ملّـنا الوراء!

14 يناير 2015
+ الخط -
أذكر قبل أيام قليلة وأنا أتابع ما يجري من نقاشات وخواطر وقضايا في برنامج التواصل الاجتماعي "تويتر". قرأت وسما حول مشكلة مر بها أحد الناجحين المشهورين في الوطن العربي، قام فيه بتوضيح سبب المشكلة التي وقع فيها، والتي بدت ظاهريًا أنها تنافي تماما ما يطرحه وينادي به في برامجه.
هاجمه متابعوه ومن يحملون البغض والكراهية له رغم أني أحسبه يبذل الغالي لتوصيل فكرته، ويبذل الكثير من جهده وأيامه ليسافر من بلد إلى آخر ليثبت لنا أن أمتنا تستطيع أن تتطور وتعود كما كانت الأولى في كل المجالات، ويسعى كل السعي لإظهار برامجه ومخرجاته بفنية وإبداع.
بغض النظر عن ماهية المشكلة، ومن المزعج جدا ما شهدته من سطحية في التحليلات من الشباب العربي والاستهزاء بالمشكلة التي مر بها، والتقليل من شأنه كإنسان والخوض بالشخوص لا بالمضامين والدخول في النوايا، وغيرها من ردود لا تليق تمامًا بالشباب العربي الذي بات الآن ملما بكثير من القضايا وصاحب ثورات وقيادات.
انتشرت هذه الصفة بين أوساط الشباب وقليل من يستطيع أن يهرب من هذا الداء، رغم إيماني بوجود عدد كبير من أولئك الذين يحملون عقولا راقية ومفكرة بعمق، إلا أنها لا تكفي لإفاقة الأمة العربية. بحثت عن هذه الصفة لأجد أن من أهم أسبابها التربية الخاطئة التي زرعت الفكر الاستهلاكي داخل عقول الشباب ولهثهم وراء أمور ثانوية استهلاكية بحتة، والتربية التي زرعت فكرة أن العمل شقاء، وأن الإنسان خُلق ليستهلك ويستمتع لا لأن يعمل ويعمر الأرض ويثور لمقدساته وكرامته إلى أن بات يبحث عن الرفاهية التي تعفيه عن شقاء العمل.
والمشكلة الأكبر أن وسائل الإعلام تروج لمثل هذا الأسلوب الرجعي في التفكير والسطحية في التحليل، وتستطيع جذب عدد كبير من المنتمين لهذا المنهج السطحي من التفكير ليتكاثروا وينتشروا أمام أصحاب الفكر المستنير والراقي. إضافة إلى التوجه الإعلامي للدول العربية الذي أصبح ينشر ما تريده الغرائز، لا ما يحتاجه المجتمع والأمة من أفكار مستنيرة طموحة تطبق لتقارع أصحاب الأذهان الباهتة السطحية.
الفكر السطحي ما هو إلا رؤية القضايا من اتجاه واحد وغالبا ما يكون الأقصر والأسهل، نحتاج لإعادة التفكير في منشوراتنا عبر التواصل الاجتماعي، نحتاج لنشر الفكر المستنير والأسلوب الراقي، وزرع شعور بأهمية حمل هم الأمة ومقدساتها وكرامتها، والعمل الدؤوب المحسن.
ولكن إذا كنا نعيش في عالم مليء بالكذب والتحايل والمراوغة والتظاهر بما ليس له وجود، فكيف يطيب للمرء أن يرضى بأن يكون سطحيا؟ وهل فشل التربية في التعامل مع هذه المشكلة مبرر كاف يجعل المرء يستجيب لها، أم عليه أن يطور عقله ليمضي في طريقه وسط مصاعب الحياة؟ ولماذا لا يجتهد المرء ليطور من قدراته ويتعامل مع المعطيات التي حوله بعمق أكثر؟ ولماذا يسعى لاكتساب المعرفة في مجالات تافهة ويتجاهل المعرفة التي تمكنه من الحصول على كرامته والعيش السوي؟

ملّنا الوراء!

*البحرين
المساهمون