معركة الساحل السوري الثانية... فرص ومخاطر

26 مارس 2014

من معارك كسب في الساحل السوري

+ الخط -

في خطوةٍ فاجأت النظام السوري وقواته، شنت كتائب إسلاميّة هجومًا عسكريًا على مدينة كسب في جبال اللاذقية. وتمكنت في أيام قليلة من السيطرة على كامل المدينة، بما فيها معبر كسب، ليكون آخر معبر حدودي مع تركيا، يخسره نظام بشار الأسد. وعلى الرغم من التعزيزات العسكريّة، عجز الجيش النظامي، مدعوماً بقوات الدفاع الوطنيّ (الشبيحة)، حتى الآن، عن استعادة المدينة، بل حققت الكتائب الإسلاميّة انتصارات متتاليّة، أبرزها؛ السيطرة على البرج 45، والذي كان يستخدمه النظام لقصف القرى المنتفضة في جبل التركمان والأكراد، وعلى قريّة السمرا، والتي تحتل أهميّة كبيرة، ليس لكونها موطن المسلسل الكوميدي الشهير " أم الطنافس"، بل لإطلالتها على البحر المتوسط، ما يعني امتلاك كتائب المعارضة أول واجهة بحريّة قريبة، تحاذي المياه المتشاطئة التركيّة. وجاء مقتل قائد قوات الدفاع الوطني، هلال الأسد، (ابن عم الرئيس السوريّ)، والمعروف بجرائمه ووحشيته، ودوره الرئيس في تجنيد أَبناء من الطائفة العلويّة للقتال مع النظام، ليوسع من الإنجازات العسكرية في جبهة، بعد هزائم في عدة مناطق من الجغرافيا السورية، كان آخرها سقوط مدينة يبرود.

من المبكر لأوانه، توقع نتائج هذه المواجهة، لأسباب عدة: أبرزها الطبيعة الجبليّة الصعبة، ووجود بيئة مؤيدة للنظام، وضعف الإمكانات والمقدرات لكتائب المعارضة، وأهمية هذه المنطقة بالنسبة للنظام، واستعداده للذهاب إلى أبعد ما يمكن، لمنع سقوطها، أو تغلغل كتائب المعارضة فيها، كما حصل في أثناء المواجهة الأولى في مطلع شهر أغسطس/ آب 2013، والتي انتهت بانسحاب كتائب المعارضة، والفصائل الجهاديّة، من معظم المناطق والقرى التي سيطرت عليها. وبناءً عليه، تحمل هذه المواجهة، أو المعركة الثانيّة في الساحل، فرصا ومخاطر بالنسبة للثورة في معادلة الصراع العسكريّ مع النظام.

الفرص

جاءت هذه المواجهة، بعد دعوات ومطالبات متكررة بفتح جبهة الساحل، وكسر الجمود العسكريّ فيها. فخلال السنوات الماضيّة، تمكن النظام من عزل مناطق مؤيديه، ولا سيما أبناء الطائفة العلويّة عن دائرة المواجهات العسكريّة مع قوات المعارضة، ما منح المنطقة استقراراً اقتصادياً ومعيشيًا وأمنياً، مقارنة بالمناطق الأخرى من سوريا. واستثمر النظام هدوء منطقة الساحل، لتجنيد أبناء الطائفة العلويّة في الجهاز المستحدث (قوات الدفاع الوطني)، للقتال في المناطق الساخنة، لا سيما حلب وحمص ودير الزور وريف دمشق... إلخ. بناءً عليه، من شأن اشتعال جبهة الساحل أَن يقلص اعتماد النظام على المجندين العلويين، للقتال في مناطق خارج الساحل، ما قد يساهم في خلخلة أوضاعه العسكريّة في جبهات أخرى، لا سيما بعد الانشقاقات الأفقية في الجيش السوري، وتسرب قسم كبير من الملتحقين بالخدمة العسكريّة، مجندين أو احتياط. ومن شأن فتح جبهة الساحل أَن يخفف العبء على جبهات أخرى قريبة منها، لا سيما في ريف إدلب وريف حماه الغربي. واستغلت كتائب المعارضة الخلل في مسار الصراع، لتحقيق اختراقات في جبهات مهمة، كما حصل في جبل الشويحنة في حلب، وفي مدينة خان شيخون الاستراتيجية، إذ تمكنت الكتائب العاملة هناك من السيطرة على 12 حاجزًا لقوات النظام، من أصل 16، تحيط بالمدينة. كما نجح الثوار في صد المحاولة التي بدأها الجيش السوري، لاستعادة بلدة مورك، الواقعة على الطريق الدولي في ريف حماه الشماليّ. وساهمت هذه الاختراقات في تعديل موازين القوى في الشمال، بعد أن مالت، خلال الفترة، لصالح قوات النظام المنتشية بانتصارها في يبرود.

