27 سبتمبر 2024
معجم الدوحة التاريخي.. اللغة العربية تتجدد
"رُبَّ همَّةٍ أحيت أمة"، بهذه العبارة اختتم العرض المرئي لإطلاق المنصة الإلكترونية لمعجم الدوحة التاريخي للغة العربية الذي انتظره باحثون ومهتمون كثيرون. وما أن أُذن لهذا المشروع بالانطلاق عبر عالم الإنترنت، حتى ولجت إليه اطِّلاعاً وبحثاً وتدقيقاً، فكانت أولى تصفحاتي للمعجم إعادة قراءة مفاتيحه وفكرته بتؤدة وفكر، حتى يتسنّى لي الاستفادة منه بأكبر درجة، حيث رأيت كيف وصفه القائمون عليه بأنه "ذاكرة" ألفاظ اللغة العربية منذ نشأتها وحتى تطورها عبر العصور والأزمان، بل أوجدوا حتى مكان استعمال (اللفظة) الأول، وانتقالها من مكان إلى آخر، بالدليل اللغوي والمكاني، فكان مميزاً من كل جوانبه، حيث إنه معجم مفتوح، ومبني بطريقة تراكمية وتفاعلية، مشتملاً على عدة أبواب مختلفة، ومنها: النصوص الدينية والأدبية، والتاريخ والسير والمغازي، مخصصاً باباً للنقوش القديمة، وغيرها من العلوم الأخرى، في إطار علمي منتظم، يخضع لضوابط الصناعة المعجمية المعاصرة كما جاء في هويته.
إذن، وبعد هذه الجولة في مقدمة المعجم ودليل الاستعمال، جاء وقت ولوجه بالسباحة في نصوصه، فسجلت في بوابته عن طريق البريد الإلكتروني فأتاح لي جوهرة لغوية متجدّدة عبر العصور، بحثاً واطلاعاً، فبحثت عن بعض الألفاظ للاطلاع على مدلولها العلمي المعروف لديَّ مسبقاً، فأدخلت كلمة "فقيه" فوجدت أن أول استعمال لها في السنة العاشرة للهجرة، مقرونةً بحديث نبوي شريف، يؤيد زمن الاستعمال ومعناها الاصطلاحي، ثم رجعت إلى مادة الكلمة اللغوية (ف ق هـ) فوجدت أن أول استعمال لها كان على وجه التقريب لا الجزم قبل الهجرة النبوية بثمانين عاماً، وتحمل معنى إسماع الحروف والكلمات وإفهامها للسامع، ثم تطوّرت في السنة السابعة للهجرة تقريبا (أيضاً) واستعملت كلمة (فقه) بمعنى الشق والفتح، مستدلين بأبيات شعرية للأعشى التي يقول فيها: وفي كل عام بيضة تفقونها ... فتفنى وتبقى بيضة لا أخا لها. ثم نرى المعجم يذكر هذه اللفظة مرة أخرى في السنة نفسها، أي: السابعة للهجرة، باستعمال آخر، حيث تستعمل بمعنى: الفهم، مستدلين بقوله تعالى: (فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً) (النساء 78)، ثم يورد المعجم اشتقاقات هذه الكلمة والكلمات المرتبطة بها من مادتها، فَيشْعر قارئ هذا المعجم أنه قد جمع علوم ومعرفة الكلمات تاريخياً ومعنى لغوياً واصطلاحياً، في تصفح مريح وبوابة سلسة بأيقونات واضحة سهلة الاستعمال، تجعل من هذا المعجم حقّاً معجماً تاريخياً تشد من أجله الهمم وتتآزر الجهود لإنجاحه ليكون مرجعاً علمياً رصيناً في بابه.
هكذا كانت جولتي العملية الأولى في هذا المعجم، لأستذكر بعدها معاجم قد سبقته منذ نشأتها الأولى، ومراحل تطورها عبر العصور والأزمان، والتي بدأت بجمع الكلمات وترتيبها على حسب الحروف، أو على حسب الموضوع، والتي كانت خاصة باللغة في بدايتها ولا تتعدى لغيرها من العلوم الأخرى، حتى ابتكر المعجم اللغوي العربي في القرن الثاني على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي، وأطلق عليه كتاب العين، لتنطلق بعده معاجم مختلفة في علوم شتى، بأشكال وأنماط ومدارس مختلفة، ومنها: كتاب العين للفراهيدي (177هـ)، والذي رتب فيه حروف الهجاء بحسب مخارجها، وكذلك كتاب الجمهرة لأبي بكر بن دريد الأزدي (321هـ) الذي جعل أبنية الكلمات أساساً رئيسياً في الولوج والبحث في كتابه، ليُؤسّس بعدها شكل آخر من معاجم اللغة يعتنى بمقاييس اللغة وربط فروع موادها بأصولها وقياسها عليها لفظاً ومعنى، كما هو موجود في كتاب مقاييس اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارس (395هـ)، لتكون بعد ذلك معاجم كثيرة مختلفة في الأنماط والأشكال، حتى جاء الزمخشري (467 هـ) وخالف من سبقه في كتابه "أساس البلاغة" الذي كان يعتني فيه بالأدب أكثر من غيره من العلوم معنى وشواهد.
