09 نوفمبر 2024
مليون نازح في طقس صقيعي .. من المسؤول؟
يبدو أن أنقرة أدركت، أخيرا ومتأخرة، أن الهدف من مؤتمرات أستانة وسوتشي كان كسب الوقت في كل مرة، من أجل النقض السريع لمخرجات هذه المؤتمرات، وذلك في إطار الهدف الأوسع لموسكو وطهران، وهو الإجهاز على المعارضة المسلحة، وطرد القوات التركية مع الحفاظ على وجود محدود لها، بهدف محاربة الوجود الكردي المسلح لا غير. وأن هذه الاستراتيجية تتضمّن، كما تدل على ذلك مئات الوقائع، إضعاف البيئة الحاضنة للمعارضة بالاستهداف المنهجي والمكثف للمدنيين، ودفعهم للنزوح إلى المجهول أو إلى الأراضي التركية، وتدمير المرافق المدنية في مناطق المعارضة، ابتداء من المشافي ودور الإغاثة ومراكز الدفاع المدني، مرورا بالأسواق الشعبية، وليس انتهاء بالمساكن.
تتذرّع موسكو بوجود جبهة النصرة، وقد تذرّعت في الأصل منذ تدخلها خريف العام 2015 بوجود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وزعمت شن الحرب عليه، غير أن سجل الأداء العسكري الروسي يثبت أن استهداف المدنيين والمرافق المدنية يتصدّر مهماتها. وأنه سبق للنظام وروسيا أن تفاهما مع "داعش" للخروج من مناطق، وهو ما كان وما زال في الوسع القيام به مع جبهة النصرة أو السعي إلى حل هذا التنظيم بالتفاهم مع تركيا، مع التعهد والتقيد بالتوقف عن تقصّد التنكيل المشين بالمدنيين والتفاوض مع المعارضة على حلولٍ سياسيةٍ بعيدة المدى.
وفي تصريحات روسية أخيرة (مساء الأربعاء 13 فبراير/ شباط الحالي) إن رقم 750 ألف
نازح من إدلب غير صحيح. ولعله كذلك، غير صحيح، فالاتحاد الأوروبي يتحدّث عن بلوغ الرقم خلال عام سقف مليون نسمة من المنكوبين الذين يُدفع بهم إلى العراء في طقس قارس شديد البرودة. والأمم المتحدة تتحدث عن 700 ألف نازح منذ ديسمبر/ كانون الأول فقط. وهذه موجة من أكبر موجات النزوح في عصرنا، وأشدّها مأساوية، وهي تدين كل من تسبّب بها، كل من يمنع المساعدات الإنسانية ويعترض طريقها أو يسلب هذه المساعدات. وتدين هذه الموجة كل من وقف وما زال يقف في وجه الحلول السياسية للأزمة السورية، ويعتمد الحل العسكري لتغيير المعادلات في هذا البلد، بما في ذلك التعديل الديمغرافي القسري. وقد تحملت تركيا واستقبلت موجات لجوء هائلة، فيما ترفض كل من إيران وروسيا استقبال لاجئ واحد، وتؤثران بدلاً من ذلك أن يقضي النازحون على أرضهم في العراء أو تحت أنقاض بيوتهم، أو أن يتم دفعهم إلى تركيا. ذلك أن الحرب في سورية هي في الأساس وفي برمجتها وفي انتظامها وفي سجل وقائعها، هي حرب على المدنيين، وهو ما يميّزها عن الحروب الأخرى. وبالطبع، هذا هو الإرهاب في أبشع صوره.
وفي هذه الأثناء، ترفض كل من طهران وموسكو إنشاء مناطق آمنة لعودة اللاجئين، وتعرقلان، بكل الوسائل، الجهد التركي في هذا الخصوص. إذ تلقي العاصمتان على أنقرة مهمة استقبال موجاتٍ كبيرة من السوريين ممن لا يريد نظامهم لهم البقاء في وطنهم أو العودة إليه. ويتم التقليل من شأن تركيا التي تتاخم الحدود السورية، وذلك من طرف دولتين، لا حدود لهما مع سورية.
وقد شرعت أنقرة تدرك، بعد بطء شديد وإرجاء مديد، فحوى الاستراتيجية الروسية المتفاهم عليها مع طهران، والتي يجري تطبيقها بالقتال الروسي جنبا إلى جنب مع مليشيات إيران، وذلك لإنهاء الوجود التركي والمعارضة المسلحة وغير المسلحة، كي لا يكون هناك أي عائق أمام تغيير معالم هذا البلد وتفكيك شعبه. ولهذا أخذت أنقرة تزيد من نقاط المراقبة، ومن وجودها العسكري في منطقة إدلب، مع إبداء الاستعداد للدفاع عن المدينة المهدّدة، وعن المناطق المحيطة، ورفض الضغوط الروسية غير المشروعة والتأويلات الملتوية للاتفاقات المسبقة. وخلال ذلك، رفض استهداف المدنيين والمرافق المدنية بحجة محاربة جبهة النصرة.
