بصرف النظر عما إذا كان رئيس فريق المراقبين الدوليين بمدينة الحديدة، غربي اليمن، الجنرال الهولندي باتريك كاميرت، يستعد لترك مهمته بعد مرور شهر على بدئها، بات واضحاً أن اتفاق استوكهولم بشأن الحديدة بلغ منعطفاً خطيراً، إن لم يكن طريقاً مسدوداً، لا ينتظر سوى المزيد من الملابسات لعودة التصعيد، وفقاً لأحدث المعطيات والتطورات التي رافقت الجولة الأخيرة للمبعوث الدولي إلى اليمن مارتن غريفيث، بين كلٍ من صنعاء والرياض.
في سياق "استقالة كاميرت"، تضاربت المعلومات في هذا الشأن، مع تأكيد مصادر في الخارجية اليمنية، لـ"العربي الجديد"، أن "كاميرت اعتذر للأمم المتحدة عن مواصلة مهمته برئاسة لجنة التنسيق وإعادة الانتشار في الحديدة"، إلا أن الأمم المتحدة لا تزال تطالبه بـ"الاستمرار في مهمته حتى تسمية البديل عنه على الأقل"، وترتيب أوراق المهمة المتعثرة بشأن تنفيذ اتفاق الحديدة.
وجاء لقاء الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بغريفيث وكاميرت في الرياض، أمس الخميس، ليعزز الأنباء عن مواصلة كاميرت مهامه (إلى حين تسمية البديل عنه على الأرجح، حسبما تقول المصادر الحكومية اليمنية). وعُرض خلال اللقاء ملخص حول الخطوات التي اتخذها كاميرت بالحديدة منذ بدء عمله أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، فتحدث الجنرال الهولندي لهادي عن العراقيل التي وقفت أمام المراقبين الدوليين، لكنه بحسب وكالة الأنباء اليمنية الحكومية: "تطلّع إلى تجاوزها من خلال وصول عناصر المراقبين للإشراف على خطوات تنفيذ اتفاق استوكهولم"، في إشارة إلى المراقبين المقرر أن يتم نشرهم في الحديدة بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي الأخير 2452، والقاضي بنشر عشرات المراقبين بمدينة الحديدة.
وأياً يكن مصير مواصلة كاميرت مهمته من عدمها، بات واضحاً أن اتفاق الحديدة، بوصفه أبرز ما خرجت به مشاورات السويد الشهر الماضي، يتجه إلى طريق شبه مسدود، ففضلاً عن عدم التنفيذ على أرض الواقع واستمرار الخروق والاتهامات المتبادلة بين الطرفين، لم يخرج غريفيث من صنعاء يوم الأربعاء الماضي بحصيلة واضحة، ولم يعلن عن تفاصيل اللقاءات التي أجراها، كما هو المعتاد. لكن عضو الوفد المفاوض عن الحوثيين سليم المغلس، أشار في منشور على صفحته بموقع "فيسبوك"، إلى أن "نقاشاً جاداً دار بين غريفيث وكاميرت والقيادات في صنعاء". وقال "نأمل أن تكون لقاءاتهما مع الطرف الآخر بنفس المستوى من المسؤولية والجدية، واختصاراً للوقت ننصح المبعوث بانتزاع قرار تنفيذ الاتفاق من صاحب القرار محمد بن سلمان، حتى لا يعود كاميرت السبت المقبل بوعود فارغة ممن لا يملك القرار العسكري على الأرض".
وكان كاميرت تواجد في اليمن منذ 22 ديسمبر الماضي، لرئاسة اللجنة المعنية بتنفيذ اتفاق الحديدة، باعتباره التقدم الأهم الذي تحقق خلال مفاوضات السويد، وفي الحديدة عقد كاميرت اجتماعات مباشرة ضمت ممثلي الحكومة والحوثيين في لجنة إعادة الانتشار، لأسبوعين متتاليين قبل أن يفشل بجمع الطرفين مجدداً في الأسبوعين الثالث والرابع على التوالي، مع رفض الحوثيين حضور ممثليهم إلى مناطق خاضعة لسيطرة القوات الحكومية في الحديدة، بالتزامن مع بدء تصاعد أزمة الحوثيين وكاميرت في المدينة.
ومن أبرز ما فاقم أزمة كاميرت - الحوثيين، هو الإجراء الانفرادي الذي اتخذته الجماعة بإعلان إعادة الانتشار بميناء الحديدة خلال حفل رسمي، نقلت خلاله الميناء من مسلحيها إلى قوات تابعة لها، واعتبرت أن "ذلك يأتي تنفيذاً لاتفاق استوكهولم"، إلا أن رئيس فريق المراقبين الدوليين، اعتبر أن "أي خطوة لابد أن تتحقق منها الأمم المتحدة ومختلف الأطراف حتى تكون ذات مصداقية". قبل أن يواجه حملة انتقادات حوثية واسعة، بدأت ببيان صادر عن السلطة المحلية التابعة للحوثيين، هاجم كاميرت، ووصل إلى اتهام رسمي، من قبل كبير مفاوضي الجماعة، المتحدث باسمها، محمد عبد السلام، الذي قال في 13 من الشهر الحالي، إن "عدم إحراز أي تقدم في الحديدة على صعيد تنفيذ اتفاق استوكهولم يعود بالأساس إلى خروج رئيس لجنة التنسيق الأممية عن مسار الاتفاق بتنفيذ أجندة أخرى". وأضاف أنه "يبدو أن المهمة أكبر من قدراته، وما لم يتدارك غريفيث الأمر فمن الصعوبة بمكان البحث في أي شأن آخر".
الجدير بالذكر، أن الأزمة حول مهمة كاميرت، والحديث عن استقالته أو اعتذاره عن مواصلة المهمة بعد نحو شهر من دخول اتفاق وقف إطلاق النار في الحديدة حيز التنفيذ، يمثل مؤشراً خطيراً، قد لا يكون سوى تمهيد للاعتراف بفشل خطة الأمم المتحدة لفرض السلام في مدينة الحديدة، بوصفها المدينة التي تتمحور فيها وحولها، أحداث المعارك والجهود الدبلوماسية الدولية، منذ نحو عامين. والحديث عن رئيس جديد لفريق إعادة الانتشار لا يعني بنظر العديد من اليمنيين، سوى اعتراف أممي بأن مهمة تنفيذ اتفاق الحديدة، الذي يحوي بالأصل، ثغرات كبيرة (على غرار عدم تسمية الطرف المعني بتسلم موانئ الحديدة والمدينة بشكل واضح لا يقبل الجدل)، يمثل تحدياً صعباً للغاية.