من يوميات القهر اليمني

29 يوليو 2019
+ الخط -
قد يصبح الموت، في اليمن، جرّاء الحرب، فرصةً للنجاة من بؤس الواقع المعاش، إذ تنتفي فرص الحياة اللائقة لغالبية اليمنيين، وتتحوّل مواجهة أعباء الحياة اليومية إلى تحدٍ دائم، في ظل استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية، إلا أن الأنكى هو خضوع اليمنيين لمنظومةٍ محكمةٍ من التنكيل والإذلال اليومي، إذ تواصل أطراف الصراع اليمنية وحلفاؤها الإقليميون انتهاك حقوق اليمنيين بشتى الوسائل، مستفيدةً من غياب رقابة مجتمعية ودولية، بما في ذلك التعتيم على ممارساتها في اليمن.
على امتداد الجغرافيا اليمنية، تجري حرب الانتهاكات اليومية بحق اليمنيين، إذ يعامل المواطن اليمني باعتباره مجرماً محتملاً، أو مواطناً مشبوهاً لأسباب لا تتعلق بتعدّيه على القوانين، وإنما بأنه مواطن منتزع الحقوق من سلطات الحرب، وبالتالي مشروعاً للتنكيل، فعلى الرغم من تباين أداء سلطات الحرب المختلفة في إدارتها حياة المواطنين، إلا أنها تتفق في انتهاك حقوقهم، فإضافة إلى السياسة الممنهجة التي اتبعتها طوال الحرب في إفقار اليمنيين، فقد جيّرت القوانين لصالحها، بقصد إخضاع غالبية اليمنيين لمنظومتها القهرية، بحيث يحول ذلك عن مساءلتها كسلطات تدير شؤون حياتهم، إذ تنصلت سلطات الحرب من مسؤوليتها السياسية والأخلاقية في تذليل صعوبات الحياة أمام المواطنين، بما في ذلك حمايتهم، كما سعت إلى ربط حقوقهم المشروعة بانتمائهم السياسي، وتموضعهم الجغرافي والطائفي، فعلى الرغم من فشلها في رهن معظم اليمنيين لتمثلاتٍ دون وطنية، فقد أدت سياستها التمييزية في تحويل اليمنيين إلى ضحايا محتملة للفرز السياسي والمناطقي والطائفي، ما جعلهم يواجهون أخطاراً محدقةً في مختلف 
مناحي حياتهم اليومية، كالقتل بناء على الهوية، والتعرّض للاعتقالات والإخفاء القسري، وتقييد حرية التنقل.
كسلطة مليشياوية، تحتلّ جماعة الحوثي قائمة الأطراف المنتهكة في اليمن، ويتجلّى ذلك في كيفية إدارتها حياة المواطنين، ففي مقابل تسخير ثروات الدولة لصالحها، حرمت غالبية المواطنين في المناطق الخاضعة لها من فرص العيش الكريم، فقد أدت سياستها السياسية والاقتصادية إلى سحق طبقات المجتمع وإفقارها، سواء بحرمان موظفي الدولة من رواتبهم للعام الثالث على التوالي، أو تجيير المساعدات الإنسانية لصالح أنصارها، فضلاً عن استمرار تضييق حرية التنقل على المواطنين القادمين من خارج مناطقها، إذ فرضت بطاقات الهوية الصادرة من الجهات التابعة لها شرطاً للتنقل، كما حوّلت المواطنين في المناطق الخاضعة لها إلى خصم دائم، لا بد من التنكيل به، فإضافة إلى مواصلة سياستها القمعية في اعتقال المعارضين لها، بذرائع واهية وسحقهم معنوياً عبر ترتيب محاكماتٍ علنية، بهدف التشهير وإرهاب الآخرين، فقد شرعنت لانتهاك المواطنين بوسائل مختلفة، وجرّدتهم من حقوقهم الإنسانية والدستورية.
