مناورة الهدنة الروسية: محاولة لتثبيت مواقع النظام على جبهات إدلب وحماة

19 مايو 2019
حاولت قوات النظام التقدم على محاور الكركات(جورج أورفليان/فرانس برس)
+ الخط -
فيما روجت وكالة روسية، منذ صباح أمس السبت، لـ"هدنة 72 ساعة"، في مناطق شمال غربي سورية، فإن الميدان في هذه المناطق، بدا مُشتعلاً، بعد هدوء استمر طوال ساعات الليل، فيما نفت فصائل المعارضة السورية، منذ الساعات الأولى التي سادت خلالها أنباء "الهدنة"، وجود أي اتفاق بهذا الشأن. وفي حين قال مصدران عسكريان، لـ"العربي الجديد"، إن المعارك مستمرة، فإن أحدهما تحدث عن "طرح روسي بشأن الهدنة، تم رفضه". وبدت التطورات منذ صباح السبت مُتسارعة، إذ بينما سادت أنباء مصدرها الأساسي وكالة "سبوتنيك" الروسية، التي نقلت عما سمّته "قائداً ميدانياً"، وجود "هدنة لـ72 ساعة" في مناطق شمال غربي سورية، فإن ما عزز كلام الوكالة الروسية بداية هو حالة الهدوء شبه التام، الذي شهدته مناطق إدلب وجنوبها تحديداً، وريف حماة الشمالي، وشمالي اللاذقية.

وبعد أن قصف الطيران الحربي مناطق عدة، بينها معرة النعمان، مساء أول من أمس الجمعة، غاب سلاح الجو عن سماء مناطق "خفض التصعيد"، وغابت بعده أصوات الاشتباكات والمعارك على الجبهات في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، التي كانت مشتعلة طيلة الأيام القليلة الماضية. ونتيجة غياب الطيران الحربي عن سماء المناطق الشمالية الغربية من سورية، وتوقف المعارك لساعات، مع ما تم تداوله حول "هدنة مؤقتة"، فقد بدت هذه "الهدنة" وكأنها دخلت فعلاً حيز التنفيذ، بينما نفت الوقائع في الميدان صباحاً، وجود أي شكل من أشكال وقف إطلاق النار، إذ عاد القصف المدفعي واستؤنفت الاشتباكات، وإن بوتيرة أخف من الأيام القليلة الماضية. وأصدرت "الجبهة الوطنية للتحرير"، صباح أمس السبت، بياناً نفت فيه ما ساد من أنباء عن "هدنة". وقال المتحدث باسمها النقيب ناجي مصطفى إنه "بخصوص أية طروحات أو عروض لوقف إطلاق النار، فإن موقف الجبهة الوطنية هو رفض ذلك جملة وتفصيلاً"، مضيفاً أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار يجب أن يشمل "انسحاب العدو وعودة المناطق التي تم اقتطاعها بالقصف الوحشي على المدنيين الأبرياء، والذي أدى لاستشهاد العشرات ونزوح مئات الآلاف من منازلهم".

والحديث الذي ساد عن "الهدنة" التي لم تبدأ فعلياً، لم يأت من فراغ، إذ دارت، كما علمت "العربي الجديد"، محادثات لبدء هدنة في مناطق شمال غربي سورية، لكن يبدو أنها لم تؤدِّ إلى نتيجة. وفي حين لم يصرح أي مصدر رسمي عن "الهدنة"، علمت "العربي الجديد" من عسكريين في الجيش السوري الحر أن "مباحثات" جرت حول التصعيد والتطورات في إدلب وشمال حماة، تم خلالها طرح موضوع "الهدنة". ويُرجح أن يكون جرى الحديث عن "الهدنة" خلال اجتماعات مجموعة العمل التركية الروسية المشتركة، التي كانت اجتمعت يومي الخميس والجمعة في العاصمة التركية أنقرة، وبحثت بشكل خاص ملف التطورات في إدلب، والمعايير التي يجب اتخاذها في نطاق اتفاقيات أستانة وسوتشي، حسب بيان وزارة الدفاع التركية بعد اختتام الاجتماعات.


وقال نصر العكل، وهو مسؤول المكتب الإعلامي في "الجبهة الوطنية للتحرير"، التي تضم فصائل من الجيش الحر، وتتموضع حالياً مع فصائل أخرى في جبهات المعارك بريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، لـ"العربي الجديد"، إن "الهدنة كانت عبارة عن طرح وضع على الطاولة، ونحن في الفصائل رفضناه"، خصوصاً أن "النظام لا عهد له ولا ميثاق، وقواته حاولت التقدم صباح اليوم (السبت) على محاور الكركات، لكن قواتنا صدت الهجوم". وأضاف العكل أن "الخيار على الساحة الآن، هو خيار الفصائل أولاً وأخيراً. نحن نواصل عملياتنا العسكرية المعتادة، واستهدفنا اليوم (أمس) قوات النظام على الجبهات"، مشيراً إلى أن قوات "الجبهة الوطنية"، استهدفت تجمعات لقوات النظام في بلدة الحويز ومحيطها. وأضاف العكل أن "الهدنة هم من طلبوها (الروس والنظام)، وهدفهم أن يقوموا بأعمال صيانة للأسلحة الثقيلة والطائرات، وكذلك من أجل تحصين الجبهات التي تقدموا إليها أخيراً. النظام والروس يعلمون أننا سنشن هجمات معاكسة، وهم طلبوا هدنة ليقوموا بتحصين الجبهات ورفع السواتر".

