مهن الجوّ: مغامرات ممزوجة بالتسلية والتعب

20 نوفمبر 2014
يبتسم المضيف فيرتاح المسافرين (Getty)
+ الخط -
لا يوجد مهنة في الحياة إلاّ وتحمل في طيّاتها الشقّيْن الإيجابي والسلبي. لكن تبقى مهنة الطيران محطّ كلام الجميع أكثر من غيرها. إذ يجد معظم الناس في هذه المهنة شقّها الإيجابي، حيث المتعة والتسلية والسياحة إلى كل دول العالم، والتعرّف واكتشاف حضارات الدول وناسها وطبيعتها، متناسين متاعبها وخطورتها. مهنة لها قانونها الخاص ونظام يختلف عن الأنظمة الأرضيّة، إنّه نظام الجوّ.

قابلت "العربي الجديد" كابتن طيران في إحدى الشركات العربيّة الكابتن نبيل (فضّل عدم ذكر شهرته لأسباب مهنيّة)، وسارع للقول: "يقبل عدد كبير من الفتيات والشبان على امتهان وظيفة الجوّ إن على صعيد القيادة أو الضيافة؛ لأنّها مهنة مغرية على الصعيد المادي والمعنوي والسياحي طبعاً". لكنّ عددا قليلا منهم من يتم قبوله بعد الخضوع لعدّة تجارب، يثبت من خلالها المرء قدرته الكاملة، (النفسيّة والجسديّة والعقليّة) على تحمّل كل ما ينتظره في هذه المهنة". وينتقل نبيل للحديث عن اختصاصه، ككابتن طائرة، فيقول: "من أصعب المهن وأخطرها وأكثرها دقّة. تبدأ الدقّة من خلال توقيت الرحلات التي لا يمكن تغييرها أو تأخيرها إلّا في حالات استثنائية وقاهرة". إذاً فإنّ احترام الوقت شيء مقدّس.

ويتابع: "أمّا نظام المهنة يفرض على الموظّف القدرة على تحمّل المسؤوليات كافة وأهمّها البشريّة. فأرواح الناس ليست مزحة. لذلك يشغّل الكابتن في رحلاته كل حواسه وطاقاته في آن معاً. عيون ساهرة، قلب قوي، سرعة البديهة لاتخاذ القرار المناسب عند الوقوع في أيّ مشكلة، ذكاء مهني وتقني للتحايل على كل التحدّيات التي يمكن مواجهتها في الجوّ، إضافة إلى الصبر لاستيعاب كل المشاكل التي تحصل على متن الطائرة".

ويعتبر نبيل خطورة هذه المهنة قد تبدأ بكبسة زرّ. فأيّ خطأ تقني أو غفوة عين أو مشكلة صحيّة يعاني منها الكابتن فجأة، قد تودي بالطائرة وركّابها إلى الهلاك. ويسرد نبيل مشكلة حدثت معه في إحدى الرحلات قائلاً: "أحتاط دائماً في كل رحلاتي، لكن هذه الرحلة كانت فعلاً استثنائيّة. ففي وقت كانت فيه الطائرة تهمّ للهبوط، انقطعت الكهرباء عن مدرج المطار بشكل كامل، ولم يعد باستطاعتي رؤية شيء. سارعت للتواصل مع غرفة العمليات، فأوضحوا أنّ العطل مفاجئ وأنّ الكهرباء الاحتياطيّة أيضاً تعطّلت. فغامرت بحياة الجميع وقرّرت الهبوط لأنّه لم يعد بإمكاني الإقلاع، بعد أن داست عجلات الطائرة الأرض. نجحت عملية الهبوط لسبب واحد، ألا وهو أنّني أثناء الهبوط كنت أتذكّر شكل المدرج الذي قصدته منذ أسبوعين أمام عيوني، وأحاول استرجاع مكان وجود الطائرات وكل ما يحيط بي". ولم ينكر نبيل في نهاية حديثه اعتبار هذه المهنة مميّزة وممتعة على الرغم من خطورتها.

