مصالحة وطنية أم تسوية سياسية؟ دعوة السيسي وثلاثة أسئلة

19 يونيو 2014

السيسي يؤدي اليمين الدستورية أمام قضاة المحكمة الدستورية (Getty)

+ الخط -
في الثامن من يونيو/حزيران 2014، تحدث المشير عبد الفتاح السيسي، في خطاب تنصيبه، عما أسماها المصالحة (السياسية) مع من لم تتلوث أيديهم بالدماء. وفي لقائه، في 14 يونيو/حزيران 2014، مع وفد مجلس العموم البريطاني، برئاسة روبرت وولتر، (مجموعة أصدقاء مصر في مجلس اللوردات والعموم) قال: "مساحة المصالحة (السياسية) قائمة، وعلى الطرف الآخر أن يحدد خياراته، وأن يحدد ما يمكن أن يقدمه لمصر، ويكف عن ادعاء أنه يمتلك الحقيقة المطلقة".
بدايةً، لا أحب أن أهون من قيمة هذه التصريحات وأهولها، وربما "بالونات الاختبار" التي قد نرى منها الكثير في المرحلة المقبلة. وربما لا يكون لدي موقف محدد "حزبي"، أو "شخصي"، على ما تثيره تصريحات السيسي هذه من استفهامات مشروعة. لكن، لدي أسئلة عديدة "مهمة"، تثيرها، في محاولة جادة ومخلصة للفهم، أوجزها في ثلاثة محاور أو استفهامات أساسية هي:
أولاً: هل كلام المشير السيسي، ينصرف (كما بدا في النص السابق) إلى ما يمكن تسميتها (تسوية سياسية)؟ وهل تحتاج مصر تسوية سياسية، أم (مصالحة مجتمعية)، خطوة أولى لما يسمى (المصالحة الوطنية الشاملة)؟

ثانياً: ما هي الأطراف المخاطبة والمعنية بالمصالحة، هل تشمل الجيش والقضاء والمؤسسات الدينية، والإعلام. أم هناك من يدّعي أن هذه الأطراف "فوق الصراعات" وليست طرفاً في الأزمة؟ وهل شخص السيسي هو المناسب لطرح مبادرة جدية لحل أزمة، هو أحد أبرز إشكالاتها، بل وتعقيداتها، أم أنه، كـ"طرف"، لا يمكنه تحديد قواعد الحل مسبقاً؟ وما البدائل الملائمة للعب هذا الدور.
ثالثاً: هل توفر الأجواء الحالية البيئة الصالحة في مصر لمصالحة شاملة، أو حتى للمضي في مصالحة جزئية، وما هي الاستحقاقات السابقة، والمعاصرة، لأي مصالحة، وفقاً للخبرات الدولية، والإقليمية في هذا المجال.
السؤال الأول:
للإجابة عن السؤال الأول، أو بالأصح، تفصيله، لا بد أن نعترف بأن الأزمة في مصر الآن أكبر وأعقد من الحديث عن "تسوية سياسية"، فللأزمة ثلاثة أوجه وأبعاد هي:
1) أزمة بين قطاعات عريضة في المجتمع المصري تؤيد السيسي، وتعقد عليه آمالاً في استعادة الدولة، مستندة إلى كونه عسكرياً، وبعضاً من الدولة، التي غابت، في تقدير هذا القطاع منذ قيام الثورة، بينما الطرف الآخر في الأزمة، قطاعات مجتمعية أخرى، لا تؤيد السيسي، للأسباب نفسها التي تحمل القطاعات السابقة على تأييده، أهمها: رفضها عودة حكم بمرجعية عسكرية، والخشية من عودة ممارسات الدولة القديمة ما قبل الثورة، من استبداد وقهر واعتداء على حقوق العامة، والحريات.
