مقاطعون

04 مايو 2014

حسني مبارك مرشّحاً في انتخابات 2005 (أرشيفية)

+ الخط -
دشَّنتُ هذا الأسبوع، وعدد من النشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي، حملة "مقاطعون"، والحملة، ليست مبادرةً، لكنها وعاء يجمع اتجاهاً واسعاً لدى الرأي العام، من منطلقات مختلفة، يرى وجوب مقاطعة الانتخابات الرئاسية المصرية القادمة، نأياً بالنفس من التورط في عمليه زائفة لإسباغ شرعية شكلية على عمليةٍ ذات طبيعة شديدة الصورية.
أحسب أني، شخصياً وحزبياً، عندما أخذنا قرار مقاطعة الانتخابات الرئاسية في 2014، كانت إشكاليات واستفهامات مشروعة، ينبغي تقديم إجابات واضحة بشأنها لأصحابها، أولها وأهمها في تقديري:- لماذا شاركنا في انتخابات 2005؟ وكان بعضهم يراها محسومة النتيجه إلى حد كبير، بالتزوير المسبق، أو المتزامن، أو اللاحق للعملية الانتخابية، ونتبنى الآن مقاطعة انتخابات رئاسية أخرى تحمل سمات الانتخابات الرئاسية الأولى ذاتها التي شاركنا فيها؟ هذا السؤال، أو الاتهام، مشروع، ومقبول، ويحمّلني أن أقدّم خمسة حقائق مهمة للإجابة عليه.
أولاً:- ترشحنا في مواجهة حسني مبارك عام 2005، لنكشف ونعري أكذوبة أنه لا بديل عن مبارك غير مبارك (الأب أو الابن)، ولنؤكد أن في مصر بدائل، على الرغم من كل ما أحاط هذه الخطوة من مخاطر وأثمان تحملناها بشجاعة، وكنّا ندركها ونتوقعها جيداً من نظام لا يريد أن يكون له أمام الرأي العام الداخلي ولا الخارجي بديل حقيقي، فترشحنا عندما شعرنا أن النظام لا يتمنى أن نترشح.