كما تعتبر بعض الكتائب أَن فتح جبهة الساحل من شأنه أَن يقطع الطريق على مخطط النظام بإقامة "دويلة علويّة". فعلى الرغم من أن هذا الاحتمال لا تتوفر له معطيات حقيقية، تؤكد إمكانية حدوثه في المدى المنظور، فإن محاولة النظام فتح مطارات مدنية في طرطوس، وتقديمه تسهيلات للتجار والصناعيين، لنقل نشاطهم إلى الساحل، باعتباره منطقة آمنة، تثير مخاوف كثيرين من لجوء النظام إلى هذا الاحتمال، خياراً أخيراً، في حال تغير مسار الصراع في العاصمة وحلب.

المخاطر

ثمة مخاطر عدة للمواجهة العسكريّة في الساحل، أبرزها العنصر الطائفيّ، إذ ستضفي هذه المواجهة بعدًا طائفيًا واضحًا على الصراع، لأَنها تبدو في إطارها العام مواجهة بين المواطنين السنة الذين يقطنون في جبال الأكراد والتركمان، والمواطنين العلويين الذي يقطنون في المنطقة الجبلية، الواصلة بين جبل الأكراد ومدينة اللاذقيّة. ما يساهم في زيادة الاستقطاب الطائفي، وارتداداته العكسية، كزيادة جرائم الكراهية والمجازر الطائفيّة.

أما العامل الأكثر خطورة، فيتمثل في العامل الجهاديّ. فمنطقة الساحل تحظى بأهمية كبيرة في نظر الحركات الجهاديّة، فهي ترى في جغرافيتها الوعرة بيئة مؤاتيةً لبناء قاعدة صلبة للمشروع الجهاديّ في الشام. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، خططت مجموعات جهاديّة، مثل جبهة النصرة وكتيبة الليبيين والمهاجرين وصقور العز، لفتح مواجهة في الساحل منذ مارس/ آذار 2013، لكن التطورات المتلاحقة آنذاك، ولا سيما دخول تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" إلى المنطقة، ومحاولة فرض البيعة والولاء على باقي الكتائب، أدت إلى نشوء خلافات ومواجهات بينية، ما حال دون فتح مواجهة موسعة خلال العام الماضي، باستثناء محاولة بدأها تنظيم داعش منفردًا في أغسطس/ آب 2013، وانتهت بانتصار النظام فيها.

شكل انسحاب "داعش" من منطقة الساحل فرصة كبيرة للكتائب الجهاديّة والإسلامية، لتندمج في غرفة عمليات واحدة، وتبدأ المواجهة العسكريّة المؤجلة. وعلى الرغم من وجود كتائب الجيش الحر، ومشاركتها في المواجهات الدائرة في الساحل، إلا أَن دورها محدود، ويقتصر على المساندة والدعم. فغرفة العمليات التي تقود المواجهة، والمسماة "معركة الأنفال"، تشرف عليها جبهة النصرة، وأنصار الشام، بالإضافة إلى بعض فصائل الجبهة الإسلاميّة، مثل حركة أحرار الشام. لذلك، يُخشى من أن تسارع كتائب إلى إعلان إمارة إسلاميّة في هذه المنطقة، وتقوم بعمليات قتل وتهجير على غرار ما جرى في المواجهة الأولى، ما سيلحق الضرر بالثورة آنيًا، ويفتح جروحًا أخرى في جسد الكيان السوريّ، لا يمكن أن تندمل.

026670C0-1C24-4095-BCE5-FC31C709547D
حمزة المصطفى

كاتب وباحث سوري في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وسكرتير تحرير مجلة سياسات عربية. ماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من معهد الدوحة للدراسات العليا. صدر له كتاب "المجال العامّ الافتراضي في الثورة السورية: الخصائص، الاتجاهات، آليات صناعة الرأي العامّ".