28 أكتوبر 2024
مفاوضات الضرورات السورية الملحّة
لا تشكل المفاوضات المباشرة بين "مجلس سورية الديمقراطية"، الجناح السياسي لـ "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، نقلة نوعية على صعيد العلاقة مع النظام السوري، فالطرفان حكمتهما علاقة تداخلية / تخارجية في الوقت نفسه، منذ عام 2012، حين سحب النظام قواته العسكرية من المناطق الشمالية والشمالية الشرقية، فقد حرص الجانبان على عدم حصول مواجهة عسكرية بينهما، إلا في حالات محدودة، عندما حاول النظام تجاوز الخطوط الحمر الكردية، لكن النقلة النوعية في هذه المفاوضات ترتبط بالتوقيت الذي يعكس حالة الانزياح الحاصلة في الموقف الأميركي، ليس بشأن الملف الكردي فحسب، وإنما من الأزمة السورية عموما.
بالنسبة للأكراد، حصلت تطورات ملفتة للانتباه في الأشهر القليلة الماضية، دفعتهم إلى البحث عن مسارات أخرى غير المسار الأميركي الأحادي: معركة عفرين التي تخلّت فيها الولايات المتحدة عن الأكراد. التصريحات الأميركية بشأن الانسحاب من سورية. الصفقة الأميركية ـ التركية حول منبج. خذلان الولايات المتحدة فصائل المعارضة في الجنوب السوري.
أمام هذه التطورات، خشي الأكراد أن تتخلى عنهم واشنطن، ويتحولوا إلى كبش فداء، وتجربة إقليم كردستان العراق ما تزال حاضرة في الذاكرة الكردية.
وبالنسبة للنظام، فإن استحالة القيام بعملية عسكرية في مناطق الهيمنة الكردية على الأقل في المدى المنظور، جعلته يلجأ إلى المفاوضات، على أمل التوصل إلى تفاهماتٍ تضع هذا الملف على سكة الحل، مدفوعا بزخم الانتصارات العسكرية من جهة، وبالتراخي الأميركي من جهة ثانية.
وبطبيعة الحال، ما كان لهذه المفاوضات أن تحدث، لولا وجود موافقة أميركية عليها بالتنسيق
مع الروس. ومع ذلك، من المبكر الحديث عن نجاعة هذه المفاوضات، في ظل المتغيرات السريعة التي تشهدها الساحة السورية، وفي ظل التباينات الواسعة بين الطرفين حيال مسألتين بالغتي الأهمية: السيطرة العسكرية ـ الأمنية على مناطق هيمنة "قسد"، شكل الحكم في هذه المناطق.
بحسب الرئيس المشترك لـ "مجلس سورية الديمقراطية"، رياض درار، لن يتم تسليم مناطق الهيمنة الكردية للنظام، وإنما للدولة، في إشارة إلى الدولة الديمقراطية التي ستتحقق بعد إنجاز التسوية، والتي من خلالها يضمن الأكراد حقوقهم كاملة، في حين يتبع النظام سياسة الخطوة خطوة على دخول قواته إلى مناطق الهيمنة الكردية، في مقابل اعتراف الدستور المقبل بالمكوّن الكردي، وفق رؤية دمشق.
وبالنسبة لشكل الحكم، صحيح أن الأكراد تراجعوا عن المنطقة الشمالية التي سموها "روج أوفا"، ومفهوم الفدرلة نظرياً، لكنهم ما زالوا يدعمون تصورا للامركزية، يتنافى تماما مع رؤية النظام الذي يفهم اللامركزية في إطار الإدارة المحلية المعمول بها وفق المرسوم التشريعي 107 لعام 2011، والمادتين 130 و131 في دستور عام 2012، وبين الرؤيتين هوّة كبيرة.
وقد أعلن الرئيس السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلم، أن الأكراد يريدون التفاوض بشأن النماذج المتوفرة: الفيدرالية، الإدارات المحلية، اللامركزية، الدستور الجديد، وأن أي اتفاقٍ يُعقد يجب أن يكون له ضامن دولي، في حين أعلنت جهاتٌ مقرّبة من النظام أن الأخير يرفض مناقشة فكرة الفيدرالية أو اللامركزية، إلا بما يتوافق مع قانون الإدارة المحلية، فضلا عن ضرورة تمثيل المكون الكردي، وفق نسبته العامة في الجغرافية السورية. وهذا ما يفسر توافق الطرفين على البدء بموضوع الخدمات، لما يحقق مصالحهما الاقتصادية، وترك الملفات الشائكة إلى مرحلة متقدمة، بانتظار الظروف والتفاهمات بين الراعيين الكبيرين (روسيا، الولايات المتحدة).
النظام في هذه المرحلة بحاجة إلى النفط الخام الخاضع لسيطرة "قسد"، والأخيرة بحاجة لتكرير النفط وتصفيته، وهما تحت سيطرة النظام. "قسد" بحاجة لخبرات النظام في إعادة تأهيل المنشآت المهمة، خصوصا سد الفرات، والنظام بحاجة للوصول إلى المعابر الحدودية (اليعربية، نصيبين) لإعادة تأهيل نفسه اقتصاديا.
