منتدى اللاجئين.. مخاوف من أزمة جديدة

22 ديسمبر 2019
+ الخط -
انعقد الأسبوع الفارط في جنيف المنتدى العالمي الأول لقضايا اللاجئين، تزامناً مع الاحتفال باليوم العالمي للهجرة، وهو الذي يصادف إقرار الأمم المتحدة الاتفاقية الدولية لحماية المهاجرين وعائلاتهم، المعروفة اختصارا باتفاقية 18 ديسمبر. وقد اتخذت عدة جمعيات منه اسماً لها، لإبراز انخراطها في النضال من أجل حماية المهاجرين، واللاجئين عموماً.
وتظل اتفاقية جنيف 1959 ما يشبه الإعلان العالمي لحقوق اللاجئين. ولكن ثمّة أشياء تقتضي المراجعة باتجاه مزيد من التفعيل، وضمان الجدوى في التصرّف في هذه التدفقات الجديدة التي تختلط فيها مسارات المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين وضحايا المتاجرة بالبشر. يواجه المختصون الأكاديميون والخبراء وأصحاب القرار معضلة نظرية وعملية تعسر التمييز بين هؤلاء الأصناف الثلاثة من العابرين والمتنقلين من حدودٍ إلى أخرى. ولعل في عقد هذا المنتدى، بالتزامن مع اليوم العالمي لحماية المهاجرين، عوضا عن اليوم العالمي لحماية اللاجئين الذي يُحتفى به سنويا يوم 21 يونيو/ حزيران، دلالةً على هذا الترابط المتين إلى حد 
التشابك بين تدفقات اللجوء والهجرة.
وكانت الأمم المتحدة قد عملت السنة الفارطة على صياغة "الاتفاق العالمي بشأن اللاجئين" الذي صادقت عليه الدول الأعضاء، وغدا إلى جانب اتفاقية جنيف 1959 الإطار الأبرز للتدخل الأممي، غير أن المفوضية العليا (الأمم المتحدة) تسعى، من خلال هذا المنتدى، إلى تبنّي إجراءات عملية جديدة وجريئة ومبتكرة لمساعدة اللاجئين والمجتمعات المضيفة. ويقترب عدد اللاجئين من ما يناهز 26 مليونا، أغلبهم من دول العالم الثالث، موزعين على ثلاث قارات تقريبا، أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، يقيم ما يناهز الثلثين منهم أيضا في دول فقيرة، فالدول المتقدمة اقتصاديا لا تستوعب سوى أقل من الخمس منهم.
وقد أشرف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، على هذا المنتدى، وهو الذي كان قد شغل منصب المفوض السامي لشؤون اللاجئين، من أجل الدفع باتجاه اتخاذ تدابير عملية تساهم في تقاسم الأعباء، حتى لا ترهق بعض الدول بعينها، على غرار ألمانيا وتركيا وإثيوبيا وباكستان، وهي الدول التي تستقبل أكثر من غيرها أعداد اللاجئين بشكل متزايد. وأشادت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ومن شاركوا بمداخلاتهم في هذا المنتدى، بتجارب ناجحة في استقبال اللاجئين، وعدّوها "ممارسات فضلى"، إذ استطاعت هذه الدول، بالتعاون مع مبادرات أهلية ومنظمات غير حكومية، تحسين وضعية تعليم اللاجئين، وتقديم خدمات المياه والصحة 
والاتصالات في أثناء الكوارث.
لا يعني هذا أن ظروف اللاجئين تحسنت بشكل نهائي، ولكن من شأن هذه الإشادة تثمين تلك الجهود، وتعزيز المزيد من الابتكار والجدوى التي حرص هذا المنتدى على إدراكها، وهو يطمح إلى تقديم ما يشبه الدليل العملي على تحسين التصرّف مع تدفقات المهاجرين، بما يدعم حقوقهم المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية. ولكن الأمم المتحدة تطمح إلى إضافة خدمات أخرى، غدت ضرورية بعد مرور 60 سنة من اتفاقيات جنيف. ولا تخفي الأمم المتحدة والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين تحديدا خشيتهما من تنامي أزمة اللاجئين واندلاع موجات منهم غير مسبوقة، على غرار ما وقع سنة 2015 التي شهدت أرقاما قياسية، بلغت ما يناهز ثلاثة ملايين لاجئ غادروا سورية وحدها.
وتهدّد النزاعات الجارية في اليمن وسورية وليبيا والسودان والعراق بزيادة أعداد اللاجئين، في
 مناخ إقليمي لا يبدي استعدادا لاستقبالهم في ظروف إنسانية ملائمة لأسباب سياسية ولوجستية، وربما تقدم وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) نموذجا دالا على عجز العرب عن التصرّف في لاجئيهم بما يليق بهم. ولذلك علينا أن نصغي لهذا النقاش الدائر حاليا بشأن قضايا اللاجئين، لأننا قد نكون المعنيين الأول بهم في السنوات المقبلة، على افتراض استتباب السلم الأهلي حاليا، فعودة اللاجئين لن تكون أمرا سهلا، ذلك أن عادة إدماجهم في مجتمعاتهم الأصلية تظلّ أمرا على غاية الخطورة والصعوبة في آن. عاد بعض المهجرين واللاجئين العراقيين إلى بلدهم من المنفى والغربة، ولكن وضعيتهم ظلت مثيرةً لأسئلةٍ عديدة، وقد فضّل بعضهم العودة إلى "المنفى" اختيارياً.
المحبط هو الحضور العربي الباهت في المؤتمر، في حين أن نسبة عالية من اللاجئين من أصول عربية. حضرت تركيا بكل ثقلها، وهي تعلم أنها تحمّلت العبء الأكبر من تصريف شؤونهم. وتشتدّ حاجة العرب للحضور في مثل هذه المنتديات، والمفوضية العليا للاجئين الفلسطينيين تمر بصعوبات فائقة، مع تلكؤ بعض الدول في تمويلها ورفض دول أخرى.
7962F3C9-47B8-46B1-8426-3C863C4118CC
المهدي مبروك

وزير الثقافة التونسي عامي 2012 و2013. مواليد 1963. أستاذ جامعي، ألف كتباً، ونشر مقالات بالعربية والفرنسية. ناشط سياسي ونقابي وحقوقي. كان عضواً في الهيئة العليا لتحقيق أَهداف الثورة والعدالة الانتقالية والانتقال الديموقراطي.