مليشيات الجنوب الليبي: خليط قبلي ومسلحون محليون وأجانب

05 فبراير 2019
قبيلة الطوارق من أبرز معارضي حفتر (بولنت اردغير/الأناضول)
+ الخط -
عرف المشهد المسلح في الجنوب الليبي تحوّلات مستمرة طيلة السنوات الثماني الماضية، لا تغيب عنها المصالح الإقليمية والدولية، مع ما تحتويه تلك المنطقة من موارد طبيعية هامة، إضافة إلى حدودها الممتدة مع أكثر من بلد أفريقي.
بعد سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، حاولت مجموعات قبلية موالية له الحفاظ على سلاحها، ولكنها دخلت في خلافات واسعة بسبب الموقف من ثورة فبراير، سريعاً ما تحوّلت إلى خلافات على أسس تاريخية قديمة بين أغلب قبائل الجنوب، ما دفع بالمؤتمر الوطني العام (البرلمان) إلى تكليف قوة عُرفت باسم القوة الثالثة لضبط الأمن في تلك المناطق. ومع إطلاق "عملية الكرامة" من قِبل اللواء المتقاعد خليفة حفتر منتصف عام 2014، وتوسعها بشكل كبير في البلاد، دخل الجنوب في تجاذبات سياسية وعسكرية، عززها تسرّب مسلحين من دول الجوار الأفريقي إلى الساحة الليبية، ليتسع حضورهم في صفوف طرفي الصراع في البلاد. كما أدت دول الجوار، وتحديداً الجزائر ومصر، وأخيراً تشاد، دوراً مهماً في الجنوب الليبي، بدخولها على خط دعم مجموعات مسلحة، للحفاظ على أمن حدودها. وغير بعيد عن تحوّلات المشهد المسلح في الجنوب، يبرز الصراع الدولي، وتحديداً الايطالي الفرنسي، الذي تقف وراءه أطماع تاريخية في المنطقة.

ويسيطر على الجنوب الليبي، الذي تبلغ مساحته 551 ألف كيلومتر مربع، الطابع القبلي، بوجود ما لا يقل عن 20 قبيلة، بعضها عربية وأخرى موزعة بين الطوارق والتبو. أغلب تلك القبائل تمتلك امتدادات في دول الجوار العربي والأفريقي، لا سيما المحاميد والقذاذفة وورفلة من العرب، والطوارق والتبو من غير العرب. وتختلف أهمية المناطق التي تسيطر عليها هذه القبائل بين مناطق تتوفر فيها مصادر الطاقة وتحديداً النفط والغاز، وأخرى تتوفر فيها مصادر المياه المهمة لمناطق الشمال، بالإضافة إلى شريط حدودي ممتد من القطرون وحتى جبال السوداء والهروج التي تعج بكميات كبيرة من الذهب الخام تقع في الأغلب تحت سيطرة قبائل التبو. أما اليوم، ومع إطلاق حفتر عمليته العسكرية في الجنوب الليبي منتصف شهر يناير/كانون الثاني الماضي، باتت الخريطة المسلحة في المنطقة على الشكل التالي:

قوات موالية لحفتر
تباينت طبيعة القوات الموالية لحفتر طيلة السنوات الأربع الماضية. فبعد سنوات من الحلف القوي مع قبائل التبو التي شاركت في حروب حفتر حتى في بنغازي، تبدّلت العلاقة حالياً بسبب تحالف حفتر مع قبائل عربية في الجنوب معادية للتبو بسبب خلافات تاريخية، وتحديداً أولاد سليمان والقذاذفة، المسيطرة على المناطق الواقعة بين سبها وباتجاه الشرق وصولاً إلى الكفرة الحدودية مع السودان، والتي ارتبط معها حفتر بحلف جديد منذ مايو/أيار من العام الماضي. وبالإضافة إلى تلك القبائل، يشمل حلف حفتر القبلي في الجنوب قبائل الحساونة والمقارحة المسيطرة على مصادر المياه المغذية لمناطق الشمال، كما أن عدداً من القبائل الصغيرة الأخرى الموالية للنظام السابق تعد من حلفاء حفتر حالياً.

ويعتمد حفتر على نفوذ القبائل للسيطرة على المواقع الحيوية، فقبائل المقارحة والحساونة تسيطر على مصادر المياه التي تغذي الشمال. كما أن قبائل المقارحة تؤمن له أيضاً قاعدتي براك الشاطئ وتمنهنت بالقرب من سبها، فيما تتوزع المناطق الحيوية داخل سبها كالمطار والمعسكرات بيد القبائل كل في منطقتها، وأهمها أولاد سليمان التي تسيطر على اللواء السادس، فيما أمّنت له قبائل الزوية والمحاميد في الجنوب السيطرة على قاعدة لويغ القريبة من الحدود التشادية، بالإضافة لتأمينها مواقع النفط في تازربو والسرير والشرارة.



