فساد العراق... تواطؤ أممي

12 مايو 2020
+ الخط -
لا نقول إن الفساد المتفشي في العراق جاء بدعم مباشر من قبل المجتمع الدولي، والأمم المتحدة على وجه الخصوص، لكن يمكن أن نقول إن التواطؤ الأممي زرع جذور نظام الفساد القائم في العراق منذ عام 2003، وعمل على توطيده طيلة الأعوام الـ17 الماضية.

إن موقف الأمم المتحدة من الفساد في العراق، كان عبارة عن حرب إعلامية، بدأت بها خلال التهيئة والتجهيز لجريمة الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، حيث عملت على تضليل الرأي العام، ودعم أميركا وحلفائها الذين كانوا يرومون إلى تدمير البلاد وتخريبه بذرائع أثبتت السنين التي لحقت الجريمة التاريخية، زيف الادعاءات.

وبعد التضليل الإعلامي وتجاهل سياسة بوش العدائية في حينها، عملت على دعم الشخصيات التي تسلمت الحكم بمباركة أميركية إيرانية مشتركة، رغم أن معظم الذين تسلموا الحكم كان تاريخهم معروفا بالعداء للعراق وشعبه، وبعضهم متورطا بجرائم فساد وقتل وتفجير، أو المشاركة في الحرب العراقية الإيرانية ضد العراق.


الموقف الأممي إعلامي فقط

لم تكن المواقف الأممية على مر السنين السوداء التي عاشها الشعب العراقي؛ مبنية على رغبة حقيقية يراد منها حل أزمات هذا البلد ومعالجة العلل الرئيسة فيه، بل كانت عبارة عن زيف إعلامي، يراد منه غسل ماء الوجه، وإعطاء صورة جميلة أمام العالم، على أن الموقف الأممي دائما داعم للحرية والسيادة والاستقلال، ومحارب للانتهاكات والجرائم.

أسئلة عديدة تطرح مع جملة من علامات التعجب. لماذا "نوري المالكي" رئيس العراق السابق لمرحلتين والمتهم بتدمير اقتصاد العراق وسرقته، لم يعاقب على جرائمه، واستمر في مكانته السياسية بين الكتل الكبرى في العراق؟ ولماذا لم ينفذ قرار الجنايات الدولية عام 2015 لإحالته إلى المحكمة بتهم فساد مروعة؟ لماذا لم يعاقب العبادي الذي يترأس ائتلافا سياسيا كبيرا؛ على جرائم قواته بحق سكان المحافظات المنكوبة؟ لماذا لم يعاقب الصدر على دعم العنف الطائفي الذي ضرب المجتمع العراقي عام 2006؟ لماذا لم يعاقب عادل عبد المهدي رئيس الوزراء المستقيل، عن جرائم قتل المتظاهرين، والتي سقط فيها نحو 600 قتيل و26 ألف جريح؟ أسئلة كثيرة قد تملأ سجلا كاملا، جميعها تتعلق بتملص المجرمين في العراق من العقاب العادل، أمام الصمت القضائي والدولي والأممي، المخجل.

إن الموقف الأممي أمام الجرائم التي تحدث في العراق، وعلى كافة الأصعدة، كانت تأتي بداية بالاستنكار والتنديد، ومن ثم التحذير ودق ناقوس الخطر، لتكملها بجملة من التقارير مشبوهة المعلومات الدقيقة، وتنتهي بدعوة ومطالبة الأحزاب الحاكمة –المتورط الأول بكل ذلك-، للإصلاح ومحاسبة المجرمين، وإنهاء هذه المشاكل؛ وتنتهي بالتسويف والوعود التي تطلق بلا تنفيذ.

ماذا لو كانت جادة؟
إن الجد في الدعوة لحل المشاكل التي تعاني منها البلدان، يجب أن تكون مدعومة أمميا ودوليا، وهذا الدعم يجب أن يستمر لحين انتهاء هذه المشكلة أو العلة، وهذا ما لم يرَه العالم.

لو نظرنا إلى الجرائم المروعة والمجازر التي حدثت في سورية، لوجدنا أن الموقف الأممي كان يقتصر على التنديد والاستنكار، والدعوة والمطالبة، وإغاثة خجولة للنازحين والمهاجرين، وكذلك في بورما، حيث استمرار الجرائم العنصرية المروعة، ومن ثم اليمن، والعراق والهند، كلها أزمات انسانية تتصدر العالم، والموقف الأممي لا يزال خجولا أمام أحداث تاريخية مروعة.

لو كان الموقف الأممي جادا في إنهاء أزمات العراق، لما دعمت حكومة المالكي الفاسدة لمرحلتين، ولا حكومة العبادي وعبد المهدي، بل لو أنها جادة في حل أزمات البلاد، لما سكتت عن التدخلات السافرة التي تمارسها أميركا وإيران على حد سواء في بلد يفتقر للسيادة الوطنية بفضل الأحزاب الحاكمة.

دعم "يونامي" لحكومة الكاظمي التي تشكلت من رحم الأحزاب المهيمنة على الحكم منذ 2003، ومعروف بفسادها وتجاهلها للمتطلبات الوطنية ومتطلبات الشعب العراقي، ودعوة غوتيريس التي جاءت مؤخرا للكاظمي حول إيجاد حلول عاجلة لإنهاء مشاكل العراق؛ تؤكد جميعها أن الأمم المتحدة مصممة على الالتزام بمبدأ التملص من المسؤولية الحقيقية المتمثلة بتجاهل جرائم الدول الفاعلة والمتنفذة في العراق، وجرائم الفاسدين المهيمنين على سدة الحكم، وسيبقى العراق يئنّ من مواجعه، ما دام هناك مجتمع دولي ومنظمات دولية تغض النظر عن المجرمين.