31 أكتوبر 2024
موسمُ قلب الحقائق في الأمم المتحدة
سجلت الدورة الحالية للجمعية العامة للأمم المتحدة سابقة على مستوى الحضور العربي ودلالاته. ظهر ذلك واضحا في تناول الموضوع الفلسطيني بكل تشعباته المعروفة، ومشكلة الإرهاب. تحولت الدورة إلى مناسبةٍ لقلب الحقائق وتزييفها، فرضته ضرورة توددٍ عربيٍّ غير مسبوقٍ لإسرائيل وشبكات النفوذ المختلفة التي تقف خلفها في الغرب، وتحديدا في الولايات المتحدة.
وإذا كان حفظُ السلم والأمن الدوليين، ومنعُ أعمال العدوان، وتطويرُ العلاقات بين الأمم على أساس المساواة والتعاون، وتعزيزُ احترام الحقوق والحريات، والحيلولةُ دون استعمال الدول الأعضاء القوة لحل نزاعاتها أبرز مهام المنظمة الدولية العتيدة، كما هو مثبتٌ في ميثاقها، فإننا لسنا في حاجة للتذكير بإخفاقها التاريخي المعلوم في أول تَحَدٍّ واجهته، حين قرّر الصهاينة، بدعم غربي مكشوف، إنشاء كيانهم الغاصب في فلسطين المحتلة، فأذعنت للضغوط التي مورست عليها، وأصدرت جمعيتُها العامة قرار التقسيم، سيئ الذكر، في قفزٍ مشبوه على حقائق التاريخ والجغرافيا، ووقفت مكتوفة الأيدي إزاء عمليات الاحتلال والتهجير والتقتيل والاستيطان التي نفذتها إسرائيل خلال سبعة عقود على مرأى من العالم ومسمعه. وظلت قضية الشرق الأوسط العنوانَ الأكثر دلالةً لضعف المنظمة الدولية، وارتهانها لإرادات القوى الكبرى، وجماعات المصالح والنفوذ والرأسمال الدولي التي تتحكّم في دواليب القرار الدولي.
وإذا كان مجلس الأمن يُلخص، إلى حد كبير، الاختلالات البنيوية التي يعرفها أداؤها، لا سيما فيما يرتبط بنظامي العضوية وحق النقض (الفيتو) اللذين يُجسدان هيمنة الكبار، وتحكمهم في كواليس السياسة الدولية، فإن الجمعية العامة ظلت دائما تمثل المنبر الذي يمكن استثماره لفضح حقيقة العلاقات الدولية، في ضوء ما لدى هذه الجمعية من إرث تاريخي في هذا الصدد، حين كانت، إبّان الحرب الباردة، أهم وسيلة لإيصال صوت بلدان العالم الثالث المتطلعة آنذاك إلى الاستقلال والتحرّر من التبعية.
كنا ننتظر أن تكون المشاركة العربية واعيةً بمتغيرات المرحلة، وحالة الانسداد غير المسبوقة التي تعرفها المنطقة، والأهم من هذا وذاك الوعي ب''الجهود الحثيثة'' التي تبذلها قوى إقليمية ودولية لتصفية القضية الفلسطينية ومصادرة الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وإقبارها إلى الأبد.
كان دالا للغاية تفادي وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إدانة الكيان الصهيوني، بكل سجله الحافل في الإرهاب والقتل والتدمير، وعدمُ تحميله استمرار الصراع، وحديثُهُ عن غياب مبرر لاستمرار النزاع (وليس الصراع!) الفلسطيني الإسرائيلي، في ظل التوافق الدولي حول الحل القائم على أساس دولتين.
لم تعد إسرائيل دولة محتلة ومغتصِبة لأراض فلسطينية وعربية، بل صارت جزءا من النسيج الثقافي والاجتماعي للمنطقة. وأصبح أمن المواطن الإسرائيلي وسلامته هاجسا عربيا مركزيا، إلى درجة أن عبد الفتاح السيسي، من فرط انشغاله الكبير بأمن إسرائيل، اختلط عليه الأمر ولم يستطع أن يميز، بشكل لا يخلو من دلالة، بين الإسرائيليين والفلسطينيين حين قال ''إن أمن المواطن الإسرائيلي يجب أن يكون جنبا إلى جنب مع أمن المواطن الإسرائيلي''.