قوات معارضة لحفتر

تتوزع بين التبو والطوارق، ولكن لا يجمعها حلف واحد ضد حفتر. فالتبو على خلاف مع حفتر منذ مايو/أيار الماضي عندما دعم خصومها القبليين في سبها، وتحديداً أولاد سليمان، للسيطرة على مواقع عسكرية، ومنها قلعة سبها. وتصاعد موقفها المعارض لحفتر أخيراً إثر إطلاق حفتر عمليته العسكرية الأخيرة، منتصف شهر يناير/كانون الثاني الماضي، فأعلن عدد من ضباط وقادة قبيلة التبو عداءهم لحفتر، كان آخرهم الشيخ علي محمد بركة والي التباوي، الذي كان يشغل منصب مستشار حفتر في الجنوب. حتى أن المجلس التباوي الأعلى، أصدر بياناً قبل أيام، أعلن فيه معارضته الكاملة لوجود حفتر في الجنوب، مستنكراً بشدة "خطاب العنصرية" في بيانات قادة حفتر وتصريحاتهم ضد التبو.

ولقبيلة التبو أذرع مسلحة قوية محلياً، كما أن لها ارتباطاً واضحاً بقوات المعارضة التشادية التي تنتمي بعض فصائلها للتبو التشاديين، وينشط مسلحوها في عمليات التهريب سواء للأسلحة أو البشر عبر الحدود الجنوبية. وأبرز أماكن سيطرتها هي القطرون وأم الأرانب ومرزق وتراغن وصولاً إلى مناطق تيبستي الحدودية مع تشاد، وأهم مواردها مناجم الذهب التي تحفل بها مناطق سيطرتها. لكن الأهم من ذلك وقوع حوض مرزق الغني بالغاز في مناطق سيطرتها، وهو يُعدّ أحد أسباب الخلاف الإيطالي الفرنسي، إذ تتقاسم الدولتان عقوداً لإنتاج الغاز في الحوض.

أما قبائل الطوارق، فهي الأكثر تنظيماً، إذ تمتلك لواء مسلحاً يقوده اللواء علي كنه ويعرف بلواء المغاوير، وكان أحد أهم أذرع معمر القذافي العسكرية في الجنوب. وبسبب خلافات الطوارق التاريخية مع التبو، وقف الطوارق موقف المعارض لحراك حفتر العسكري الذي كان في السابق يضم فصائل مسلحة من التبو، بينما تنتشر أنباء عن علاقة اللواء كنه بالجزائر، التي لا ترغب في اقتراب حفتر من حدودها الشرقية. وتُعتبر غات، أقصى الجنوب الغربي، قاعدة نفوذها، بالإضافة إلى عدد من المناطق باتجاه الشمال، وصولاً إلى أوباري التي تُعتبر نقطة التماس مع قبائل التبو. وتوالت أنباء عن سعي إيطالي لفتح اتصالات مع القبيلة، خصوصاً مع نشر صحف إيطالية قبل بضعة أشهر تفاصيل اتفاق إيطالي مع حكومة الوفاق لإنشاء قاعدة عسكرية إيطالية بالقرب من غات.

مسلحو المعارضة الأفريقية
يبرز من هؤلاء خصوصاً مسلحو المعارضة التشادية ومسلحو حركة "العدل والمساواة". الثانية الحليف الأقوى لحفتر، وهو يعوّل عليها كثيراً في حروبه منذ عام 2015. استفاد حفتر بشكل كبير من حالة التشظي والانقسامات التي شهدتها حركة "العدل والمساواة"، فالفصائل التي تقاتل في صفوفه حالياً، وأبرزها جناح مني أركو مناوي، هي من أبرز بقايا فصائل الحركة.
ويؤمّن مسلحو "العدل والمساواة" حماية عدد من مواقع الجنوب وصولاً إلى حوض زلة جنوب منطقة الهلال النفطي، كما أن بعض فصائلها تتمركز في قاعدة الجفرة، وسط الجنوب، بالإضافة إلى معلومات عن مشاركتها في الصفوف الأمامية لمعارك حفتر الحالية في الجنوب ضد حركات المعارضة التشادية.

أما المعارضة التشادية، فهي خليط من قوات معارضة لنظام إدريس ديبي، من أهمها مقاتلي "الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة" في تشاد و"المجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية". وبسبب علاقات قبلية تربط بعضها بقبائل التبو، وجدت في مناطق الجنوب مأوى لها ومنطلقاً لممارسة نشاطها ضد النظام التشادي، مستفيدة من المردود المالي الذي توفّره نشاطات التهريب عبر الحدود والتنقيب في مناجم الذهب. وتتواجد قوات هذه المعارضة حالياً في مناطق سيطرة قبائل التبو، وتحديداً في تراغن والقطرون، قرب الحدود التشادية.
شارك بعض فصائل هذه المعارضة في معارك حفتر خلال العام 2016 في الجنوب الليبي، لكن انحيازها لقائد حرس المنشآت النفطية السابق، إبراهيم الجضران، في هجومه الأخير على منطقة الهلال النفطي في يونيو/حزيران الماضي، جعل منها هدفاً لحفتر، انتهى بتحالفات خلال الآونة الأخيرة مع ديبي الذي التقت مصالحه مع مصالح حفتر في القضاء عليها.