نازحو الموصل: خيام أربيل أكثر أمناً من انتقام المالكي

16 يونيو 2014
خيم النازحين (العربي الجديد)
+ الخط -

 

بين ليلة وضحاها تغيرت حياة آلاف العراقيين، من الاستقرار إلى اللجوء، لكل حالة مفرداتها ومعاناتها، لكن أسوأ ما في الأمر هو فجأة التحول من حال إلى حال، ولكنه أكثر سوءاً هذه المرة.

علياء إبراهيم، ابنة الموصل، لا تستوعب إلى الآن أنها أصبحت وزوجها وأولادها الثلاثة لاجئين يعيشون على مساعدات المنظمات الإغاثية في مخيم يقع عند مشارف إقليم كردستان، بعدما كانوا الأسبوع الماضي يعيشون في منزلهم ولديهم حياتهم بكل تفاصيلها؛ من عمل وجيران واكتفاء مادي فقدوه بعد اندلاع الاشتباكات بين مسلحي العشائر وجيش النظام، الأمر الذي أحال حياتهم كابوساً.

"حصلنا على خيمة واسعة نسبياً في مخيم الخازر، الذي أقيم على مسافة 40 كيلومتراً من مدينة أربيل، مع أغطية وبعض الحاجات الضرورية ووجبات طعام ومروحة"، تقول أم الأولاد الثلاثة بقناعة، بعدما عملت حكومة إقليم كردستان وعدد من المنظمات الإغاثية على توفير احتياجاتهم في المخيم المجهز بوحدة طبية لعلاج الحالات الطبية الأولية.

وتروي علياء لـ"العربي الجديد" قصة هروبهم من مدينة الموصل فجر الثلاثاء الماضي، بعد استيقاظهم على حالة هرج واسعة عمت حي الزهور، حيث تسكن، في ظل تداول الجيران أخباراً عن سقوط المدينة بشكل كامل بأيدي مسلحي (داعش)، ولكن زوجها بداية لم يصدق الأمر وفضل الانتظار إلى الصباح للتأكد من الموضوع.

تتوقف علياء عن الحديث لاصطحاب ابنها إلى الحمام المشترك المقام في مخيم النازحين، فيما يواصل زوجها أبو بلال الموضوع قائلا "بعدما تم التأكد بشكل كامل بأن مدينتنا خلت من أي جندي أو شرطي، وأن جيراننا بدأوا الرحيل خشية القصف الجوي الذي نتوقع أن يقوم الجيش به في أي لحظة من أجل استعادة المدينة التي توزعت في شوارعها عشرات العربات المدرعة وناقلات الجند المحترقة، فيما تناثرت على جوانب الطريق مئات القطع من الملابس والتجهيزات العسكرية التي تركها عناصر الأمن أثناء فرارهم من المدينة".

أبو بلال، قال إنه وصل إلى مشارف مدينة أربيل بصحبة جارهم الذي يمتلك سيارة نقل كبيرة اتسعت لأربع عوائل ضمت رجالا ونساء و11 طفلاً افترشوا الأرض في قضاء "اسكي كلك" التابع لإقليم كردستان عقب مجيئهم إلى المنطقة التي أصبحت مقرا لمخيم الخازر الذي يقطنون فيه الآن بمعية أكثر من مائة خيمة من الحجم الكبير والمجهزة بالماء والكهرباء والحمامات المشتركة.

عائلة داخل إحدى خيام النازحين (العربي الجديد)




وبالرغم من الأعمال الإغاثية المتواصلة في المخيم، فإن ارتفاع درجات الحرارة والعواصف الترابية التي تهب بين فترة وأخرى فاقم معاناة النازحين، وخصوصاً الأطفال الذين أصيب العديد منهم بحالات مرضية تزايدت حدتها لدى حديثي الولادة.

وتخشى حسناء كريم (أم معاذ) من فقدان ولدها ذي الشهرين، والذي أصيب منذ وصولهم إلى المخيم بحالة إسهال شديد مع تقيؤ وأعراض مرضية تحتاج إلى تحاليل ورعاية من نوع خاص لا تتوفر في الوحدة الطبية الموجودة داخل المخيم. وترجح أن تكون إصابة ولدها ناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة كحال العديد من الأطفال الآخرين، بالإضافة إلى انتهاء كمية الحليب الخاص به والتي جاءت بها من الموصل، واضطرارها إلى إعطائه حليباً من النوع الرخيص المتوفر قريبا من المخيم.

وتسيطر الحيرة على أم معاذ، التي تريد الإسراع بعرض ابنها على الطبيب المختص داخل مدينة أربيل، ولكنها تعرف أن الأمر بحاجة إلى مبلغ ضخم من أجل الاستشارة والتحاليل وشراء الأدوية، وهي وزوجها لا يملكان المال، ولا يعرفان أحداً يستطيع المساعدة في إنقاذ حياة الطفل الذي لا يكف عن البكاء، برغم محاولات أمه المستمرة في تهدئته.

قائم مقام قضاء "خابات"، رزكار مصطفى، أكد أن العمل متواصل في توسعة المخيم الذي تمت إقامته بالتعاون مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. وقال "من المقرر أن يصل عدد الخيم في المخيم إلى ما يقارب الألف خيمة مجهزة بكل الاحتياجات المطلوبة خلال الفترة المقبلة".