ويتفق مع كلامه العقيد في الجيش الحر، مصطفى البكور، الذي اعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "لا توجد أي هدنة" مع قوات النظام. وقال البكور، وهو قائد العمليات في "جيش العزة"، المتمركز على جبهات المعارك في ريف حماة الشمالي: لا يوجد هدنة، إنما هي محاولة إعادة ترتيب الصفوف من قبل الروس بعد دخول قوات لواء الإمام الحسين التابع لحزب الله إلى جبهة ريف حماة الشمالي، بعد فشل قوات سهيل الحسن (الملقب بالنمر) ولواء القدس الفلسطيني في تحقيق تقدم على حرش الكركات الاستراتيجي، على حد تعبيره. وأشار إلى أن فصائل الجيش السوري الحر "صدت صباح السبت محاولة تقدم على حرش الكركات"، متحدثاً عن "اشتباكات في محور الحويز"، وأن "الطيران لم يحلق بالأجواء حتى الساعة"، مرجعاً السبب إلى أن "الطائرات تحتاج كل فترة إلى صيانة، لذلك الروس، وبعد 18 يوماً من الاستخدام المستمر للطيران، بحاجة إلى إعادة صيانة طائراتهم".

في سياق متصل، وصلت تعزيزات عسكرية تابعة للمعارضة السورية المسلحة قادمة من منطقة عمليات "غصن الزيتون" إلى ريف حماة الشمالي الغربي. وقالت مصادر، لـ"العربي الجديد"، أن التعزيزات عبرت من حاجز الغزاوية الفاصل بين مناطق سيطرة "الجيش السوري الحر"، و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) في ريف حلب الشمالي الغربي. وحاول زعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني الدخول على خط المعارك، داعياً، في لقاء مصور نشر الجمعة، الفصائل السورية الموالية لأنقرة لفتح جبهات قتال مع قوات النظام. وقال إن "بعض الفصائل الموجودة في درع الفرات والمنطقة هناك، بإمكانهم أن يخففوا علينا ويفتحوا عملاً على حلب مثلاً". وأضاف "لديهم محاور مع النظام، وتشتيت العدو وفتح أكثر من محور يصب في صالحنا".

بموازاة ذلك، دخل رتل جديد للجيش التركي، إلى شمال غربي سورية، أمس السبت، وتوجه إلى نقطة المراقبة التركية المتمركزة في منطقة شيرمغار في جبل شحشبو شمال غرب حماة. وبحسب ما أفادت مصادر ميدانية، لـ"العربي الجديد"، فقد ضم الرتل آليات عسكرية ومدرعات وشاحنات تحمل جدراناً إسمنتية، مشيرة إلى أن الجيش التركي يعزز ويحصن هذه النقطة العسكرية، التي تقترب منها المعارك منذ أيام. وكانت قوات النظام السوري، مدعومة بالطيران الحربي الروسي، سيطرت خلال العملية البرية، التي أعقبت حملة القصف الجوي، على عدة قرى وبلدات في ريف حماة الشمالي، بداية من تل العثمان الاستراتيجي، الذي مهد طريق هذه القوات للسيطرة على بلدة كفرنبودة، ثم قلعة المضيق، وعدة قرى آخرها الحويز. وأدت حملة النظام وروسيا إلى مقتل أكثر من 130 مدنياً، منذ 26 إبريل/نيسان الماضي، حتى النصف الأول من مايو/أيار الحالي، حسب توثيق "الدفاع المدني السوري"، ومنظمات حقوقية، فضلاً عن نزوح نحو 180 ألف شخص من قراهم وبلداتهم. فيما بلغت حصيلة النازحين منذ ما بعد سبتمبر/أيلول الماضي حتى الآن، نحو 530 ألف شخص، حسب توثيق فريق "منسقو الاستجابة في الشمال" السوري.

ودقّت الأمم المتحدة، أول من أمس الجمعة، ناقوس الخطر حيال خطر حصول "كارثة إنسانيّة" في محافظة إدلب إذا تواصلت أعمال العنف. وقالت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية روزماري ديكارلو، خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن، "ندعو جميع الأطراف إلى وقف المعارك"، محذرة من "مخاطر كارثة إنسانيّة". من جانبه، تحدّث مساعد الأمين العام للشؤون الإنسانيّة مارك لوكوك عن "تصعيد مروّع وكابوس إنساني" مع تزايد القصف الجوي، مشيراً إلى أنّ "نحو 80 ألف شخص باتوا مشرّدين ويعيشون في بساتين أو تحت الأشجار". ولفت إلى أنّه لا يُمكنه تحديد المسؤول عن القصف، مضيفاً أنّ بعض عمليّات القصف "نظّمها بوضوح أفراد لديهم أسلحة فائقة التطوّر، ضمنها سلاح جوّ حديث وأسلحة ذكيّة ودقيقة". وبحسب لوكوك فقد أصيبت، منذ 28 إبريل/نيسان الماضي، 18 منشأة طبّية في هجمات تنتهك حقوق الإنسان. وحاول السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبنزيا الدفاع عن بلاده والنظام السوري. وقال "لا الجيش السوري ولا الجيش الروسي يستهدفان مدنيّين أو منشآت مدنيّة"، مضيفاً أنّ "الإرهابيّين هم هدفنا ونحن ننفي كلّ الاتهامات بانتهاك القانون الإنساني الدولي". وسارع نظيره التُركي فريدون سينيرلي أوغلو للرد عليه، رافضاً مبرر مكافحة الإرهاب لمواصلة الهجوم. وقال إنّ "كارثة ترتسم في الأفق والنظام السوري يستهدف عمداً مدنيّين ومدارس ومستشفيات".

المساهمون