من دفتر وجع المصريين مع فيروس "سي"

25 ديسمبر 2014
معاناة المصريين للحصول على العلاج أقسى من المرض (Getty)
+ الخط -

عمرها ثلاثون عاماً.. كانت تعيش حياة سعيدة مع زوجها الذي يعمل مهندساً بدولة الكويت، علمت بحملها فعادت إلى مصر لتلد طفلتها بين أهلها، ومن ثم تعود لزوجها مرة أخرى.
غير أن مفاجأة كانت تنتظرها مع فحوصات وتحاليل الحمل.. فقد أظهرت نتائج التحاليل إصابتها بمرض التهاب الكبد الوبائي. عندما علم الطبيب المتابع لحملها أنها حاملة لفيروس "سي"، رفض أن يجري عملية الوضع خوفاً من انتقال عدوى الفيروس إليه في ظل انعدام التجهيزات اللازمة للوقاية من العدوى داخل العيادات. في النهاية، اضطرت الزوجة إلى الوضع في أحد المستشفيات الجامعية.

كانت الصدمة والتفكير في الجنين هو كل ما يشغل الأم، ولم يأتِ في بالها أنه سيحكم عليها بحكم غاية في القسوة، فبعدما وضعت بسلام وأرادت العودة بالطفلة الرضيعة إلى أبيها ليفرحا بتربيتها معاً، تم رفض طلب سفرها، لإصابتها بالفيروس، وعادت إلى قريتها لتربي ابنتها، لتصبح الوحدة والعذاب والمرض نصيبها، تنتظر بأمل وشوق رؤية زوجها وأبو ابنتها في الإجازات السنوية من كل عام.. وهكذا تحوّلت حياتها فجأة من النعيم إلى الجحيم.

وعلى أبواب المعهد القومي للكبد والأمراض المستوطنة، تشابهت حالة هذه الزوجة الشابة مع المئات من زوار المعهد. وما يثير الدهشة والقلق لدى الكثيرين من المرضى، أن مثل هذه الحالات ليست قليلة، كما أنها ليست محصورة في مشكلات فردية، بل إن أسراً كاملة تحمل كل هذه المعاناة بين جنباتها.

فعلى سلالم المعهد (المستشفى)، جلس المرضى من كل المحافظات، كل "يتمّم" على أوراقه ويتأكد من وجودها كاملة، ويراجع التحاليل والفحوصات المطلوبة منه، في انتظار أن يحين دوره لأخذ الدواء بعدما أصيب بفيروس "سي" على غفلة ودون سابق إنذار.

عائلات مع المرض
هذه المرأة جاءت من الفيوم خصيصاً لصرف أدوية علاجها، وقد قصّت علينا تفاصيل الحصول على رخصة الوقوف في طابور العلاج.. فالبداية لا بد أن تكون بالحصول على قرار علاج على نفقة الدولة، وهذا القرار وحده يستغرق شهرين كاملين كحدٍّ أدنى.

الخطوة الثانية هي الذهاب إلى وزارة الصحة لاستلام القرار والعودة به إلى المعهد، حتى تحصل على دورها في الكشف ومن ثم تتمكن من صرف العلاج.


وكانت المرحلة الأخيرة والمكررة بالنسبة لهذه السيدة الثلاثينية أن تأتي مع طفليها الصغيرين بشكل دوري لصرف الدواء؛ لم يكن هناك في بلدتها مَن تستطيع ترك الصغيرين معه، فالأب في العمل، أما الأخت والأخ والوالدة فجميعهم مصابون بالفيروس ذاته ويأتون معها في رحلة العذاب العائلية الخاصة بصرف الأدوية.
تقول السيدة إنها قامت بتطعيم طفليها ضدّ الفيروس بعد ولادتهم مباشرة أملاً في وقايتهم من الإصابة به.

أما كيف انتقل الفيروس إليها، فتقول إنه كان عن طريق خلع ضرسها في إحدى عيادات الأسنان الطبية، والتي تسبب عدم مراعاة إجراءات السلامة والتعقيم فيها الإصابة بالمرض.
وعلمت أختها بإصابتها من خلال تحاليل الحمل هي الأخرى بإصابتها بفيروس "سي".
وانتقل المرض إلى أخيها من خلال ملامسة دم أحد المصابين.

أما والدتها فقد أكدت أنها كانت تجري عملية جراحية، ومن خلال التحاليل المسبقة الخاصة بالعملية لم تكن الأم مصابة بأي شيء، وبعد شفائها من جراح العملية اكتشفت الوالدة إصابتها بالفيروس، ومن وقتها وهي تعاني السفر و"البهدلة" في آخر أيامها، على حد قولها.

وعندما اقتربنا من امرأة أخرى تبدو في الخمسينات من عمرها، أخذت تشكو وتدعو على جميع المسؤولين والعاملين بمعهد الكبد، لأنها كثيراً ما تأتي في الصباح الباكر وتقف في طابور الأدوية، وبعد يوم كامل من الإرهاق والتعب مع المرض تُفاجأ بأنها لن تأخذ دواءها كاملاً وبالتالي تضطر للحضور مرة أخرى، تقول: "لا يراعون أننا مرضى ولا نملك سعر الدواء، ولو كنا نملك ثمنه لما جئنا إلى هنا وتعرضنا لكل هذه البهدلة وتحمّل مصاريف السفر".

حكايات الوجع المصري مع الإصابة بمرض التهاب الكبد الوبائي، تتكرر لدى ملايين المصريين، مع أوجاع رحلة العلاج المهينة للكثير من المرضى الذين يعاني معظمهم ضيق العيش وصعوبة الأحوال المادية، التي لا ينافسها في الألم والشعور بالمهانة إلا تلاعب الساسة بآمالهم ومعاناتهم، في ساحة المزايدات وبيع الوهم للمرضى من أجل تحصيل مكاسب سياسية عابرة.