ألم تستحق غزة إشارة، ولو عابرة، في خطابي الوزير السعودي وقائد الانقلاب في مصر، وهي التي تتعرّض، منذ أعوام، لحصار خانق تحت غطاء إقليمي ودولي واسع؟ هل يمكن تصور تنزيلٍ منطقيٍّ لفكرة الدولتين في ضوء استمرار إسرائيل في احتلالها الأراضي الفلسطينية واستباحتها بمشاريع الاستيطان، ورفضها حل مشكلة اللاجئين؟ ألا تشكل هذه القضايا أساسَ الصراع وأفقا لأي حل عادل؟
كان مفترضا أن تكون الدورة الحالية للأمم المتحدة بالنسبة للبلدان العربية فرصة لطرح القضايا الملحة والحيوية الآنية، وأهمها المطالبة بحفظ النسيج الوطني والأهلي في أكثر من بلد عربي، والحق في الديمقراطية والتنمية، واحترام الإرادة الشعبية، وتوقفِ المؤسسات المالية الكبرى عن سياساتها الاقتصادية التي ترهن مستقبل أجيال عربية بكاملها. أما أن تُستثمر الدورةُ لتسويق خطاب مشبوه، ينبني على شرعنة الاحتلال الإسرائيلي، والتطبيع مع ممارساته وسياساته، ومباركة الفوضى والاحتراب الأهلي في المنطقة، فإن ذلك يطرح أكثر من تساؤل.
ليست قضية الإرهاب بعيدة عن قلب الحقائق هذا الذي عاشته قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، فحالة الاستقطاب التي أصبحت تُشكلها، خصوصا في ظل الأزمة الخليجية الحالية،
تعتبر محفزا فكريا للبحث في جذورها وأسبابها، ومساءلة مصادرها الفكرية والإيديولوجية التي يعتبر الفكر الوَهَّابي عنوانها الأبرز، بعد أن صارت المنطقة العربية ''رائدةً'' في تصدير مختلف أشكال الإرهاب إلى العالم.
لم يعد الإرهابُ مشكلةً تخص الدول وصناع القرار، بل بات هاجسا يوميا يقض مضجع الشعوب والأفراد. ويستوجب تفشيه بهذه الطريقة المرعبة تعقب المسؤوليات المعنوية والسياسية، وتحديدها داخل سياسات القوى الإقليمية الرئيسية.
تعرف المنطقة فائضا في الأزمات التي تهدد أمن بلدانها واستقرارها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والإرهاب، على ما بينهما من وشائج تفرضها المصالح المشتركة بين الكيان الصهيوني وأنظمة عربية معلومة، والتي لم تعد سريةً على ما يبدو. لذلك، فإن استغلال المنتظم الأممي لقلب الحقائق بهذا الشكل يبدو وكأنه جزءٌ من نسق هذه المصالح.
وإذا كان حفظُ السلم والأمن الدوليين، ومنعُ أعمال العدوان، وتطويرُ العلاقات بين الأمم على أساس المساواة والتعاون، وتعزيزُ احترام الحقوق والحريات، والحيلولةُ دون استعمال الدول الأعضاء القوة لحل نزاعاتها أبرز مهام المنظمة الدولية العتيدة، كما هو مثبتٌ في ميثاقها، فإننا لسنا في حاجة للتذكير بإخفاقها التاريخي المعلوم في أول تَحَدٍّ واجهته، حين قرّر الصهاينة، بدعم غربي مكشوف، إنشاء كيانهم الغاصب في فلسطين المحتلة، فأذعنت للضغوط التي مورست عليها، وأصدرت جمعيتُها العامة قرار التقسيم، سيئ الذكر، في قفزٍ مشبوه على حقائق التاريخ والجغرافيا، ووقفت مكتوفة الأيدي إزاء عمليات الاحتلال والتهجير والتقتيل والاستيطان التي نفذتها إسرائيل خلال سبعة عقود على مرأى من العالم ومسمعه. وظلت قضية الشرق الأوسط العنوانَ الأكثر دلالةً لضعف المنظمة الدولية، وارتهانها لإرادات القوى الكبرى، وجماعات المصالح والنفوذ والرأسمال الدولي التي تتحكّم في دواليب القرار الدولي.
