويعود هذا الترجيح لفرص ثبات قوة ائتلاف نتنياهو الحالي، إلى حالة الشرذمة والتفكك وعدم الانسجام بين الكتل البرلمانية التي تُشكّل المعارضة الإسرائيلية. إذ تتكوّن كتل المعارضة البرلمانية لحكومة نتنياهو، من ثلاث كتل محسوبة على اليسار، هي "المعسكر الصهيوني" بقيادة يتسحاق هرتسوغ، وحزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيغدور ليبرمان اليميني، وحزب "يش عتيد" بقيادة يئير لبيد، الذي يصنّف نفسه على أنه حزب وسط يميل لليمين، لكنه في الواقع حزب يميني بكل معنى الكلمة وإن كان يدعي أيضاً أنه يحمل الفكر الليبرالي.
وتعاني المعارضة البرلمانية لحكومة نتنياهو بفعل هذا الانقسام، من عدم توافقها على موقف معيّن ضد حكومة نتنياهو، ومن المستحيل مثلاً أن يوافق حزبا ليبرمان ولبيد على التصويت لحجب الثقة عن حكومة نتنياهو وتقديم ائتلاف حكومي بديل يستند مثلاً إلى مشاركة "القائمة المشتركة"، أو أن يسهما في إسقاط حكومة يمين عبر التصويت لاقتراح حجب ثقة عن الحكومة قدمه أحد الأحزاب العربية المشاركة في "القائمة المشتركة". وفوق هذا كله، فإن طموح لبيد لأن يكون البديل المقترح لنتنياهو، يدفعه إلى اتخاذ مواقف أكثر تطرفاً في القضايا السياسية من مواقف "المعسكر الصهيوني" ومحاولة عزل نفسه عن "صبغة" اليسار، وذلك طمعاً في جلب المزيد من التأييد له من داخل معسكر اليمين.
يضاف إلى ذلك كله، البُعد الاجتماعي الديموغرافي المرتبط أيضاً في سياق حكومة نتنياهو الحالية في عامها الأول، بسؤال هوية إسرائيل اليهودية وتراثها، وحرب وزيرة الثقافة الإسرائيلية ميريت ريغف لجهة تغليب النزعة الشوفينية حتى في الحركة الثقافية في إسرائيل، مع التلويح براية إنصاف الثقافة الشرقية، عبر حرب على نخب الثقافة الإشكنازية. وفي هذه الحرب فإن الليكود وإن كان أصلاً مكوناً من نخب إشكنازية غربية، إلا أنه تمكّن منذ صعود مناحيم بيغن للحكم أول مرة عام 1977، من أن يسوّق نفسه باعتباره حزباً يمثّل كل شرائح "الشعب اليهودي"، وبشكل خاص اليهود الشرقيين. كما أنه تمكّن من استقطاب وإنتاج نخب في الحكم من أصول شرقية بشكل طبيعي وغير مفروضة من قيادات الحزب العليا، وذلك خلافاً للصورة المرسومة في مخيلة الإسرائيليين، والمطابقة إلى حد كبير للواقع، بأن حزب "يش عتيد" بقيادة لبيد يمثّل عملياً النخب الغربية الإشكنازية الجديدة التي تمثّل أيضاً مصالح الطبقة البرجوازية الصغيرة، التي لا تشمل قطاعات واسعة من الشرقيين. بينما لا يزال حزب "يسرائيل بيتينو" بقيادة أفيغدور ليبرمان، يُعتبر حزب المهاجرين الروس. وتعني هذه الحقيقة في الواقع وضع عراقيل وحواجز نفسية أمام توجّه واسع للناخبين الشرقيين سواء كانوا علمانيين أم محافظين وتقليديين، ومصوّتي التيار الصهيوني الديني لأي من الحزبين، أيضاً بفعل التمايز بين مجموعة الشرقيين وبين هذين الحزبين في المسائل المتعلقة بالهوية اليهودية وعلاقة الدين بالدولة.
ويمكن الاستدلال عملياً من نتائج الاستطلاع، أن نتنياهو سيبقى، ما لم تحدث هزات عميقة داخل إسرائيل، وربما داخل الليكود نفسه، الشخص الذي قد يتولى في العام 2019، مرة أخرى مهمة تشكيل حكومة جديدة في إسرائيل.
اقرأ أيضاً: عام على الفوز الانتخابي لنتنياهو... ليس الأقوى ضد "حماس"