25 أكتوبر 2020
من يرسم أشكال الحكومات العراقية؟
جاءت سلسلة المناكفات السياسية التي أعقبت استقالة حكومة عادل عبد المهدي؛ لتبيّن مجريات العملية السياسية ومن يقودها، وكشفت راسمي حكومات العراق منذ الاحتلال الأميركي للبلاد، وكيف أن رئيس الحكومة ووزراءها ما هم إلا أوجه أو أدوات لإشغال المنصب، في حين تُصاغ المخططات والصفقات المشبوهة خلف ستار المسرح الحكومي.
منذ الاجتماع الأول للحاكم الأميركي "بول بريمر" مع سياسيي العراق الذين كان معظمهم في المنفى قبل غزو العراق وحتى عام 2020، والأحزاب ذاتها تحكم البلاد وتهيمن على المناصب الرفيعة التي لها التأثير، ومن خلالها تمارس فعالياتها وأهدافها التي رسمتها أجنداتها الخارجية قبل عام 2003.
يمكن أن نصف العملية السياسية في العراق بأنها مطبخ يقوده طهاة محترفون هيمنوا على الإدارة، وزرعوا جذوراً بقوة السلاح وبدعم خارجي، للسيطرة على الوضع، ومنع تشكيل حكومة خارجة عن إرادتهم، فلا يمكن تمرير شخصية أو منصب وزاري بعيداً عن تطلعاتهم، أو تطلعات أجنداتهم الخارجية.
وبهذا، فلا يمكن أن ترسم حكومة تناسب تطلعات الشارع العراقي والإرادة الوطنية، بل إنها تمرر بطبخة سياسية بحتة، بإدارة المهيمنين على الحكم بقوة السلاح، وحتى لو تعرقل تأثيرهم الكبير، فقد تتدخل الأيادي الخارجية الخبيثة لفرض ما يمكن فرضه وجعل الحكومة ذات شكل فوضوي يليق بهم ويخدم أهدافهم التي تجرى خلف الكواليس.
ماذا يجري خلف الكواليس؟
بعد أن فشل محمد توفيق علاوي، المكلف الأول بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة عقب استقالة عادل عبد المهدي، كشف ما يدور خلف الكواليس، والذي لم تعرفه العامة في الشارع العراقي، ويتمثل في الصفقات السياسية للمهيمنين على الحكم.
قال علاوي في حينها إن الكتل السياسية الكبيرة التي لها التأثير الأول في رسم شكل الحكومة العراقية رفضت رفضاً قاطعاً تمرير مناصب وزارية، وأكدت أنها من حصصها منذ تشكيل الحكومة الأولى بعد الغزو الأميركي، وهذا إن دلّ فإنما يدلّ على أن المحاصصة الطائفية التي زرعها الاحتلال الأميركي لا تزال سارية المفعول وبتأثير قوي.
وأشار علاوي، في تصريح متلفز، إلى أن الوزارات لا تُدار من قبل الوزير، بل إن الوزير هو الوجه العلني للحزب المسيطر على هذه المؤسسة، ومدير مكتب الوزير هو الذي يكون الشخصية الأولى التي تدير صفقات الأحزاب السياسية، في ما يتعلق بالسلب والنهب ودعم الأهداف على حساب المتطلبات الوطنية.
من يرسم شكل الحكومات العراقية؟
إن الأحزاب الحاكمة في العراق تقف على كفين لا ثالث لهما، الأول يتمثل في الكف الإيراني، والثاني بالكف الأميركي، فالأميركي لم يعد له التأثير السياسي البارز، لأن أميركا لم تعطِ أهمية كبرى للملف السياسي في العراق، فهي عرفت كيف تخرّب هذا البلد العظيم، عبر تسليم القرار السياسي إلى إيران ووكلائها، وبهذا نفّذت أميركا هدفها الأول المتمثل في تخريب العراق باستخدام طهران كأداة غير مباشرة.
أما الكف الإيراني، فقد كان هو السائد منذ تنصيب نوري المالكي عام 2006 في رئاسة الوزراء، وبهذا فإن التأثير المباشر في رسم تشكيل الحكومات العراقية هو تأثير إيراني.
من الأمور التي يجب التركيز عليها، والتي اتضحت خلال الأشهر الـ 6 الأخيرة، لا سيما بعد استقالة حكومة عبد المهدي؛ هو أن الكف السياسي الإيراني في العراق مقسم إلى قسمين، الأول يعمل بصورة علنية بولاء مطلق لإيران، والثاني - وهو الأخطر - الذي يعمل على أنه محايد أو وطني أو أنه أميركي، في حين أنه يغازل الكف الإيراني ويركع له.
إن الكلام عن تنصيب شخصية وطنية أو شخصية توافقية محايدة لتشكيل الحكومة العراقية ما هو إلا حلم انتظره العراقيون طوال حياتهم، وهو سيناريو تحاول رسمه الأحزاب المهيمنة على الحكم في العراق، لامتصاص النقمة الشعبية التي بدأت تصل إلى ذروتها.
أقول لكم، لم ولن تمرر حكومة أو شخصية من دون رضى الأحزاب الحاكمة في هذا البلد، لأن تمرير الشخصية الوطنية أو المحايدة يعني أن الكف الإيراني قد يهتز إلى جانب الهزة التي عصفت به بعد اغتيال سليماني؛ وما فشل علاوي والزرفي إلا دليل على أن الكتل السياسية الكبرى لم تتوافق فيما بينها على تمريرهما لتشكيل الحكومة، وبهذا فإن دوامة الصراع السياسي ستبقى قائمة، في ظل هيمنة إيرانية وولاء سياسي لإيران، ورضى أميركي على الفوضى التي يشهدها البلاد.