13 نوفمبر 2024
مطلوب للعدالة
"قنّاصو المكافأة" هو اسم فيلم صيني من إنتاج عام 2016، كوميدي رومانسي لا يخلو من المغامرة، ويدور حول أشخاص يتم اتهامهم بالقيام بهجمات إرهابية، لكنهم يقرّرون البحث عن المجرمين الحقيقيين لإنقاذ الناس منهم، وكذلك الحصول على المكافأة الكبيرة التي أعلنت عنها الحكومة في مقابل الإمساك بهم. ولذلك يعيش المشاهد في جو من التشويق والضحك نحو ساعتين، ولكن على أرض الواقع، وفي بقعة صغيرةٍ من هذه الأرض. عاش قرابة مليوني مواطن مثل هذا الجو، حين تم الإعلان عن مكافأة مالية تعتبر ضخمةً بالنسبة لناسٍ فقراء في مقابل الإمساك بشخصٍ مطلوب للعدالة.
أنس أبو خوصة الذي احتلت صورته مواقع التواصل الاجتماعي، متهما رئيسيا في حادثة تفجير موكب رامي الحمد الله عند وصوله إلى غزة، فضجّت تلك المواقع بالتعليقات الساخرة بشأن البحث عنه لنيل المكافأة، ومن التعليقات أن أحدهم أعلن أن اسمه الحقيقي أنس، وأنه يريد أن يتقاسم المكافأة مع من يُرشد عنه، ومنها من ينصح هذا الـ"أنس" أن يسلم نفسه، لكي يحظى بالمكافأة أو نصفها، وهو يعتقد جازماً أنه لم يمسك مثل هذا المبلغ في حياته، فصورة المدعو أبو خوصة تبدو لشخصٍ بائس تعرّض لغوايةٍ كبيرة.
المثير في مثل هذه الإغراءات التي وفرت مهنةً لقناصي المكافآت، وقدّمتها السينما العالمية والعربية، أنها فتحت سوقاً خاصاً على الشبكة العنكبوتية، حيث يتلقى عتاة المجرمين، وكذلك رجال الشرطة المتقاعدين أو المتحرّين الذين يعملون بصفة شخصية، الأوامر من جهاتٍ تكاد تكون مجهولة، وتزودهم بمعلوماتٍ للبحث عن شخصٍ أو مجموعة أشخاص في مقابل مبالغ مالية كبيرة. ولذلك، ليس بالضرورة أن يكون كل من ترصد مكافأة مالية ضخمة في مقابل العثور عليه أن يكون مطلوباً للعدالة، ما دام هناك ما يعرف بالإنترنت المظلم "dark web"، وهو عالم تعقد فيه الصفقات البعيدة عن العدل أو النيات الطيبة.
انتهت التعليقات والأمنيات بالقبض على المتهم المطلوب للعدالة، فيما كان الناس، وفي صباح اليوم الذي تلا الإعلان عن المكافأة، ينظر بعضهم إلى وجوه بعض ويتفحصونها، ويحاولون إماطة اللثام عن وجه شخصٍ، ربما أخفى نصف وجهه لتعرّضه لنزلة برد شديدة، بسبب الأجواء الخماسينية المغبرّة، أو ربما أخفى وجهه نتيجة التهاب العصب الخامس الذي يشوّه شكل الوجه. وقد ذكّرني هذا بالممثل المصري محمد سعد، حين هرب من مطاردة للشرطة، وأخفى وجهه بلثام، لكنه بمجرد أن دلف متسللاً إلى حارته وجد أكثر من شخص يتعرف عليه، ويناديه باسمه وبصوت مرتفع، كفيل أن يلفت انتباه أفراد الشرطة السريين المنتشرين في المكان الذين يمارسون عملهم في المراقبة بطريقة مضحكةٍ لا تتغير، وهي قراءة الجريدة المثقوبة.
توقعت مثلاً أن تتم الوشاية بهذا الشخص من شخصٍ آخر، لا يهمه المكافأة بقدر ما تهمه مصلحته الخاصة، مثلما حدث مع الثائر تشي غيفارا، فقد وشى به راعي غنم، لم يكن يعرف من هو غيفارا، لكنه كان حريصاً على أغنامه من صوت الرصاص المتبادل الذي يروّعها.
دار نقاشٌ طريفٌ بيني وبين ابني الذي صارحني أنه كان يمارس رياضة الركض على شاطئ البحر كعادته كل صباح، وأنه اعتاد أن ينظر أمامه، ويتأمل الطبيعة التي تستيقظ من سباتها، فيما يستمع لأغنية أجنبية بواسطة سماعةٍ يتدلى سلكها من أذنه، وتتصل بهاتفه الذكي، لكنه في صباح ذلك اليوم كان يتفحّص الوجوه حوله، وينظر بعناية إلى الآخرين الذين يمارسون هوايته نفسها. وهنا استنكرت ضاحكةً أن يقدم هذا المطلوب للعدالة على الركض على شاطئ البحر، خصوصا في شارعٍ شهير لا يرتاده سوى الأثرياء في غزة، أما ابني فقد عارضني بتذكيري بنظريةٍ مهمةٍ، وهي أن أفضل طريقة لإخفاء شيء ثمين أن تضعه في أقرب مكان. وهنا التفت بحركةٍ لا إراديةٍ إلى ما خلف الأريكة التي أجلس عليها، فلعل هذا المطلوب يكون مختفياً خلفها.