"عندما أقول للناس إنّي أعمل مضيف طيران بيفكروا أنّو عيشتنا سهلة كتير ومنقضّي حياتنا كل يوم ببلد وبأحلى الأوتيلات". بهذه العبارة بدأ سامر (مضيف طيران) حديثه إلى "العربي الجديد "واصفاً متاعب هذه المهنة وماهية حسناتها وسيئاتها. يعترف سامر أنّ هذه المهنة مليئة بالمتعة والمغامرات، وتنبض بالحياة وتكسر الروتين. لكن في المقابل يعيش المضيف فوضى الوقت حيث إنّه لا يعرف ليله من نهاره، يصحو في بلد سكّانه نائمون، ويغفو في بلد يضجّ ناسه بالحياة والعمل. هذه المهنة لا تخضع لنظام الحياة الطبيعيّة، وتقلب حياة المرء رأساً على عقب. "يقدّم المضيف تضحيات كثيرة. ولا يقضي مهنته في تقديم الطعام والمشروبات"، يقول سامر، ويتابع: "أن تكون مضيفاً، يعني أن تكون إطفائيّاً، رجل أمن، طبّاخاً، جليساً للأطفال، محلّلاً نفسياً، ومدرّباً للحالات الطارئة. أضف إلى ذلك، يجب على المضيف أن يفصل بين حياته الشخصيّة والنفسيّة والعمليّة. فيقتضي عمله دائماً استقبال الضيف بابتسامة وودّ مهما كانت ظروفه صعبة.



يشير سامر إلى أنّ طبع المسافرين وتفكيرهم يختلف باختلاف حضارة بلادهم وتقاليدها وعاداتها. حسب وجهة نظره، فإنّ مواطني الشعب الألماني بشكل عام يسهل التعامل معهم، كما أنّهم يتقيّدون بقوانين السفر والسلامة العامة. ويتميّز الشعب الأسترالي باحترامه للمضيفين والمضيفات، فتراه يتكلّم بلطف مرفق بكلمات الشكر والرجاء في طلب الخدمة. أمّا الشعب الإنكليزي فيطلب دائماً شرابه المفضّل "جين تونيك" فتراه راضياً مكتفياً في رحلته ويصادق المضيف. أمّا العرب، فيرى سامر أنّه "الشعب الأكثر استفزازاً ومزاجيّة وأغلبيّتهم لا يعجبهم شيء. يميل الشعب العربي عموماً للتباهي بثقافته واللغات التي يمكنه التحدّث بها، ممّا يجعله يمزج بجملة واحدة أكثر من ثلاث لغات للفت الانتباه اليه. كما أنّ البعض منهم يعتبر أنّ قوانين السفر وُضعت لاضطهاده شخصيّاً، ويعمل جاهداً على مخالفة القوانين".

ويعتبر سامر أنّ الكحول سبب أساسي للمشاكل التي تحصل على متن الطائرة. ويتعرّض السكران لمواقف محرجة، ويصبح أضحوكة الركّاب. لكن أحياناً يتخطّى الموقف هستيريا الضحك، ليسبّب مشكلة أخلاقيّة. يسرد سامر قصّة رجل ثمل تحرّش بإحدى المضيفات، فأنذره المدير، إلاّ أنّه أعاد تكرار فعلته، فعمدوا إلى تكبيله. بدأ بالصراخ وإزعاج المسافرين. وتواصل كابتن الطائرة مع الشرطة الموجودة على أرض المطار المقصود، وتمّ التنسيق معهم، وتمّ استلامه عندما حطّت الطائرة على أرض المطار.

ويخبر أنّ مهنة المضيف حقّقت عدداً من أحلامه، مثلاً، رؤية مشاهير وشخصيات مهمّة، وحضور نهائي فريق ريال مدريد الإسباني على ملعبه". ولأنّ عدد المضيفين والمضيفات في الشركة يتخطّى 18 ألف موظّف، فإنّ الوجوه على متن الطائرة دائماً تتغيّر، ممّا يكسر الروتين، ويجعل الصداقة تتسّع بين الموظفين بحسب سامر الذي أنهى حديثه بالقول: "مضيف/ة الطيران مرحلة حياتيّة أكثر ممّا هي مهنة. مشيراً إلى أنّ هذا العمل يكون لفترة مؤقّتة في حياة المرء، لأنّه سوف يأتي اليوم الذي يقرّر فيه الشاب أو الفتاة الاستقرار".
المساهمون