من فرديناند إلى خاشقجي

09 أكتوبر 2018
+ الخط -
في الثامن والعشرين من يونيو/ حزيران 1914، اغتال أحد شباب حركة البوسنة الشابة، غافريلو برينسيب، ولي عهد الإمبراطورية النمساوية المجرية، فرانز فرديناند، وزوجته صوفي، في سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك، لتكون تلك العملية السبب في إشعال فتيل الحرب العالمية الأولى بين القوى العالمية الكبرى المتصارعة على تشكيل العالم الجديد، بما يناسب شكل الحضارة الصناعية الجديدة، القائمة في أصلها على فكرة المواد الخام ومصادر الإنتاج، ذلك الصراع الذي بدأ مع ظهور إمبراطوريات وقوى عالمية جديدة وشابة، استطاعت أن تلحق بركاب الثورة الصناعية الحديثة في ظل ظهور الشيخوخة، والعجز عند بعض الإمبراطوريات القديمة التي ظلت تتمسّك بالمفهوم القديم والتقليدي لعلاقة الحكام بشعوبهم، فكانت الهزيمة داخلية، على الرغم من النجاحات العسكرية الخارجية التي حقّقتها تلك الإمبراطوريات العجوزة!
ظلّ العالم في مناورات سياسية بين دول الحلفاء ودول المركز، نتيجة تلك الأزمة الدبلوماسية الخطيرة، فلم يتوقع العالم في ظل تلك الحالة من السيولة والصراعات الإقليمية والإستراتيجية التي كان يمر بها آنذاك، أن يكون ذلك الشاب البوسني بعمله الطائش سبباً في اندلاع الحرب العظمى التي غيرت شكل العالم الحديث بمفاهيمه القومية.
منذ سقوط الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينات القرن الماضي، عرف العالم شكل النظام أحادي القطبية الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأميركية بكل الوسائل العسكرية والثقافية والاقتصادية. ومع نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عرف العالم سيولة جديدة مع ظهور قوى اقتصادية جديدة، كالصين التي نجحت في فرض سيطرتها وهيمنتها الإنتاجية في العديد من بقاع العالم، بما فيها الحدود الأميركية نفسها ببسط نفوذها الاقتصادي في السوق الأميركي الجنوبي، وحدوث تغيرات استراتيجية غير مسبوقة في منطقة الشرق الأوسط، مع ظهور قوى عسكرية وإقليمية جديدة كإيران وتركيا. كما كان لثورات الربيع العربي دور في إحداث تغيّر فلسفي واستراتيجي للهيمنة الأميركية الفريدة في الشرق الأوسط وظهور جديد وقوي لروسيا كما في الملف السوري... كل تلك العوامل جعلت من العالم في صورة تشبه بشكل كبير تلك الحالة من السيولة التي كانت تسبق أحداث الحرب العالمية الأولى لكن دون برينسيب!
ظهر يوم الثلثاء، الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، توّجه الكاتب السعودي المعارض، جمال خاشقجي، إلى قنصلية بلاده في اسطنبول، ليتم بعدها الإعلان عن اختفائه بشكل غريب، وسط تكهنات بمصيره أربعة أيام قبل أن يعلن الأمن التركي في السادس من اكتوبر، أنباءً أولية تفيد بمقتله داخل القنصلية. وجاءت الحادثة وسط اضطرابات شديدة تصحب حالة السيولة التي سبق ذكرها مع تغيّر موازين القوى في المنطقة، ففي ظل المناوشات التي تمر بين المعسكر الشرقي الممثل في (إيران، روسيا، الصين) من جهة، والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، نتيجة فرض العقوبات المستمرة على إيران، وانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، وكذلك استمرار العقوبات الأميركية الأوروبية على روسيا، بعد أزمة شبه جزيرة القرم، العقوبات التي نالت أيضا أخيرا الصين بعد إعلانها عن إتمام صفقة سلاح قوية مع موسكو، ما أثار غضب واشنطن، في ظل الحرب التجارية المحتدمة مع بكين.
ومع تفاقم أزمة الملف السوري، وسيطرة روسيا على الوضع بشكل واضح، وظهور النيات الأميركية في الدعم الموّجه إلى الأكراد في شمال البلاد، لم تتأخر تركيا في فتح قنوات إتصال قوية مع ذلك المعسكر الشرقي، خصوصا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة على أردوغان في 15 يوليو/ تموز 2016، والتي كانت أصابع الاتهام فيها موجهة بشكل كبير صوب واشنطن التي تحتضن فتح الله غولن، المتهم الأول في المحاولة الفاشلة. كان ذلك التاريخ اللحظة الفارقة في تحول السياسة التركية صوب ذلك المعسكر، وهو ما ظهر بشكل تصعيدي حين رفضت تركيا العقوبات الأميركية على كل من إيران وروسيا، مما تسبّب في حرب اقتصادية كبيرة على الليرة التركية.
في ظل تلك الصراعات، لم تكن القوى العربية بعيدة عن تلك الأحداث، فالقوى الجديدة المسيطرة على الإقليم العربي والممثلة في العربية السعودية والإمارات، تعلم جيداً أنّ مشروعها في الهيمنة على القرار العربي، لم يمر إلا من البيت الأبيض والكنيست الإسرائيلي معاً، وهو ما يفسر الحالة المعلنة وغير المسبوقة من التقارب العربي الإسرائيلي، وهو ما يعادي الرؤية التركية الإيرانية المشتركة للشرق الأوسط والرافضين للمرجعية الشرق أوسطية بالمفهوم الأميركي الذي يفرض التطبيع السياسي والاقتصادي مع الوجود الإسرائيلي.
في ظل تلك الأحداث المتفاقمة، ظهرت حادثة الكاتب خاشقجي، نتيجة تورط سعودي طائش، فهل ستكون أزمة خاشقجي سببا في إشعال حرب ما، ولو بشكل غير مباشر في المنطقة؟
475B64D7-1E32-4367-9839-86F6D906C678
475B64D7-1E32-4367-9839-86F6D906C678
أحمد مصطفى (مصر)
أحمد مصطفى (مصر)