موسكو تدعو الأردن إلى تحالفها

10 أكتوبر 2015

علاقة قوية بين عبد الله الثاني وبوتين (25 أغسطس/2015/Getty)

+ الخط -
زارت الأردن، الاثنين الماضي 5 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مسؤولة روسية رفيعة، هي فالنتينا ماتفيينكو رئيسة المجلس الاتحادي (مجلس الشيوخ في البرلمان الروسي). واستقبلها الملك عبدالله الثاني الذي أعرب، في المناسبة، عن اعتزازه بالعلاقات الأردنية الروسية في جميع المجالات. وفي هذا السياق، جرى التأكيد على أهمية اجتماع اللجنة الأردنية الروسية العليا المشتركة، الشهر الجاري، لمناقشة مشاريع مهمة، خصوصا في مجالي الطاقة والنقل، كما أفادت وكالة بترا الرسمية. وتطرق اللقاء إلى الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف، حيث أكد الملك ضرورة دعم الجهود الإقليمية والدولية المبذولة للتصدي لهذا الخطر، والذي يهدد السلم والاستقرار العالميين. وأشادت الضيفة، وفق "بترا" بالأردن "واحة الأمن والاستقرار في المنطقة، وأوضحت ما تقوم به روسيا من جهود لإيجاد حل سياسي في سورية، مؤكدة ضرورة تعاون المجتمع الدولي لمحاربة عصابة داعش، التي تمثل اليوم المشكلة الأولى للمنطقة والعالم".
نشر موقع قناة "روسيا اليوم" خبراً مماثلاً عن زيارة المسؤولة الروسية، وأضاف إليه إن ماتفيينكو أكدت دعوة بلادها كل الدول المهتمة بالقضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" للانضمام إلى عمل مركز التنسيق المعلوماتي في بغداد. وذكرت أنه تمت إقامة مركز معلوماتي تنسيقي في بغداد، يضم روسيا والعراق وإيران وسورية، "حيث نفهم أنه دون التنسيق المطلوب، من غير الممكن محاربة داعش بفعالية والقضاء عليه". وفي ما يخص العلاقات الروسية الأردنية، اعتبرت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي أنه "بغض النظر عن اختلاف المواقف إزاء الأزمة السورية، فإن البلدين موحدان في فهم أن الإرهاب يشكل تهديدا جديا اليوم".
الغرض من الاقتباس الطويل نسبياً الإشارة إلى المنعطف الذي تدخله السياسة الروسية، بعد تثبيت تموضعها مع طهران ودمشق، والسعي الحثيث إلى ضم العراق إلى جهود مشتركة، هي في مستوى التحالف. وها هي مسؤولة روسية تدعو دولاً أخرى، بينها الأردن، للانضمام إلى هذا التحالف. والمعلوم أن الأردن يشارك في تحالف إقليمي دولي، تقوده الولايات المتحدة، ضد داعش، وسبق لموسكو أن رفضت الانضمام إليه، فيما لم تتم دعوة إيران إليه. ولم تبد عمّان موقفا علنياً تجاه الدعوة الروسية التي لم تتطرق إليها وكالة الأنباء الرسمية.
يسترعي الانتباه أن العاهل الاردني التقى منسق عمليات التحالف الدولي لمحاربة داعش، الجنرال المتقاعد جون ألن، حيث جرى، في اللقاء، بحث آخر المستجدات المتعلقة بهذه الحرب. وقد تم اللقاء في اليوم نفسه الذي استقبل فيه الملك عبدالله الثاني الضيفة الروسية، وربما تم هذا التزامن بصورة عرضية. على أنه من المستبعد، إلى حد بعيد، أن يخرج الأردن، حاله كحال دول لا تقل عن عشرين دولة، من التحالف الدولي، لكي ينضم إلى تحالف ثلاثي وليد، لا تربطه علاقات جيدة بمكوناته، باسثناء روسيا التي أشاد الملك بمتانة العلاقات معها. واقع الحال أن الملك تربطه علاقة شخصية قوية بالرئيس فلاديمير بوتين الذي زار الأردن مرتين، في الأعوام القليلة الماضية. بينما يزور الملك موسكو بانتظام، مرة في السنة على الأقل منذ نحو