تشكّل الجهات الضبطية، سواء الرسمية التي تمثل الدولة اليمنية أو الأذرع المليشياوية لجماعة الحوثي، العماد الرئيسي في آلتها القهرية، فبقدر ما كان اختلال أداء الجهات الضبطية الرسمية انعكاساً لتجريفها مؤسسات الدولة بشكل عام، بما في ذلك إحلال عناصر موالية لها، لا تمثل القانون، في السلكين، الأمني والقضائي، فإن تجاوزات أجهزة وزارة الداخلية، وكذلك المؤسسة القضائية، حيال المواطنين، وصلت إلى مستوياتٍ غير مسبوقة، حيث تحولت المؤسسة القضائية إلى أداة تشريعية لشرعنة انتهاكات المواطنين من جماعة الحوثي، في حين أصبحت الجهات الضبطية أداة تنفيذية لتكريس هذه الانتهاكات، فإضافة إلى احتجاز مئات من المواطنين، من
 دون مبرّر قانوني وإرهابهم، فإن تلفيق القضايا يمثل السياسة المنهجية المتبعة لهذه الأجهزة، بغرض معاقبة المواطنين، ومن ثم أصبح أي يمني عرضةً للاختفاء بمجرد وصوله إلى أقسام الشرطة، إذ اختفى عشرات المواطنين من دون أن يعرف سبب اختفائهم، كما حولت مليشيات الحوثي المنازل السكنية التابعة لقادتها إلى مقرّات سرّية لإخفاء المواطنين وتعذيبهم.
برزت المجاميع النسوية المسلحة التابعة لمليشيات الحوثي، "الزينبيات"، كياناً مليشياوياً مستقلاً في بداية الحرب، وإن خضع لجهاز الأمن الوقائي، التابع للجماعة، إذ انحصرت وظيفتها الرئيسية في حشد القطاع النسائي التابع لجماعة الحوثي في المظاهرات، فقد تحولت وظيفتها، في مرحلة لاحقة، إلى التجسّس على النساء في المناسبات الاجتماعية، وتزويد مليشيات الحوثي بمعلوماتٍ أمنيةٍ عن هويات الأسر وانتماءاتها السياسية، وتموضعها الجغرافي، إضافة إلى استقطاب زينبيات، إلا أنه، وفي مرحلة متأخرة، وتحديداً بعد انفراط تحالف الجماعة مع الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، ومقتله، أصحبت وظيفة الزينبيات مداهمة منازل المعارضين لها، وخصوصاً المنتمين لحزب المؤتمر الشعبي العام، جناح صالح، بما في ذلك قمع التظاهرات التي تشارك فيها النساء، وفي مرحلة متأخرة، وظفت مليشيات الحوثي "الزينبيات" لاختطاف النساء، بغرض إرهاب الأسر وإذلالها، إذ أصبح اختطاف "الزينبيات" النساء ظاهرة مرعبة، لم تشهدها اليمن، حيث اختطفت، في الأشهر الأخيرة فقط، أكثر من تسعين امرأة في العاصمة صنعاء، لأسباب سياسية، إذ لفّقت لهن تهم الدعارة والتواطؤ مع التحالف العربي، وأخضعن لتعذيبٍ جسديٍّ من الزينبيات، بغرض 
تأديبهن.
في السياسة الممنهجة لانتهاك اليمنيين، قد تضيع الحدود بين ممارسات مليشيات الحوثي والسلطة الشرعية، ففي حين تسلك الجماعة سلوكاً تقليدياً للمليشيا لقهر المجتمع وإخضاعه لإرادتها، فإن أداء السلطة الشرعية لا يختلف في مضامينه عن ممارسات المليشيات، وإن كان تحت غطاء شرعي، ففي حين فشلت في تقديم نفسها سلطةً وطنيةً ممثلة لمصالح عموم اليمنيين، بما في ذلك تذليل صعوبات الحياة أمامهم، فإنها وظّفت أجهزتها المتنوعة لخدمة الموالين لها، كما أسهمت إدارتها الفاشلة المناطق الخاضعة لها في تنمية مليشيات محلية، سواء خارج سلطتها أو تحت غطائها، إذ كرّست هذه القوى أدواتها لقهر المواطنين، إما من خلال المسلحين التابعين لها، أو توظيف الجهات الضبطية، لإرهاب المواطنين، وتمظهر ذلك في ظاهرة البسط على الأراضي وممتلكات المواطنين بالقوة في المناطق الخاضعة للسلطة الشرعية.
في ظل الحرب، يخضع اليمنيون لانتهاكات متنوّعة من سلطات الحرب، تطاول مختلف مظاهر حياتهم اليومية، ولأنهم من دون سلطة سياسية وطنية تحترم حقوقهم الإنسانية والدستورية، ومن ثم تنتصر لمظلوميتهم، فإنهم يظلّون هدفاً سهلاً لانتهاكٍ عابرٍ للجماعات والأحزاب والسلطات والحرب.