ثانياً:- فعلنا العكس تماماً، بقرار المقاطعة الأخير لانتخابات 2014، عندما شعرنا أن النظام يريد أن يروج، عبر مشاركتنا وغيرنا، أن مُرشّحه واحد من بين عدة خيارات، وليس مرشحاً منفرداً بكل فرص النجاح، عبر كل آليات وإعلام وأدوات الدولة، مستغلاً في هذا مناخاً استقطابياً خطيراً، وتعميقاً شديداً لهوّة الخلاف الذي يستند إليه في خلق علة وشرعية وجود.. وبالتالي، رفضنا الترشح في 2014، عندما وجدنا النظام يريد منّا أن نترشح ليستكمل بنا شرعية وجوده، وهذا عكس ما كان يريده النظام في 2005.
ثالثاً:- قاطعنا الانتخابات الحالية، لأن المرشح الذي يقدمه النظام، هذه المرة، ومعه النظام، كان حريصاً أن يظهر أمامهُ منافساً، وتحديداً، لا ينتمي لمعسكر 3/7، حتى يجد مبرراً لتراجعه عن وعوده بعدم الترشح، من منطلق وجود خطر مستجدّ هو أن يكون هذا المرشح (من خارج معسكر 3/7) باباً خلفياً لعودة "الإخوان المسلمين"، أو مصبّاً لأصواتهم، ما يجعل من ترشح عبد الفتاح السيسي، كمرشح قوي، واجباً وطنياً لإنقاذ مصر، حتى لو اقتضى الأمر أن يغاير الرجل في وعوده وتعهداته.
رابعاً:- لا أذيعُ سراً أنني عندما ترشّحتُ في انتخابات 2005، كان أحد دوافعي الرئيسية مقاومة مشروع التوريث، والذي كانت الأسرة الحاكمة (الرئيس والرئيسة) يعدان من خلاله "رئيساً تحت التشطيب" هو جمال، وكان قرار الأسرة، والمجموعة المحيطة بها، أن يعلن الرئيس في اللحظة الأخيرة، أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية الأولى، مكتفياً بـ24 عاماً في الحكم، فتخرج الأصوات والتظاهرات لدعوة جمال مبارك لسد كرسي الفراغ، وللتصدي للمسؤولية الوطنية، استجابة للإرادة الشعبية. ومن هنا، كان النظام في 2005 يريد الساحة خالية من أي منافس جدّي، فكانت مبادرتنا بالترشح إغلاقاً لهذا الباب وإفساداً لهذا المخطط، خصوصاً بعد تقارير رُفعت، أكدت أن ترشح جمال لن يحظى بدعم حقيقيٍّ من مؤسسات الدولة والجيش، وقد ينصبّ هذا في صالح المنافس القوي لجمال، ما يستدعي تأجيل هذه الخطوة، والاستعاضة عنها بترشح الرئيس، انتظاراً للوقت المناسب. وربما كان سجني، بعد أيام من الانتخابات الرئاسية، واستمرار حملة التشويه لشخصي، في أثناء السجن وبعده، جانباً من تهيئة المناخ لتلك اللحظة، والتي أجلناها بالمشاركة في 2005، بينما كانت المشاركة في 2014 ستهيئ الأجواء لهذه اللحظة التي يستعيد فيها الجيش السلطة بصورة مباشرة، بعد تهديدات حقيقية بخروجه من المشهد الرئاسي، بفعل احتمالات تولّي "المدني" جمال مبارك، ثم خروجه مرة أخرى، بعد الثورة المصرية في يناير 2011، وإجراء أول انتخابات رئاسية، أتت بأول رئيس مدني.
خامساً:- قاطعنا، وندعو لمقاطعة انتخابات 2014، على الرغم من مشاركتنا في انتخابات 2005، بل وانتخابات 2012، على الرغم من استبعاد أوراق ترشحي، وآخرين، قبل بدء العملية الانتخابية في 2012، والفارق البيّن هنا بين 2012 و2014 أن الأولى كانت نصف انتخابات ديموقراطية، بعدما ذهب نصفها الآخر بآلية غير الصندوق، باستبعاد نصف المرشحين بقرار إداري محصّن، وخصوصاً أن النصف الذي استُبعد ضمّ أسماء كانت من الأبرز والأوفر حظاً ممّن بقوا في السباق (أمثال: خيرت الشاطر، وعمر سليمان، وحازم أبو إسماعيل، وكاتب هذه السطور).
وعلى الرغم من هذا، شاركنا تصويتاً وتأييداً لمَن تبقى من مرشحين في 2012، في ظل بقاء تمثيل ما للتيارات والاتجاهات السياسية كافة، في النصف المتبقي من الانتخابات عبر الصندوق ـ فكان اليسار ممثلاً، والتيار الإسلامي، والنظام السابق، وكان مرشحون أقرب للثورة مثل خالد علي، وغيرهم. أما واقع الحال في انتخابات 2014، فنحن أمام استكمال إجراءات رئيس "فعلي" أطلّ علينا منذ 3/7، ويريد أن نساعده لكي يصبح رئيساً "واقعياً" وقانونياً وحسب.
فإذا كانت انتخابات 2012 نصف انتخابات ديموقراطية، فانتخابات 2014 ليست انتخابات أصلاً، بقدر ما هي إقرار بواقع فعلي فرضته القوة يوم 3/7 من خارج الصندوق الذي كانت العودة إليه أهم مطالب 30/6. وكل المطلوب، الآن، دعم ما حدث بصندوق "متأخر جداً"، لا يستهدف غير استيفاء الشكل.
وأخيراً، أؤمن، أكثر من أي وقت مضى، بأن الاحتكار هو أبلغ صور الطغيان، مهما تسمّى بمسمياتٍ زائفة لا تخفي حقيقته، وتفضحه آلياته، وأبرزها توظيف الدولة كلها لشخص المحتكر، لاستمرار احتكاره، وتقنينه، وإسباغ شرعية عليه.
نعم، لا ندعو إلى كرسي "فراغ"، ولا أرفض، أبداً، الاحتكام إلى الصندوق تعبيراً عن إرادة الناس، لكني أرفض أن نساق، كالنعاج، إلى المسلخ الكبير، لنذبح كل القيم التي ناضلنا من أجلها بكل حماسة ومحبة. فإذا كان نضالنا، قبل الثورة، ضد احتكار الحزب الواحد، والصوت الواحد، فكيف لنا أن نقبل، اليوم، العودة إلى ما هو أسوأ "زمن الرجل الواحد".
المشكلة الحقيقية أن أهل الحكم والقرار وإعلامهم، تسلَّط عليهم غرور قاتل، فباتوا يتصورون أنهم هم الوطنيون، وما عداهم خونة ومارقون، وأنهم وحدهم المصلحون والمنقذون، ولا مصلحين إلا هم، ولا مفسدين وإرهابيين إلا مَن يخالفهم الرأي، وأنهم مبعوثون من العناية الإلهية لهذه المهام التي لا يصلح لها غيرهم!
بالله عليكم، إذا كانوا كذلك، فلماذا تزعجهم إذن كلمة "مقاطعون"؟
كل الديموقراطيات في العالم، وفي البرلمانات، وفي المؤسسات الدولية، تعتمد ثلاث مسارات للتصويت: (نعم) أو (لا) أو (بالامتناع عن التصويت)، وتحفظ حق كل فئة من الثلاث في اتخاذ ما يناسبها، أو ترى أنه أكثر اتّساقاً مع مبادئها. أدعو، هنا، المؤسسات الدولية، التي أعلنت مشاركتها في الرقابة على هذه الانتخابات، أن تراقب حق "المقاطعين" في التعبير عن موقفهم السياسي.
نحن أمام استفتاء برأسين، وليست انتخابات حرة، ولدينا تجربة مرة مع كل الاستفتاءات في مصر، فكانت حتى "القردة" في حديقة الحيوان، تعلم أنها مزوّرهّ، لكن الخبرة الأسوأ كانت في استفتاء 2014 الأخير، فما زال عدد من الداعين للتصويت بـ"لا" في السجون، وأبرزهم ابني الحبيب، المهندس أحمد بدوي، أحد الذين أسسوا حزب الغد.
ما زال فأسهم في الرأس، وما زالوا يقولون لنا، بكل شجاعة، إنها الانتخابات. أسرعوا.. صوّتوا.. قبل أن تُغلق الصناديق.. مارسوا حقوقكم.. هاتوا نساءكم.. ومرضاكم وموتاكم.. الصناديق بانتظاركم.
لا.. إننا "مقاطعون"، ولن نشارك وإياهم في الجريمة، ثباتاً على المبدأ.. ونضالاً من أجل حرية لن تأتي إلا بانتصار قيم ثورتنا، ثورة 25 يناير.. "مقاطعون".


 

EFFC6895-FEE8-41EC-8CBC-8D63557C25A8
أيمن نور

سياسي مصري، نائب سابق، اسس حزب الغد، ويتزعم حاليا حزب غد الثورة