محلة المصيطبة، وهي من أحياء العاصمة اللبنانية بيروت، كانت تصنف يوماً على أنّ سكانها هم من الطبقة الوسطى العليا، ومن مختلف الانتماءات السياسية والمذاهب الدينية. في هذه المنطقة كان هناك مقهى واحد يدعى "مقهى يزبك"، وهي بذلك تتشابه مع بقية الأحياء لجهة وجود مقهى واحد معروف فيها، له زبائنه الدائمون، ممثلون لبعض الفئات والجماعات من كبار السن تحديداً، ما بين الخمسين والستين وربما أكثر. هؤلاء كانوا يمضون أوقاتهم في تبادل الأحاديث وتناول الشاي والقهوة، وهم يلعبون الورق وطاولة الزهر، وبعضهم يدخن النارجيلة، والبعض الآخر لا يفعل.
في محيط "قهوة يزبك" هذا في المصيطبة، باتت هناك الآن ستة مقاهٍ تتنافس على تقديم القهوة والشاي والنراجيل، وتطبع إعلانات تجارية توزعها على الشقق والمنازل تعلن عن استعدادها لتلبية طلباتهم نهاراً وليلاً بواسطة شبكة من سائقي الدراجات النارية الذين يقودون وفي أيديهم العدة اللازمة لإيصالها إلى البيوت "ديليفري" مهما بعدت المسافة عن المقهى. غالبية مرتادي هذه المقاهي هم من صغار السن شباناً وشابات في أعمار تراوح بين 18 و25 عاماً يجلسون ساعات يومياً يدخنون النارجيلة بنكهاتها المتعددة.
القصد من المقارنة بين معدلي أعمار مرتادي المقاهي السابقين والحاليين، الإشارة إلى مشكلة أوقات الفراغ بين جيلين، أولهما أنهى خدمته أو هو في طور إنهائها، لكنّه يملك وقتاً لا يريد أن يمضيه في بيته، لذلك يلتحق بزملائه ومعارفه في المقهى، والآخر لم يدخل إلى سوق العمل فهو ما زال في مرحلة الدراسة أو اكتساب مهارات فنية ما مطلوبة للسوق، لكنّه نظراً لتردي أوضاع الطلب، لم يجد مجالاً متاحاً أمامه سوى الجلوس في المقهى لساعات لـ"قتل الوقت" لا أكثر، كما يردد أبناء هذا الجيل.
اقــرأ أيضاً
لا تختلف محلة المصيطبة عن بقية أحياء بيروت، والأخيرة لا تختلف عن القاهرة وتونس والجزائر وغيرها من العواصم العربية. لكنّ المقاهي التي تحدثنا عنها يغلب عليها الطابع الشعبي إلى هذا الحد أو ذاك، فالمقهى هذا تستطيع أن تحصل فيه على نارجيلة مع فنجان قهوة وزجاجة مياه بمبلغ لا يتجاوز ستة آلاف ليرة لبنانية (4 دولارات أميركية)، وهو سعر لا يقارن بما يمكن أن تدفعه في مقاهي الروشة والحمراء (في بيروت) أو الأحياء الراقية المماثلة في المدن العربية.
إذاً، هناك أكثر من طبقة تدفع كلفة "قتل الوقت"، وبينما الكلفة في المناطق الشعبية أقل مما هي عليه في المصيطبة، أما في المناطق السياحية فهي أكثر بثلاثة أو أربعة أضعاف ما هي عليه، وكلّ طبقة تختار الوسيلة الملائمة لمواردها الاقتصادية.
(باحث وأكاديمي)
في محيط "قهوة يزبك" هذا في المصيطبة، باتت هناك الآن ستة مقاهٍ تتنافس على تقديم القهوة والشاي والنراجيل، وتطبع إعلانات تجارية توزعها على الشقق والمنازل تعلن عن استعدادها لتلبية طلباتهم نهاراً وليلاً بواسطة شبكة من سائقي الدراجات النارية الذين يقودون وفي أيديهم العدة اللازمة لإيصالها إلى البيوت "ديليفري" مهما بعدت المسافة عن المقهى. غالبية مرتادي هذه المقاهي هم من صغار السن شباناً وشابات في أعمار تراوح بين 18 و25 عاماً يجلسون ساعات يومياً يدخنون النارجيلة بنكهاتها المتعددة.
القصد من المقارنة بين معدلي أعمار مرتادي المقاهي السابقين والحاليين، الإشارة إلى مشكلة أوقات الفراغ بين جيلين، أولهما أنهى خدمته أو هو في طور إنهائها، لكنّه يملك وقتاً لا يريد أن يمضيه في بيته، لذلك يلتحق بزملائه ومعارفه في المقهى، والآخر لم يدخل إلى سوق العمل فهو ما زال في مرحلة الدراسة أو اكتساب مهارات فنية ما مطلوبة للسوق، لكنّه نظراً لتردي أوضاع الطلب، لم يجد مجالاً متاحاً أمامه سوى الجلوس في المقهى لساعات لـ"قتل الوقت" لا أكثر، كما يردد أبناء هذا الجيل.
لا تختلف محلة المصيطبة عن بقية أحياء بيروت، والأخيرة لا تختلف عن القاهرة وتونس والجزائر وغيرها من العواصم العربية. لكنّ المقاهي التي تحدثنا عنها يغلب عليها الطابع الشعبي إلى هذا الحد أو ذاك، فالمقهى هذا تستطيع أن تحصل فيه على نارجيلة مع فنجان قهوة وزجاجة مياه بمبلغ لا يتجاوز ستة آلاف ليرة لبنانية (4 دولارات أميركية)، وهو سعر لا يقارن بما يمكن أن تدفعه في مقاهي الروشة والحمراء (في بيروت) أو الأحياء الراقية المماثلة في المدن العربية.
إذاً، هناك أكثر من طبقة تدفع كلفة "قتل الوقت"، وبينما الكلفة في المناطق الشعبية أقل مما هي عليه في المصيطبة، أما في المناطق السياحية فهي أكثر بثلاثة أو أربعة أضعاف ما هي عليه، وكلّ طبقة تختار الوسيلة الملائمة لمواردها الاقتصادية.
(باحث وأكاديمي)