ويضيف مصطفى في تصريح إلى "العربي الجديد" أن العمل الحالي في توسيع المخيم يهدف إلى رفع طاقته الاستيعابية إلى عدة مئات من العوائل النازحة وغير القادرة على تحمل كلفة العيش داخل مدينة أربيل من حيث استئجار سكن أو شراء ضرورات الحياة اليومية".

وبشأن الأعداد التقريبية للنازحين من محافظة نينوى، قال المتحدث الرسمي لمحافظة أربيل حمزة حامد أنها تصل إلى 120 ألفاً، وصلوا إلى أربيل منذ الأسبوع الماضي، داعياً أهالي مدينة أربيل إلى تقديم العون والمساعدة إلى إخوانهم النازحين.

نازحات في مخيم اللجوء بكردستان (العربي الجديد)




وفي جولة لـ"العربي الجديد" تبين أن عدداً كبيراً من النازحين لجؤوا إلى السكن داخل مدن إقليم كردستان بالرغم من الأسعار التي تسجل أعلى ارتفاع لها في هذا الوقت من العام والذي يعد ذروة الموسم السياحي في الإقليم.

وتوجهت العشرات من العوائل الموصلية ذات الإمكانات المادية الجيدة إلى السكن داخل أربيل أو مصيف "شقلاوة" السياحي، حيث تتوفر الشقق والوحدات السكنية المفروشة التي لا تقل أسعار السكن فيها عن مبلغ (600) دولار لأقل وحدة في المجمعات السكنية هناك.

ذنون ياسين، نازح من حي الكرامة في الموصل، لجأ إلى اقتسام شقة مفروشة مع عائلة أخيه من أجل تقاسم الإيجار الشهري، وهو الأمر الذي اتبعته العديد من الأسر النازحة من الموصل، بهدف تحمل أعباء السكن داخل مدينة أربيل التي تشهد ارتفاعا كبيرا في الأسعار بسبب طبيعتها السياحية، وكذلك فصل الصيف الذي يجعلها المكان المفضل لجميع العراقيين بسبب اعتدال الطقس وتوفر الخدمات.

يحكي ذنون لـ"العربي الجديد" أن 14 عائلة من أقربائه ومعارفه يتوزعون على مختلف أنحاء أربيل، وأنهم يتواصلون بشكل مستمر من أجل الاتفاق على المكان الأقل كلفة من حيث السكن تمهيداً لانتقالهم إليه بصورة جماعية، وخصوصاً أنهم لم يخططوا للعودة إلى مدينتهم التي يتوقعون تعرضها إلى حملة عسكرية كبيرة تطال في الجزء الأكبر منها المدنيين الباقين هناك.

ومع أن إسماعيل السليمان - نازح من منطقة البكر في الموصل - يتمتع بحالة مادية جيدة مكنته من حجز بيت مؤثث في مصيف "شقلاوة" شمال مدينة أربيل، إلا أن ارتفاع الأسعار وعدم معرفته بالمدة التي سيمضيها مع عائلته لاجئين في كردستان جعلته يشعر بالقلق من نفاد النقود التي جلبها معه، والتي يقدر بأنها ستكفيهم إلى ما بعد شهر رمضان المقبل بفترة قليلة.

ويشير السليمان إلى أن أحداث الموصل وخروجهم المباغت منها، لم يوفر لهم فرصة تصفية أعمالهم التجارية وتحويلها إلى مبالغ مالية، تعينهم على الأوضاع المتردية، لافتاً إلى أنه يفكر بحلول مختلفة لتغطية مصروفات بقائهم في الإقليم الكردي لأطول فترة، ومنها الانتقال إلى مكان أقل كلفة أو الاقتراض من بعض الأصدقاء الموجودين خارج العراق إلى حين عودته إلى مدينته وتسديد القروض.

وبالعودة إلى مخيم النازحين، فإن أبو بلال يؤكد أن العديد من العوائل لم تتحمل حياة اللاجئين وباشرت بالعودة إلى مدينة الموصل، بالرغم من المخاطر المترتبة على قرار الرجوع، مبيناً أنه ودع جاره في المخيم والذي أجرى اتصالات مع العديد من أصدقائه الباقين في الموصل واتخذ قرار العودة في الصباح الباكر.

ويرى أبو بلال، أن قلة من الناس تستطيع تحمل انقلاب حياتها رأساً على عقب بين ليلة وضحاها، وقال "بالرغم من قدرتي المالية المحدودة، إلا أنني كنت أسكن في منزل فسيح في الموصل وأزاول عملي اليومي من أجل تأمين حياة جيدة لزوجتي وأطفالي المتفوقين في دراستهم".

ومع امتنان زوجته علياء لكل الخيّرين ممن ساعدوهم في محنتهم، تقول متنهدة، وهي تختتم حديثها بعدما اختنقت بالحزن، ولم تعد تستطيع إخفاء دموعها المنهمرة، "أعجز عن وصف حالتي النفسية، وأنا أشاهد أطفالي يلعبون بالرمال في الأرض الجرداء الملاصقة للمخيم".