2) الوجه الثاني للأزمة، هي القائمة بين "معظم" القوى والنخب المدنية، من جانب، و"معظم" القوى الإسلامية، من جانب آخر، وهو صراع ثقافي /سياسي/ نفسي، بين مشروعين، بينهما نقاط تضاد، ونقاط تواصل، إلا أنه تواصل تحول إلى حالة من التقاطع، بفعل أمور وعوامل، ضاعفت من فرص الصدام، وقللت فرص التواصل، وأبرزها:
أ) عدم قدرة جماعة الإخوان المسلمين، بعد الثورة، على استيعاب هذه القوى المدنية، ومعها القوى الثورية، في إطار الشراكة الوطنية الواسعة، في بناء مصر بعد الثورة، والأهم هو أخطاء قوى إسلامية ضاعفت، عمداً أو جهلاً، مخاوف طائفية (خصوصاً الأقباط)، وأخرى فئوية (خصوصاً النساء)، وأخرى طبقية (خصوصاً رجال المال والأعمال) في تصريحات، ومواقف غير مسؤولة، وربما فردية، لكنها كانت محلاً لتلقف إعلام، كان "يتوحم" على مثل هذه الأخطاء، ويبالغ فيها، في وقت كان ينبغي على الطرف الذي حصد 70% من مقاعد البرلمان، ومقعد الرئيس، أن يبذل جهداً أوسع، في تطمين هذه الفئات والقطاعات، وليس تغذية مخاوفها، وإن كان بعضها وهمياً، أو مبالغاً فيه، عمداً وقصداً.
ب) وجود تراث قديم من الصدام بين قوى تقف تحت لافتة القوى المدنية وقوى الإسلام السياسي، خصوصاً "الإخوان" والمنتمين للمعسكر الناصري، وعدم وجود حساسية لدى هؤلاء من فكرة الحكم العسكري، والذي هو من مرجعيتهم السياسية.
ج) وجود أزمة ثقة دائمة، وعدم القدرة، والرغبة، في الاندماج في الحياة العامة، بين تيار الإسلام السياسي، والقوى المدنية (قبل الثورة) من خلال تجربة النقابات والاتحادات الطلابية، وغيرها، والتي كانت تعاني فيها دائماً القوى المدنية، من "مغالبة" القوى الإسلامية، وهو ما كانت الدولة العميقة وأجهزتها، وما زالت، توظفه في إقامة تحالفات، مؤقتة، مع القوى المدنية، لمواجهة ما تسميه الخطر الأكبر، وهو دور قبلته، للأسف، قوى مدنية، ورفضته قوى مدنية أخرى، مدركة أن التناقض بين قوى ديمقراطية وقوى الاستبداد أكبر من التناقض مع قوى ديمقراطية، وأُخرى شبه ديمقراطية، وفقاً لتقديرات القوى المدنية المخلصة لمبادئها، حتى لو تناقضت مع مصالحها، أحياناً.

3) الوجه الثالث من الأزمة هو الصراع بين سلطتين، العسكرية الحاكمة، ورمزها هو المشير عبد الفتاح السيسي، وأخرى كانت حاكمة، ترى أن الجيش خطط ودبر مساراً انقلابياً، لإزاحتها بغير الطريق الطبيعي والدستوري، وتتمثل هذه السلطة في جماعة الإخوان المسلمين والدكتور محمد مرسي. وهذا الوجه من الصراع هو الأعقد والأصعب، للأسباب الآتية:
‌أ) لأنه صراع وجود، أو عدم وجود في تقدير كلا الطرفين.
‌ب) لارتباطه بأشخاص ورموز محددة، يصعب تجاوزها من الفريقين (مرسي والسيسي) ويصعب قبول كل منهما الآخر.
‌ج) لارتباطه بأحداث سالت فيها دماء كثيرة، لا يمكن تجاهل تعقيداتها وظلالها الكثيفة على فكرة المصالحة الوطنية والمجتمعية الشاملة.
‌د) لارتباط هذا الوجه من أوجه الأزمة بصراع إقليمي، تورطت فيه أجهزة استخبارات أكثر من دولة عربية وإقليمية، لا يعنيها غير انتصار مخططها وإرادتها، بغض النظر عن استقرار الأوضاع في مصر، وتقدم مسيرتها الديمقراطية، والحريات فيها.
