مفيش حاجة للرجال فقط

01 يناير 2015
تصوير (حسام الصياد)
+ الخط -

لطالما اختُزلت أدوار المرأة في اُطر محدودة وضعت لها من قبل المجتمع. ولطالما عانت المرأة من الانتقاد والاضطهاد كلما أقدمت على التحرر من قيود فرضتها عليها الرجعية والأفكار المجتمعية صاحبة الفكر الذكوري. ولكن إصرار المرأة على إثبات ذاتها تخطى كل تلك الحواجز الهشة. وتفاجئنا إحداهن بتمردها على واقع ملموس، واقع حصر مكانة المرأة في كونها زوجة ومربية أطفال وحسب. حسناً، فإذا كانت صورة المرأة في المجتمع المصري هكذا، هناك على الجانب الآخر خرجت من تمتلك الإصرار لتحطيم تلك الصورة، كي تثبت أن المرأة والرجل يمتلكان عقلا واحدا، ولكنها على الأرجح تمتلك الموهبة والشجاعة أكثر.

رانيا رفعت، محامية ومؤسسة مسرح البرجولا للعرائس، لكنها تفضل المهن الحرفية عن مهنة المحاماة والتي استكفت بالعمل فيها بالترافع في القضايا العائلية فقط. سعت بشتى الطرق إلى تعلّم الكثير من الحرف، مثل الخياطة والنقاشة، مؤمنة بمقولة المهاتما غاندي "الحرف تهذب الأخلاق"، في مقابلة مع (جيل العربي الجديد)، أوضحت "أنا لا أعير اهتماما لنظرة المجتمع الدونية لمن يمتهن الحرف، فأنا أرى أنها أسمى وأعلى".

بدأت أتفرغ للحرف بشكل أكبر منذ أن كنت في الجامعة، وبالفعل قمت بفتح مصنع صغير للجلود في حي "سور مجرى العيون" في منطقه مصر القديمة، وقمت بتصنيع أحزمة وحافظات نقود، وقمت ببيعها لشركات كبرى. وأوضحت رانيا دوافعها لتعلم النجارة لتطوير مسرح العرائس الذي عملت على تأسيسه منذ أربع سنوات، "كنت أقوم بشراء الأخشاب وتقطيعها بنفسي، وتمكنت من عمل أربعين عروسة من الخشب نستخدمها في العروض التي نقدمها على مسرح البرجولا حاليا"، لافتة النظر إلى بغضها الشديد من إطلاق الألفاظ الذكورية عليها، موضحة، "لا أتفهّم على الإطلاق من ينعتني بمقولة "انتي بميت راجل"، أنا امرأة وأعتز بأنوثتي، وبمقدوري أن أعمل في كل المهن التي يمتهنها الرجال، فتلك هي الهبة التي يهبها الله لنا، فالرجولة ليست درجة أرتقي إليها، ولكن الارتقاء يكمن في الاعتماد على الذات وعدم التواكل على الآخرين".

أوضحت رانيا، خلال حديثها، أن شغفها لتعلّم المهن الحرفية غير مقتصر على حرفة النجارة فحسب، ولكنها تطرقت إلى باقي الحرف، فهي الآن تتعلم الميكانيكا، قائلة: "أردت العمل بالميكانيكا قبل أن أتفرغ للنجارة، ولكني لاقيت رفضا من قبل عائلتي، من منطلق الخوف عليّ، ولكني الآن أصبحت أكثر نضجا، وقادرة على تحمل نتائج قراراتي الشخصية".

يبدو على رانيا الاستياء الشديد لتعرضها للتقليل من قيمة ما تفعله، كونها امرأة تمتهن الحرف، إلا أنها واجهت تلك الانتقادات بابتسامة ساخرة، ماضية بقوة في العمل على ما تؤمن به على حد تعبيرها، معربة عن تعجبها من تخوف بعض الرجال من تعرضهم لمثل تلك الانتقادات التي تصيب من يعمل في الحرف، متسائلة: "كيف يتقاعسون عن العمل في مثل تلك المهن وهم يمتلكون حريات منحها لهم مجتمعنا الذكوري؟". كما وجّهت رانيا دعوة عامة لكل المصريين.. "عودوا إلى الحرف، فهي تشكل جانبا مهما من شخصية الفرد، ففي النهاية كلانا الرجل والمرأة نشكل قوام المجتمع، والنجارة ليست للرجال فقط، كما أن الخياطة لا تقتصر على النساء فحسب".

وتعقّب رانيا، "وأخيرا أرغب في إيصال رسالة لمن سيتعرف عليّ من خلال هذا الحوار، مفادها: افتحوا الأبواب المغلقة، وأصروا على تنفيذ كل ما تؤمنون به، فكل خطوة تخطونها ناحية التعلم هي بمثابة حجر أساس في بناء شخصيتكم، كفانا تحقيق رغبات مجتمعنا وما يريد أن يرانا عليه المحيطون بنا، فلسنا مضطرين إلى ذلك.. ولكننا مجبرون على تحقيق أحلامنا وما تتطلع إليه أنفسنا من تقدم ورقيّ".

المساهمون