عشر سنوات، واختتم زيارته الأخيرة يوم 26 أغسطس/آب الماضي. وفي تصريحات أمام الصحفيين قبيل المباحثات، أعرب الملك وبوتين عن "ارتياحهما للمستوى الذي وصلت إليه العلاقات الأردنية الروسية في إطار الصداقة التاريخية والشراكة الاسترتيجية بين البلدين". ثمة شراكة توصف من زعيمي البلدين بـ "الاستراتيجية"، وواقع الحال أن هناك تعاوناً عسكرياً بين الجانبين في مجال التصنيع الحربي ينشر القليل من المعلومات عنه، إضافة إلى تطوير برامج القوات المسلحة الاردنية وخططها. ويحرص الملك باستمرار على زيارة معرض الطيران الدولي (ماكس) الذي يقام في مدينة جوكوفسكي الروسية صيف كل عام، ولا يخلو المعرض من صفة عسكرية. وإلى ذلك، هناك تعاون في مجال الطاقة، بما في ذلك الطاقة النووية للأغراض السلمية، وقد وقّع البلدان، في 25 مارس/آذار الماضي، الاتفاقية الإطارية الخاصة ببناء أول محطة للطاقة النووية في المملكة وتشغيلها بتكلفة 10 مليارات دولار، بتنفيذ من شركة روسية حكومية ( روس أتوم)، لإنتاج طاقة كهربائية تبلغ 2000 ميغاوات. وقد نشطت السياحة الروسية إلى الأردن، في الأعوام القليلة الماضية، لأغراض علاجية ودينية (زيارة المواقع المسيحية التاريخية).
العلاقات بين الجانبين وثيقة، ولا تقتصر على المستوى السياسي، تعزّزها علاقات شخصية بين زعيمي البلدين. وعليه، بدا مستغرباً أنه بينما استقبل الملك ضيفة بلاده الروسية، كانت وكالة نوفوستي في موسكو تتحدث عن هروب جماعي لمسلحي داعش باتجاه الحدود الأردنية، وهو ما سارع ناطق أردني رسمي لنفيه نفيا باّتا. ثم تولى رئيس مجلس الأعيان، عبد الرؤوف الروابدة نفيه، مذكّرا أن الأردن في حالة حرب مع داعش. وقد استقبل الروابدة نظيرته الروسية، من دون أن يرشح شيء عن اللقاء. وفي تقريره عن زيارة المسؤولة الروسية، نسب موقع "روسيا اليوم" إليها قولها "إن روسيا لا تملك اية أهداف أخرى، غير الانتصار على داعش، خلافاً لدول أخرى في تحالف آخر".
وبصرف النظر عن فحوى حديث المسؤولة الروسية، وخصوصاً في الإشارة إلى دول أخرى في تحالف آخر، لها أهداف أخرى غير الانتصار على داعش، فقد أثبت التحالف الدولي، فعلياً، منذ نحو عام، أنه لا يوجّه نيرانه سوى إلى داعش، بينما وجّه التدخل الروسي نيرانه، منذ اليوم الأول، باتجاهات شتى.. بصرف النظر عن هذا، على أهميته، فمن الواضح أن الأردن لن يتخلى عن المشاركة في إطار التحالف الدولي، بعد أن تكرّس التزامه بهذا التحالف، ولن يتخلى، في الوقت نفسه، عن علاقاته الوثيقة بموسكو.
هذا الواقع قد يؤهل الأردن، في مقبل الأيام، لأداء دورٍ أقرب إلى الوسيط بين موسكو وأطراف عديدة، منها المملكة العربية السعودية، إذا لزم الأمر، أو بين موسكو وأطياف من المعارضة السورية. وإلى أن تنضج مثل هذه الظروف، من الواضح أن الأردن ينظر بحذر شديد إلى التطورات الجارية لدى جارته الشمالية، ويقوم باستيعاب الانفعالات الروسية التي يثيرها التدخل الحربي في سورية، ويسعى إلى منع أية ارتدادات سلبية عليه.