كان في أساس الأخطاء التركية أن أنقرة تعاملت مع كل من موسكو وطهران في سورية من منظور العلاقات الشاملة التي تربطها بالعاصمتين، وهي علاقاتٌ اقتصادية، وأحيانا تسليحية مع موسكو، وهو ما حال دون أنقرة ورؤية استهداف العاصمتين وجودها الاضطراري في سورية، والسعي المتدرج والحثيث إلى إنهائه. بينما فصلت كل من موسكو وطهران مجمل العلاقات مع
أنقرة عن أجندة البلدين في سورية، وهي أجندة قائمة على تقاسم النفوذ وإحداث تغييرات عميقة في البنية الديمغرافية وفي هوية البلد، وتعاملت العاصمتان مع أنقرة على أن لا وجود لها في سورية إلا بصورة مؤقتة واجبة الإنهاء، مع دفعها إلى الانشغال بالمسألة الكردية فحسب، وحيث لا تمانع العاصمتان مقايضة الوجود الكردي المسلح بوجود المعارضة المسلحة، بل بالوجود التركي كله. ولهذه الغاية، صُممت اتفاقيات أستانة وسوتشي، وانساقت أنقرة إلى هذه المؤتمرات، على الرغم من الخلل الواضح في هيكليتها وأهدافها وطبيعة المشاركة فيها، وكونها صمّمت لأغراض مؤقتة، منها إسدال الستار على مؤتمرات جنيف، والإيهام بالتقدّم على طريق حلول سياسية، مع مسارعة كل من طهران وموسكو للانقضاض على قرارات هذه المؤتمرات، بعد أسابيع أو حتى أيام من صدورها. وهو ما تكرّر مرة تلو مرة تلو أخرى، وكان من أبرز مظاهره التخلي عن حلب، كبرى مدن الشمال، مع نهاية العام 2016، من دون أن تستخلص أنقرة العبرة، وتكفّ عن الانسياق وراء مؤتمرات الخداع الاستراتيجي في أستانة والقمم الثلاثية مع إيران وروسيا.
وليس من سبيلٍ أمام تركيا سوى مراجعة الموقف بصورة شاملة وجريئة، توسيع دائرة تحرّكاتها في العواصم الدولية، لتشمل كل من يعترض على حملات الاقتلاع واسعة النطاق في محافظة إدلب، وتدمير هذه المحافظة على رؤوس أبنائها، وهي التي تضم زهاء ثلاثة ملايين نسمة (قبل موجات النزوح)، وتضم نازحين إليها من مناطق سورية أخرى جرى اقتلاعهم وتحويلهم إلى هذه المحافظة، وتكديسهم فيها، وبالذات خلال الأعوام الثلاثة الماضية، والتأكيد على أن الوجود التركي اضطراري ومؤقت، وأن الخروج التركي سيتم مع إعادة اللاجئين والنازحين من تركيا إلى مختلف المناطق السورية، وضمن برامج لخروج القوات الأجنبية من هذا البلد، والشروع في حل سياسي جاد، يكفل الاستقرار الآمن للسوريين في وطنهم وللحدود مع تركيا.
وفي تصريحات روسية أخيرة (مساء الأربعاء 13 فبراير/ شباط الحالي) إن رقم 750 ألف
وفي هذه الأثناء، ترفض كل من طهران وموسكو إنشاء مناطق آمنة لعودة اللاجئين، وتعرقلان، بكل الوسائل، الجهد التركي في هذا الخصوص. إذ تلقي العاصمتان على أنقرة مهمة استقبال موجاتٍ كبيرة من السوريين ممن لا يريد نظامهم لهم البقاء في وطنهم أو العودة إليه. ويتم التقليل من شأن تركيا التي تتاخم الحدود السورية، وذلك من طرف دولتين، لا حدود لهما مع سورية.
وقد شرعت أنقرة تدرك، بعد بطء شديد وإرجاء مديد، فحوى الاستراتيجية الروسية المتفاهم عليها مع طهران، والتي يجري تطبيقها بالقتال الروسي جنبا إلى جنب مع مليشيات إيران، وذلك لإنهاء الوجود التركي والمعارضة المسلحة وغير المسلحة، كي لا يكون هناك أي عائق أمام تغيير معالم هذا البلد وتفكيك شعبه. ولهذا أخذت أنقرة تزيد من نقاط المراقبة، ومن وجودها العسكري في منطقة إدلب، مع إبداء الاستعداد للدفاع عن المدينة المهدّدة، وعن المناطق المحيطة، ورفض الضغوط الروسية غير المشروعة والتأويلات الملتوية للاتفاقات المسبقة. وخلال ذلك، رفض استهداف المدنيين والمرافق المدنية بحجة محاربة جبهة النصرة.
كان في أساس الأخطاء التركية أن أنقرة تعاملت مع كل من موسكو وطهران في سورية من منظور العلاقات الشاملة التي تربطها بالعاصمتين، وهي علاقاتٌ اقتصادية، وأحيانا تسليحية مع موسكو، وهو ما حال دون أنقرة ورؤية استهداف العاصمتين وجودها الاضطراري في سورية، والسعي المتدرج والحثيث إلى إنهائه. بينما فصلت كل من موسكو وطهران مجمل العلاقات مع
وليس من سبيلٍ أمام تركيا سوى مراجعة الموقف بصورة شاملة وجريئة، توسيع دائرة تحرّكاتها في العواصم الدولية، لتشمل كل من يعترض على حملات الاقتلاع واسعة النطاق في محافظة إدلب، وتدمير هذه المحافظة على رؤوس أبنائها، وهي التي تضم زهاء ثلاثة ملايين نسمة (قبل موجات النزوح)، وتضم نازحين إليها من مناطق سورية أخرى جرى اقتلاعهم وتحويلهم إلى هذه المحافظة، وتكديسهم فيها، وبالذات خلال الأعوام الثلاثة الماضية، والتأكيد على أن الوجود التركي اضطراري ومؤقت، وأن الخروج التركي سيتم مع إعادة اللاجئين والنازحين من تركيا إلى مختلف المناطق السورية، وضمن برامج لخروج القوات الأجنبية من هذا البلد، والشروع في حل سياسي جاد، يكفل الاستقرار الآمن للسوريين في وطنهم وللحدود مع تركيا.