أنس أبو خوصة الذي احتلت صورته مواقع التواصل الاجتماعي، متهما رئيسيا في حادثة تفجير موكب رامي الحمد الله عند وصوله إلى غزة، فضجّت تلك المواقع بالتعليقات الساخرة بشأن البحث عنه لنيل المكافأة، ومن التعليقات أن أحدهم أعلن أن اسمه الحقيقي أنس، وأنه يريد أن يتقاسم المكافأة مع من يُرشد عنه، ومنها من ينصح هذا الـ"أنس" أن يسلم نفسه، لكي يحظى بالمكافأة أو نصفها، وهو يعتقد جازماً أنه لم يمسك مثل هذا المبلغ في حياته، فصورة المدعو أبو خوصة تبدو لشخصٍ بائس تعرّض لغوايةٍ كبيرة.
المثير في مثل هذه الإغراءات التي وفرت مهنةً لقناصي المكافآت، وقدّمتها السينما العالمية والعربية، أنها فتحت سوقاً خاصاً على الشبكة العنكبوتية، حيث يتلقى عتاة المجرمين، وكذلك رجال الشرطة المتقاعدين أو المتحرّين الذين يعملون بصفة شخصية، الأوامر من جهاتٍ تكاد تكون مجهولة، وتزودهم بمعلوماتٍ للبحث عن شخصٍ أو مجموعة أشخاص في مقابل مبالغ مالية كبيرة. ولذلك، ليس بالضرورة أن يكون كل من ترصد مكافأة مالية ضخمة في مقابل العثور عليه أن يكون مطلوباً للعدالة، ما دام هناك ما يعرف بالإنترنت المظلم "dark web"، وهو عالم تعقد فيه الصفقات البعيدة عن العدل أو النيات الطيبة.
انتهت التعليقات والأمنيات بالقبض على المتهم المطلوب للعدالة، فيما كان الناس، وفي صباح اليوم الذي تلا الإعلان عن المكافأة، ينظر بعضهم إلى وجوه بعض ويتفحصونها، ويحاولون إماطة اللثام عن وجه شخصٍ، ربما أخفى نصف وجهه لتعرّضه لنزلة برد شديدة، بسبب الأجواء الخماسينية المغبرّة، أو ربما أخفى وجهه نتيجة التهاب العصب الخامس الذي يشوّه شكل الوجه. وقد ذكّرني هذا بالممثل المصري محمد سعد، حين هرب من مطاردة للشرطة، وأخفى وجهه بلثام، لكنه بمجرد أن دلف متسللاً إلى حارته وجد أكثر من شخص يتعرف عليه، ويناديه باسمه وبصوت مرتفع، كفيل أن يلفت انتباه أفراد الشرطة السريين المنتشرين في المكان الذين يمارسون عملهم في المراقبة بطريقة مضحكةٍ لا تتغير، وهي قراءة الجريدة المثقوبة.
توقعت مثلاً أن تتم الوشاية بهذا الشخص من شخصٍ آخر، لا يهمه المكافأة بقدر ما تهمه مصلحته الخاصة، مثلما حدث مع الثائر تشي غيفارا، فقد وشى به راعي غنم، لم يكن يعرف من هو غيفارا، لكنه كان حريصاً على أغنامه من صوت الرصاص المتبادل الذي يروّعها.
دار نقاشٌ طريفٌ بيني وبين ابني الذي صارحني أنه كان يمارس رياضة الركض على شاطئ البحر كعادته كل صباح، وأنه اعتاد أن ينظر أمامه، ويتأمل الطبيعة التي تستيقظ من سباتها، فيما يستمع لأغنية أجنبية بواسطة سماعةٍ يتدلى سلكها من أذنه، وتتصل بهاتفه الذكي، لكنه في صباح ذلك اليوم كان يتفحّص الوجوه حوله، وينظر بعناية إلى الآخرين الذين يمارسون هوايته نفسها. وهنا استنكرت ضاحكةً أن يقدم هذا المطلوب للعدالة على الركض على شاطئ البحر، خصوصا في شارعٍ شهير لا يرتاده سوى الأثرياء في غزة، أما ابني فقد عارضني بتذكيري بنظريةٍ مهمةٍ، وهي أن أفضل طريقة لإخفاء شيء ثمين أن تضعه في أقرب مكان. وهنا التفت بحركةٍ لا إراديةٍ إلى ما خلف الأريكة التي أجلس عليها، فلعل هذا المطلوب يكون مختفياً خلفها.