وإذا كان مجلس الأمن يُلخص، إلى حد كبير، الاختلالات البنيوية التي يعرفها أداؤها، لا سيما فيما يرتبط بنظامي العضوية وحق النقض (الفيتو) اللذين يُجسدان هيمنة الكبار، وتحكمهم في كواليس السياسة الدولية، فإن الجمعية العامة ظلت دائما تمثل المنبر الذي يمكن استثماره لفضح حقيقة العلاقات الدولية، في ضوء ما لدى هذه الجمعية من إرث تاريخي في هذا الصدد، حين كانت، إبّان الحرب الباردة، أهم وسيلة لإيصال صوت بلدان العالم الثالث المتطلعة آنذاك إلى الاستقلال والتحرّر من التبعية.
كنا ننتظر أن تكون المشاركة العربية واعيةً بمتغيرات المرحلة، وحالة الانسداد غير المسبوقة التي تعرفها المنطقة، والأهم من هذا وذاك الوعي ب''الجهود الحثيثة'' التي تبذلها قوى إقليمية ودولية لتصفية القضية الفلسطينية ومصادرة الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وإقبارها إلى الأبد.
كان دالا للغاية تفادي وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إدانة الكيان الصهيوني، بكل سجله الحافل في الإرهاب والقتل والتدمير، وعدمُ تحميله استمرار الصراع، وحديثُهُ عن غياب مبرر لاستمرار النزاع (وليس الصراع!) الفلسطيني الإسرائيلي، في ظل التوافق الدولي حول الحل القائم على أساس دولتين.
لم تعد إسرائيل دولة محتلة ومغتصِبة لأراض فلسطينية وعربية، بل صارت جزءا من النسيج الثقافي والاجتماعي للمنطقة. وأصبح أمن المواطن الإسرائيلي وسلامته هاجسا عربيا مركزيا، إلى درجة أن عبد الفتاح السيسي، من فرط انشغاله الكبير بأمن إسرائيل، اختلط عليه الأمر ولم يستطع أن يميز، بشكل لا يخلو من دلالة، بين الإسرائيليين والفلسطينيين حين قال ''إن أمن المواطن الإسرائيلي يجب أن يكون جنبا إلى جنب مع أمن المواطن الإسرائيلي''.
ألم تستحق غزة إشارة، ولو عابرة، في خطابي الوزير السعودي وقائد الانقلاب في مصر، وهي التي تتعرّض، منذ أعوام، لحصار خانق تحت غطاء إقليمي ودولي واسع؟ هل يمكن تصور تنزيلٍ منطقيٍّ لفكرة الدولتين في ضوء استمرار إسرائيل في احتلالها الأراضي الفلسطينية واستباحتها بمشاريع الاستيطان، ورفضها حل مشكلة اللاجئين؟ ألا تشكل هذه القضايا أساسَ الصراع وأفقا لأي حل عادل؟
كان مفترضا أن تكون الدورة الحالية للأمم المتحدة بالنسبة للبلدان العربية فرصة لطرح القضايا الملحة والحيوية الآنية، وأهمها المطالبة بحفظ النسيج الوطني والأهلي في أكثر من بلد عربي، والحق في الديمقراطية والتنمية، واحترام الإرادة الشعبية، وتوقفِ المؤسسات المالية الكبرى عن سياساتها الاقتصادية التي ترهن مستقبل أجيال عربية بكاملها. أما أن تُستثمر الدورةُ لتسويق خطاب مشبوه، ينبني على شرعنة الاحتلال الإسرائيلي، والتطبيع مع ممارساته وسياساته، ومباركة الفوضى والاحتراب الأهلي في المنطقة، فإن ذلك يطرح أكثر من تساؤل.
ليست قضية الإرهاب بعيدة عن قلب الحقائق هذا الذي عاشته قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، فحالة الاستقطاب التي أصبحت تُشكلها، خصوصا في ظل الأزمة الخليجية الحالية،
لم يعد الإرهابُ مشكلةً تخص الدول وصناع القرار، بل بات هاجسا يوميا يقض مضجع الشعوب والأفراد. ويستوجب تفشيه بهذه الطريقة المرعبة تعقب المسؤوليات المعنوية والسياسية، وتحديدها داخل سياسات القوى الإقليمية الرئيسية.
تعرف المنطقة فائضا في الأزمات التي تهدد أمن بلدانها واستقرارها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والإرهاب، على ما بينهما من وشائج تفرضها المصالح المشتركة بين الكيان الصهيوني وأنظمة عربية معلومة، والتي لم تعد سريةً على ما يبدو. لذلك، فإن استغلال المنتظم الأممي لقلب الحقائق بهذا الشكل يبدو وكأنه جزءٌ من نسق هذه المصالح.