ثم توالت بعد ذلك المعاجم العربية في شتى العلوم والمجالات لتصل إلى أشكالها وأنماطها المعاصرة، سواء أكان منها الورقي أو الإلكتروني، غير أنه، والحق يقال، حاول بُحَّاثٌ وعلماء كثيرون صناعة معاجم في علوم مختلفة، حيث أجاد كثيرون منهم هذه الصناعة، حتى ظهرت معاجم تعنى بعلوم معينة، كانت قيِّمةً في بابها، لكن ثغرة في اللغة العربية وجب سدها بمشروع ضخم، يضم جميع معاني اللغة العربية ومصطلحاتها في حيز واحد، قابل للتطوير والارتقاء من فترة إلى أخرى، ولعل مشروع معجم الدوحة التاريخي هو الكفيل بسد هذه الثغرة، لنحصل على معجم عالمي بقواعد وأصول منضبطة.
قال اللغوي الألماني فيشر في مقدمة كتابه المعجم التاريخي: "إذا استثنينا الصين، لا يوجد شعب آخر يحق له الفخار بوفرة علوم لغته وبشعوره المبكر بحاجته إلى تنسيق مفرداتها بحسب أصول وقواعد غير العرب". لنرى مدى اهتمام غير العرب باللغة العربية لغزارتها ومكانتها المرموقة بين اللغات الأخرى، وكيف لا، وهي لغة القرآن الكريم المعجزة الخالدة. وأَشُدُّ على أيدي العاملين في معجم الدوحة التاريخي لإكمال هذا المشروع الرائد، حتى نواكب تجدد ألفاظ اللغة العربية في وعاء واحد يضمها من أول يوم قيلت فيه... ليكون حقاً معجماً متجدّداً، وحتى يَصدق على القائمين والعاملين عليه بهمتهم المثل القائل: همّة أحيت أمّة.
هكذا كانت جولتي العملية الأولى في هذا المعجم، لأستذكر بعدها معاجم قد سبقته منذ نشأتها الأولى، ومراحل تطورها عبر العصور والأزمان، والتي بدأت بجمع الكلمات وترتيبها على حسب الحروف، أو على حسب الموضوع، والتي كانت خاصة باللغة في بدايتها ولا تتعدى لغيرها من العلوم الأخرى، حتى ابتكر المعجم اللغوي العربي في القرن الثاني على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي، وأطلق عليه كتاب العين، لتنطلق بعده معاجم مختلفة في علوم شتى، بأشكال وأنماط ومدارس مختلفة، ومنها: كتاب العين للفراهيدي (177هـ)، والذي رتب فيه حروف الهجاء بحسب مخارجها، وكذلك كتاب الجمهرة لأبي بكر بن دريد الأزدي (321هـ) الذي جعل أبنية الكلمات أساساً رئيسياً في الولوج والبحث في كتابه، ليُؤسّس بعدها شكل آخر من معاجم اللغة يعتنى بمقاييس اللغة وربط فروع موادها بأصولها وقياسها عليها لفظاً ومعنى، كما هو موجود في كتاب مقاييس اللغة، لأبي الحسين أحمد بن فارس (395هـ)، لتكون بعد ذلك معاجم كثيرة مختلفة في الأنماط والأشكال، حتى جاء الزمخشري (467 هـ) وخالف من سبقه في كتابه "أساس البلاغة" الذي كان يعتني فيه بالأدب أكثر من غيره من العلوم معنى وشواهد.
ثم توالت بعد ذلك المعاجم العربية في شتى العلوم والمجالات لتصل إلى أشكالها وأنماطها المعاصرة، سواء أكان منها الورقي أو الإلكتروني، غير أنه، والحق يقال، حاول بُحَّاثٌ وعلماء كثيرون صناعة معاجم في علوم مختلفة، حيث أجاد كثيرون منهم هذه الصناعة، حتى ظهرت معاجم تعنى بعلوم معينة، كانت قيِّمةً في بابها، لكن ثغرة في اللغة العربية وجب سدها بمشروع ضخم، يضم جميع معاني اللغة العربية ومصطلحاتها في حيز واحد، قابل للتطوير والارتقاء من فترة إلى أخرى، ولعل مشروع معجم الدوحة التاريخي هو الكفيل بسد هذه الثغرة، لنحصل على معجم عالمي بقواعد وأصول منضبطة.
قال اللغوي الألماني فيشر في مقدمة كتابه المعجم التاريخي: "إذا استثنينا الصين، لا يوجد شعب آخر يحق له الفخار بوفرة علوم لغته وبشعوره المبكر بحاجته إلى تنسيق مفرداتها بحسب أصول وقواعد غير العرب". لنرى مدى اهتمام غير العرب باللغة العربية لغزارتها ومكانتها المرموقة بين اللغات الأخرى، وكيف لا، وهي لغة القرآن الكريم المعجزة الخالدة. وأَشُدُّ على أيدي العاملين في معجم الدوحة التاريخي لإكمال هذا المشروع الرائد، حتى نواكب تجدد ألفاظ اللغة العربية في وعاء واحد يضمها من أول يوم قيلت فيه... ليكون حقاً معجماً متجدّداً، وحتى يَصدق على القائمين والعاملين عليه بهمتهم المثل القائل: همّة أحيت أمّة.