هذه أوجه الصراع الثلاثة البادية لكل من يريد أن يرى، ويحدد حجم الأزمة وأبعادها، كي يجتهد في حل تعقيداتها، بمبادرة لمصالحةٍ مجتمعية /سياسية/ وطنية حقيقية، وليس فقط طرح لتسويه سياسية.
من هنا، نتصور أن الإجابة الأقرب إلى الواقع والصحة عن السؤال الأول، أن المشير السيسي يتحدث عن "تسوية سياسية"، بمنطق "المنتصر"، يطلب فيها من "المهزوم" أن يقبل بكل ما سبق أن رفضه، وأن يحصل في مقابل هذا على سماحٍ جزئي، بالبقاء والمشاركة السياسية، وربما بعدد محدود من المقاعد البرلمانية، غالباً، لن يتجاوز ما كان يسمح به نظام حسني مبارك، في سيرته الأولى، أي من 14 إلى 80 مقعداً، لاستكمال شكل الديمقراطية المدارة، والمقيدة، والتي عرفناها قبل ثورة 25 يناير.
وتبقى التسوية السياسية أمراً أقل بكثير مما تحتاجه مصر، للخروج من أزمتها الحالية، وأمراً غير وارد أن يتحقق، لأنه لن يحظى بقبول أحد، وإذا قبل به الطرف الآخر، ستخرج أطراف أخرى، انشطارية، تدين هذا القبول، وتفتح أبواباً واسعة، لعنف ودم جديد، في ظل بقاء أسباب الأزمة الحقيقية، في مقدمتها الإعلام، والمناخ العام، وشهوات بعض القوى في توزيع حصاد النصر "الموهوم"، وعدم وجود علاقاتٍ بينيةٍ قائمةٍ على التسامح والعدل والتعايش بين أطراف متساوية الحقوق، أهمها العلاقات المدنية العسكرية.
السؤال الثاني:
من هي الأطراف المخاطبة والمعنية بالمصالحة، وهل تشمل الجيش والقضاء والمؤسسات الدينية والإعلام؟ أم هناك من لا يزال يقول: ليست هذه الجهات طرفاً في الصراع، لتكون طرفاً في المصالحة؟ وهل السيسي الشخص المناسب لطرح مبادرة جادة لمصالحة شاملة؟
تحملنا الإجابة عن هذا السؤال إلى العودة بالذاكرة إلى مؤتمر "المصالحة الوطنية" الذي وجه الدعوة إليه الرئيس المؤقت، عدلي منصور، لدى تسلمه السلطة، وفشل قبل أن يبدأ، بفعل استبعاد أطراف رئيسية ينبغي أن تكون طرفاً في أي مصالحة وطنية حقيقية، في مقدمتها الجيش والقضاء والمؤسسات الدينية والإعلام. وفي 21 يوليو/حزيران 2013، صرح أحمد المسلماني، المستشار الإعلامي لمنصور، لجريدة "الشروق" "المصالحة لا تشمل الجيش والقضاء، باعتبارهما مؤسستين وطنيتين، فوق الصراعات، وليستا في خصومة مع أي طرف".

ولم يعد هذا المنطق، في هذا التوقيت، مقبولاً، في ظل أنّ هذه المؤسسات والجهات، تحديداً، كانت في قلب الصراع، وطرفاً رئيسياً فيه، خلال العام الماضي، على الأقل. وبالتالي، لا حديث عن مصالحة حقيقية، مع استبعاد هذه الأطراف، ودورها في الصراع القائم، وفي حلحلة الأزمة، ونضيف هنا، أهمية قيام حوار واسع، حول العلاقات المدنية/ العسكرية، الشائكة، منذ 1952، وكذلك توقف الإعلام عن بث العداء والكراهية وتسميم الأجواء داخل المجتمع، والوطن الواحد.
