ممثلو الدفاع في مصر

15 سبتمبر 2014

مسنّ مصري يتظاهر مطالباً القضاء بالعقاب لمبارك (16فبراير/2012/Getty)

+ الخط -

ممثلو الدفاع هم التيارات أو القوى أو الجماعات أو الكيانات، (أو الأفراد)، التي تتولى غالباً (لن أقول دائماً، ولن أقول ضرورة) عبء الدفاع عن القضايا الكبرى والأحداث الفاصلة في تاريخ الأمم والشعوب، أو في تاريخ الأفراد. حيث يقوم ممثلو الدفاع بالذود عن أصحاب هذه القضايا، وعن القيم والمبادئ التي تنطلق منها، أو تستند إليها هذه الأحداث. لكن السؤال، هل تضيع القضايا، وتتوقف الأحداث إذا غاب ممثلو الدفاع؟

في الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011، بدأت في مصر إرهاصات أهم حدث في تاريخها المعاصر، اتضحت معالمه في الحادي عشر من فبراير/ شباط 2011، مع إطاحة الرئيس السابق، حسني مبارك، بعد هيمنة فاسدة على مقدرات الدولة والمجتمع نحو ثلاثين عاماً، هذا الحدث الذي اكتسب مسمى "ثورة 25 يناير"، انبرى للدفاع عنه الملايين في الميادين، ومئات آلاف اندمجوا في أحزاب وتيارات وجماعات وحركات، اتخذت من هذا المسمى منطلقاً لها، عن إيمان حقيقي بأهمية الثورة، أو سعياً نحو القفز عليها والاستفادة من تداعياتها، حتى لو كانت هذه الاستفادة على حساب حاضر الوطن ومستقبله.

ومع تصدّع جبهات كثيرة لممثلي الدفاع، كانت النتيجة الطبيعية نجاح قوى الثورة المضادة في الالتفاف على ثورة يناير، عبر فخ أُطلق عليه عبثاً "ثورة 30 يونيو"، واكتمل المخطط بالانقلاب العسكري الذي شهدته مصر في 3 يوليو/ تموز 2013.

وبين فخ يونيو وانقلاب يوليو، ومحاولة لإنقاذ ثورة يناير من كل مَن يريد تدميرها وتشويهها، والنيل من مكتسباتها، ظهرت تكتلات وتحالفات سياسية واجتماعية، للدفاع عن ثورة يناير، فظهر، مثالاً لا حصراً، تحالف دعم الشرعية، طلاب ضد الانقلاب، أزهريون ضد الانقلاب، صحافيون ضد الانقلاب، علماء ضد الانقلاب، أحرار، ... وغيرها الكثير، ليشكلوا معاً "ممثلي الدفاع" الجدد عن ثورة يناير.

إلا أنه بين حين وآخر يتساقط بعض هؤلاء الممثلين، إما أمام بطش السلطة الانقلابية وآلتها القمعية الأمنية والعسكرية، أو خوفاً من حملات التشويه والتنكيل التي تمارسها الآلة الإعلامية الانقلابية، أو خوفاً من متاهة الأحكام والقضايا التي تتفنّن في إخراجها الذراع القضائية للانقلاب العسكري، أو طمعاً في مكاسب مادية أو معنوية يمكن أن يتكرّم بها قادة الانقلاب ومؤيدوه على هؤلاء المتساقطين، أو اعترافاً من بعض هؤلاء الممثلين بالعجز والفشل عن مواجهة سياسات الانقلاب وممارساته، وأنه لم يعد في الإمكان أبدع ممّا كان.

وهنا يصبح السؤال: هل يعني سقوط ممثلي الدفاع ضياع القضية؟ هل يعني تراجع بعضهم نهاية الثورة؟

مهما سقطت التحالفات، مهما تراجع المدافعون، مهما تخاذل المحبطون، لن تسقط الثورة. الثورة لم تكن ذات قيادة تحركها، الثورة لم تكن نتاج تيار أو حزب، الثورة لم تكن إرادة فريق على حساب آخر، الثورة لم ولن تكون ملكاً لأحد مهما كان وزنه أو تأثيره، ولن يحميها تيار واحد، مهما كانت قدراته أو إمكاناته.

الثورة حلم أمة، أمل جيل، الثورة أيقونة رغبة جامحة في التغيير، زلزلت أركان الملايين وحركت فيهم السواكن التي لا تستطيع قوة داخلية أو خارجية إيقافها، أو النيل من جذوتها.
الثورة التي ترسخت في القلوب والعقول، وسقط من أجلها آلاف الشهداء، لن تقف عند متخاذلين متساقطين، ولن تتنظر "ممثلين" يتغنون بالدفاع عن الثورة وقيمها، وما هم إلا متاجرين بها، وبما قامت من أجله.

لن تكون ثورة يناير معبراً للمتسلّقين عليها، ولا مغنماً للمتاجرين بها، ولن يترك حُماتها الحقيقيون مَن لا يستحقون نيل شرف الدفاع عنها. مفجرو الثورة وحماتها سيدافعون عن ثورتهم، حتى لو لم يبق على الطريق أحد سواهم. دماء شهدائنا نور يهدينا، أرواحهم الطاهرة، تُقوّي عزائمنا، دماؤهم الزكية، نبراس طريقنا.

طريق الحرية والكرامة لا مكان فيه لمتخاذل أو متراجع. طريق الحرية والكرامة لا يسلكه سوى المخلصون الشرفاء، الذين ما خرجوا إلا من أجل عزّة وطنهم وكرامة أمتهم، وإنَّا على دربهم، بمشيئة الله، سائرون، فلم يخرجوا دفاعاً عن تيار أو حزب، ولم يخرجوا دفاعاً عن مصالح ضيقة أو مكاسب ذاتية، فقط خرجوا لنصرة ديننا وعزة وطننا. هذا عهدهم، وهذا عهدنا بهم، فكونوا أوفياء للعهد.

A57B9A07-71B2-477E-9F21-8A109AA3A73D
عصام عبد الشافي

باحث وأكاديمي مصري، دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية، يعمل أستاذاً للعلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة رشد التركية، من مؤلفاته: البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه المملكة العربية السعودية (2013)، السياسة الأمريكية والثورة المصرية (2014).