الأهم من ذلك كله أن الطرفين سيحققان إنجازات سياسية مهمة، فبالنسبة للنظام، يسمح التفاهم مع الأكراد باستثمار الورقة الكردية في ترتيبات الحل السياسي على طريقته الخاصة، بمعنى أن دمشق مصرّة على إظهار قدرتها في حل أزماتها الداخلية، بشكلٍ منفردٍ من دون تدخّل خارجي. وبالنسبة للأكراد، يسمح التفاهم مع النظام لهم بدخول العملية السياسية فاعلا قويا بعد استبعاد قسري عن ملف التسوية.
وسيبقى مصير المفاوضات بين الجانبين مرتبطا بحقيقة الموقف الأميركي من طبيعة الحل السياسي.
بالنسبة للأكراد، حصلت تطورات ملفتة للانتباه في الأشهر القليلة الماضية، دفعتهم إلى البحث عن مسارات أخرى غير المسار الأميركي الأحادي: معركة عفرين التي تخلّت فيها الولايات المتحدة عن الأكراد. التصريحات الأميركية بشأن الانسحاب من سورية. الصفقة الأميركية ـ التركية حول منبج. خذلان الولايات المتحدة فصائل المعارضة في الجنوب السوري.
أمام هذه التطورات، خشي الأكراد أن تتخلى عنهم واشنطن، ويتحولوا إلى كبش فداء، وتجربة إقليم كردستان العراق ما تزال حاضرة في الذاكرة الكردية.
وبالنسبة للنظام، فإن استحالة القيام بعملية عسكرية في مناطق الهيمنة الكردية على الأقل في المدى المنظور، جعلته يلجأ إلى المفاوضات، على أمل التوصل إلى تفاهماتٍ تضع هذا الملف على سكة الحل، مدفوعا بزخم الانتصارات العسكرية من جهة، وبالتراخي الأميركي من جهة ثانية.
وبطبيعة الحال، ما كان لهذه المفاوضات أن تحدث، لولا وجود موافقة أميركية عليها بالتنسيق
بحسب الرئيس المشترك لـ "مجلس سورية الديمقراطية"، رياض درار، لن يتم تسليم مناطق الهيمنة الكردية للنظام، وإنما للدولة، في إشارة إلى الدولة الديمقراطية التي ستتحقق بعد إنجاز التسوية، والتي من خلالها يضمن الأكراد حقوقهم كاملة، في حين يتبع النظام سياسة الخطوة خطوة على دخول قواته إلى مناطق الهيمنة الكردية، في مقابل اعتراف الدستور المقبل بالمكوّن الكردي، وفق رؤية دمشق.
وبالنسبة لشكل الحكم، صحيح أن الأكراد تراجعوا عن المنطقة الشمالية التي سموها "روج أوفا"، ومفهوم الفدرلة نظرياً، لكنهم ما زالوا يدعمون تصورا للامركزية، يتنافى تماما مع رؤية النظام الذي يفهم اللامركزية في إطار الإدارة المحلية المعمول بها وفق المرسوم التشريعي 107 لعام 2011، والمادتين 130 و131 في دستور عام 2012، وبين الرؤيتين هوّة كبيرة.
وقد أعلن الرئيس السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلم، أن الأكراد يريدون التفاوض بشأن النماذج المتوفرة: الفيدرالية، الإدارات المحلية، اللامركزية، الدستور الجديد، وأن أي اتفاقٍ يُعقد يجب أن يكون له ضامن دولي، في حين أعلنت جهاتٌ مقرّبة من النظام أن الأخير يرفض مناقشة فكرة الفيدرالية أو اللامركزية، إلا بما يتوافق مع قانون الإدارة المحلية، فضلا عن ضرورة تمثيل المكون الكردي، وفق نسبته العامة في الجغرافية السورية. وهذا ما يفسر توافق الطرفين على البدء بموضوع الخدمات، لما يحقق مصالحهما الاقتصادية، وترك الملفات الشائكة إلى مرحلة متقدمة، بانتظار الظروف والتفاهمات بين الراعيين الكبيرين (روسيا، الولايات المتحدة).
النظام في هذه المرحلة بحاجة إلى النفط الخام الخاضع لسيطرة "قسد"، والأخيرة بحاجة لتكرير النفط وتصفيته، وهما تحت سيطرة النظام. "قسد" بحاجة لخبرات النظام في إعادة تأهيل المنشآت المهمة، خصوصا سد الفرات، والنظام بحاجة للوصول إلى المعابر الحدودية (اليعربية، نصيبين) لإعادة تأهيل نفسه اقتصاديا.
الأهم من ذلك كله أن الطرفين سيحققان إنجازات سياسية مهمة، فبالنسبة للنظام، يسمح التفاهم مع الأكراد باستثمار الورقة الكردية في ترتيبات الحل السياسي على طريقته الخاصة، بمعنى أن دمشق مصرّة على إظهار قدرتها في حل أزماتها الداخلية، بشكلٍ منفردٍ من دون تدخّل خارجي. وبالنسبة للأكراد، يسمح التفاهم مع النظام لهم بدخول العملية السياسية فاعلا قويا بعد استبعاد قسري عن ملف التسوية.
وسيبقى مصير المفاوضات بين الجانبين مرتبطا بحقيقة الموقف الأميركي من طبيعة الحل السياسي.