هل المشير عبد الفتاح السيسي الشخص المناسب، لطرح هذه المبادرة للمصالحة، أو غيرها؟ السيسي طرف بامتياز، في الصراع، ما يجعل منه الشخص غير المناسب، للقيام بمهمة الدعوة إلى المصالحة، ووضع القواعد المنظّمة لها، وحقوق المدعوين، من الأطراف الأخرى. فإذا اشترط هو على الأطراف الأخرى الكف عن الادعاء باحتكار الحقيقة المطلقة، ولوّح بعدم قبوله بالمصالحة مع من تورط في دم، فأيضاً، يحق للأطراف الأخرى أن تراه يعطي لنفسه الحق في الادعاء بالحقيقة المطلقة، ولها أن تتحفظ على مشاركته، بوصفه متورطاً في بحور من الدماء! وفقاً لوجهة نظر الطرف الآخر.
ويبقى السؤال، ما الحل إذن؟ وهل يمكن الفصل بين شخص الرجل والمؤسسة التي كان ينتمي إليها، أو المؤسسة التي يتربع الآن على قمتها؟
الإجابة نعم. يمكن تجاوز هذه العقبة، من خلال دعوة إلى إطار مؤسسي مستقل، لم يكن طرفاً في الصراعات، بل فوقها، فيكون قادراً على أن يتواصل بثقة مع الأطراف. وهنا، يجب أن تدرك الأطراف الأخرى ضرورة الفصل بين شخص السيسي ومؤسسة الرئاسة التي يعتلي قمتها، وقبول أن يكون هناك دور لهذه المؤسسة، فقط في إصدار الإطار القانوني والمؤسسي لمفوضيةٍ عُليا، أو لجنة حكماء، تناط بها مهمة المصالحة، ويكون تشكيلها من أطراف مستقلة، أو، على الأقل، متوازنة، وبالتوافق المسبق على التشكيل.
ويجب أن يفصل السيسي بين أحزاب وجماعات وقوى سياسية قائمة، لها قواعدها وأنصارها، وأشخاص بعينهم، يكون من الطبيعي عدم مشاركتهم، إذا ثبت في قضاء عادل ومنصف، تورطهم مباشرة في دماء، فالجريمة، عموماً، شخصية، ولا ينبغي أن تحسب على الشخصيات الاعتبارية، ولا يجوز التعميم الذي يخل بقواعد المسؤولية الجنائية.
وربما يعيد هذا التصور الذي ينقل عبء "إدارة المصالحة" إلى جهة جديدة، أو هيئة غير حكومية، أو مفوضية، أفكاراً مقبولة وردت في مبادرةٍ، أطلقها أستاذ العلوم السياسية، الدكتور حسن نافعة، في 17 أكتوبر/ تشرين أول 2013، تحت مُسمى "خارطة إنقاذ الوطن"، ولم تلق قبولاً، أو ترحيباً، من معظم الأطراف، إلا أنها تضمنت آلية "تمهيدية" من خلال لجنة حكماء توافقية، واختيار مشترك لوسطاء محايدين، يحظون بقبول أطراف النزاع، وهو ما يمكن البناء عليه.
وربما يكون الشيطان في التفاصيل التي تحتاج مزيداً من الجهد، والتواصل مع الأطراف كافة، ولتكن البداية الصحيحة اختيار شخصيات معتدلة وموضوعية، يمكن التعويل عليها في الدخول، توافقياً، في تفاصيل الدعوة والمدعوين، وشكل الكيان الذي تناط به عملية "إدارة المصالحة"، وتحديد الوسطاء والجداول الزمنية وخلافه. وأتصور، على سبيل الاجتهاد، أن هناك أسماء يمكن أن تلعب هذا الدور بطريقة إيجابية ومخلصة، منهم، على سبيل الإشارة، من أساتذة الاقتصاد والعلوم السياسية، حسن نافعة، سيف عبد الفتاح، عمرو حمزاوي، منار الشوربجي، إبراهيم العيسوي، زياد بهاء الدين، جلال أمين. ومن رجال القانون والقضاء، المستشارون طارق البشري ومنصف سليمان ومحمود مكي وإميل حبشي وحاتم بجاتو، والدكتور محمد سليم العوا، ومن الإعلاميين الكاتب فهمي هويدي، الناشر إبراهيم المعلم، المذيع يسري فوده. ومن الأزهر الشيخ حسن الشافعي، وتختار الكنيسة ممثلاً لها، كما يختار المجلس الأعلى للقوات المسلحة ممثلاً لهُ، ويحضر ممثلون عن القنوات الفضائية الخاصة وشباب الثورة والمرأة.
ويجوز لكل طرف، من أطراف النزاع الأساسية، اختيار شخص يمثل وجهة نظره في هذه اللجنة، أو المفوضية، أو الهيئة، فضلاً عن تمثيل الجمعية التأسيسية لدستور 2012 برئيسها حسام الغرياني، ولجنة الخمسين برئيسها عمرو موسى، أو أحد الوكلاء، على أن يرأس الجلسات أكبر الأعضاء سناً، أو من يَليه، ويُعاونه أصغر الأعضاء سناً، أو من يَليه، ويجوز للجنة أن تختار رئيساً لها بالتوافق أو بالإجماع، إذا تحقق ذلك، ويصدر بشأن هذه الهيئة، أو اللجنة، قرار جمهوري، يعطيها صلاحيات واسعة واستقلالية كاملة، وحصانة طول مدة عملها، ومهمتها:
أولاً: تحديد أطراف الصراع، وبالتالي، المخاطبين بالمصالحة، بغير إقصاء لأحد أو تغليب لطرف.
ثانياً: تقييم شامل لأسباب الصراع، ووضع تصور واضح للقضايا محل الخلاف، وتخصيص مجموعة عمل لكل قضية أو ملف، من بين أعضاء اللجنة، ولها أن تستعين من خارجها بمن ترى أنه مناسب بموافقة الأغلبية المطلقة للأعضاء.
ثالثاً: اختيار مفاوضين مختارين من اللجنة، للقيام بالتواصل الدائم مع كل الأطراف، على ألا يزيد عددهم عن خمسة ولا يقل عن ثلاثة.

رابعاً: العمل على إصدار إعلان، أو وثيقة وطنية، يتوافق عليها الجميع، وتتضمن الثوابت الوطنية والأهداف، والقواعد الحاكمة، للعمل على المصالحة الوطنية الشاملة، وقواعد العدالة الانتقالية المطلوبة، وتكريس ثقافة الحوار، ووقف الحروب الإعلامية، والشيطنة، والعنف. وضرورة الإعراض عن التخوين، في الخطاب السياسي، والإعلامي، لكل الأطراف ومراقبة ذلك.
خامساً: تحرٍّ دقيق للحقيقة كاملة، في كل الوقائع والأحداث، منذ 25 يناير 2011 وحتى إصدار الوثيقة الوطنية للمصالحة التي ينبغي أن تتضمن ضمانات لتشاركية سياسية واسعة.
سادساً: تشكيل لجنة قانونية "محايدة"، تعمل على تقديم الاقتراحات الجادة، والضرورية، لإصلاح المناخ وتهيئته للمصالحة، وفقاً لقانون العدالة الانتقالية الموجود، في تجارب دول، مثل الجزائر ولبنان، وأبرزها تجربة جنوب أفريقيا، وصولاً إلى تحقيق العدالة والسلم الأهلي، والمُضي في تحقيق آمال وطموحات الشعب وآماله في التقدم.
سابعاً: تحدد اللجنة /المفوضية/ الهيئة مدة ومراحل عملها، على أن تكون في حالة انعقاد دائم طوال هذه المدة، وتكون اجتماعاتها سرية، إلا إذا وجدت ضرورة لغير ذلك، ويقترح أن تتم الاجتماعات في مقر مجلس الشورى السابق، على أن تتوفر لها أشكال الدعم الفني، والإداري، والمالي، المطلوب لتحقيق أهدافها، والاستعانة بمن ترى من الخبراء والفنيين، وعقد جلسات استماع لهم، ويصدر في القانون الخاص بهذه الهيئة نص يُلزم جهات الدولة ومؤسساتها بتقديم ما تطلبه اللجنة من بيانات، أو معلومات لازمة، لإتمام مهمتها، المتصلة بهذه المهمة.
وأخيراً: نكون وفقاً لهذا التصور الأولي المقترح، والقابل للتعديل والتطوير، أجبنا عن السؤال الثاني، وننتقل بعده إلى السؤال الثالث والأخير.
السؤال الثالث:
ماذا بشأن اللحظة المناسبة للبدء في المصالحة الوطنية؟ الإجابة، قولاً واحداً، "الآن"، لكن السؤال الأعقد، هو هل تتوفر، الآن، البيئة الصالحة لاستقبال مصالحة وطنية شاملة، أو حتى طرح أفكار، بشأن مصالحة جزئية؟ والإجابة القاطعة، قولاً واحداً، هي "لا". إذن، كيف الخروج من هذا المأزق الدقيق؟ تتلخص الإجابة في الآتي:
1. البدء فوراً في مد جسور للثقة بين الأطراف كافة، بإجراءات عملية مستحقة، ومبادرات مباشرة من كل طرف، تأكيداً على النيات الصادقة، وكما قال المشير السيسي، على الطرف الآخر أن يعرض ما يمكن أن يقدمه، وأن يبداً بنفسه أولاً بوصفه الآن الطرف الأقوى "الدولة"، ويعرض ما يمكن أن يقدمهُ.
2. إعلان متبادل ومتزامن بوقف كل أشكال العنف، بأشكاله كافة، وصوره، وإدانته، والتوقف عن تبريره، والتعهد بتشكيل لجان محايدة للتحقيق في كل الوقائع منذ 25 يناير.
3. الإشارة إلى الاستعداد لقبول نتائج الحوار، أو المصالحة، من الأطراف كافة، والاستعداد لتعديل قوانين جائرة، صدرت في المراحل الانتقالية الثلاث، بالتوافق، في مقدمتها قوانين التظاهر والحبس الاحتياطي ومجلس النواب، بما يحقق المصلحة الوطنية والقواعد الديمقراطية.
4. العمل فوراً على وقف إعلام "الحرب"، ووقف أشكال الاستقطاب، والتشهير، والتخوين، وإشاعة مناخ جديد، يفتح الأبواب للمصالحة المجتمعية، وهذه أصعب مراحل المصالحة الوطنية الشاملة وأشقها.
5. ضرورة الاستفادة من تجارب الأمم التي سبقتنا في إجراء مصالحات وطنية شاملة مثل: إسبانيا التي راح ضحية الصراع فيها أكثر من مليون ضحية، ولبنان 150 ألف قتيل، من كل الأطراف، والاهتمام بتجربة جنوب إفريقيا، ودراسة حالة الجزائر التي بدأ الصراع فيها في يناير/كانون الأول 1992، بعد تدخل الجيش في إلغاء انتخابات 1991، وهو ما تسبب في صراع راح ضحيته آلاف القتلى، وانتهى في سبتمبر 2005، بميثاق "السلم والمصالحة الوطنية"، واستفتى عليه الشعب الجزائري وأقره.
كل التصورات السابقة، التي ناقشناها في إطار ثلاثة أسئلة مهمة، تثيرها دعوات للمصالحة، لا تعبر سوى عن اجتهاد شخصي، ليس مُلزماً لأحد، ولم يسبق التشاور بشأنه مع أي طرف، لكنه مجرد اجتهاد في اللحظة الصعبة، التي أُصيبت فيها بوصلة الوطن بالعطب.
وتوقفت ضمائر حية، عن كلمة حق، خشية إرهاب فكري، ونفسي، وتخوين، وتجريح بات بعضاً من طبيعة المرحلة التي لن نتجاوزها، إلا بالمصالحة الوطنية الشاملة.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

EFFC6895-FEE8-41EC-8CBC-8D63557C25A8
أيمن نور

سياسي مصري، نائب سابق، اسس حزب الغد، ويتزعم حاليا حزب غد الثورة