مضحكات عشقي المبكيات
قبل أيام، وصلت إليّ هذه الرسالة، عبر واحدةٍ من مجموعات الواتساب، موقّعة باسم الباحث والمحلل السياسي السعودي، أنور عشقي، يشرح فيها ظروف ما وصفها بزيارته إلى فلسطين، أخيراً. ويبدأ عشقي رسالته بالإشارة إلى أنه يحب أن يوضح عدة "حقائق"، ليس دفاعا عن الزيارة، بل لمزيد من الحوار (!).
من يقرأ الرسالة يكتشف أن لا حقائق، ولا حوار فيها، لكنها مجرد توصيفٍ واضح لتطبيع كامل الدسم مع العدو الصهيوني.
يقول عشقي في متن رسالته التي انتشرت عبر تطبيقات الإنترنت؛ "بعد أربع سنوات من إلحاح اللواء جبريل الرجوب، لبّيت دعوة السلطة الفلسطينية العام الماضي، وقمت بالزيارة.
اليوم كانت الزيارة الثانية. من وضع البرنامج هو السلطة الفلسطينية. التقيت بالمسؤولين الفلسطينيين في العام الماضي، والتقيت الرئيس أبو مازن ورئيس الحكومة، وصليت أنا وزملائي في المسجد الأقصى، وصليت بالمسلمين المغرب. وهذا شرفٌ حمدت الله عليه.
في هذه المرة، وبحسب البرنامج الذي وضعته السلطة الفلسطينية، قمنا بزيارة لعدد من الجامعات، ومراكز الدراسات، والمحافظات، والأماكن المقدسة. وصليت بالمسلمين ظهر الأربعاء بمسجد عمر بن الخطاب، التقينا بأسر الشهداء، وأسر المعتقلين، وألقيت فيهم كلمات. قدمنا واجب العزاء، وحضرنا زفاف ابن أشهر المناضلين السجناء، مروان البرغوثي.
جمعت لنا السلطة بعض أسر القتلى والشهداء من داخل الأرض المحتلة الذين يطالبون بإيقاف العنف، ويؤيدون مبادرة الملك عبد الله للسلام، وأجرينا حواراً معهم، بعدها وجهوا رسالة للحكومة الإسرائيلية، يطالبونها بالسلام.
جمعت السلطة في رام الله بعضاً من أعضاء الكنيسيت العرب ومؤيدي السلام، وأجرينا حوارا معهم.
صلينا في القدس، والتقينا في فندق داود بالجنرال بولي، وشكرته على أنه لبى طلبي بالسماح للفلسطينيين، في رمضان من العام الماضي، بالصلاة في القدس، وأمّنوا لهم المواصلات، حتى من غزة، فبلغ عدد من صلى الجمعة ثلاثمائة ألف، كلهم دعوا لنا، وطلبت منه أن يأتي بابن الزهراني الذي اختطف من حول الكعبة، منذ ثلاثين عاماً، على أن يلتقيا في الأردن، ووعد.
لبّينا دعوة العشاء التي دعانا إليها دوري غولد، مدير عام الخارجية، وأقنعناه بوعد الملك عبد الله بالتطبيع، إذا طبّقوا المبادرة. وفي اليوم الثاني، صدر بيان من رئاسة الحكومة بأنها ستنظر في الأمر بجدية.
هذا ما حدث. والموضوع مطروح للنقاش، بعيداً عن العواطف، والتشنجات، والشخصنة. والله الموفق. ولم نرد إلا وجه الله وخدمة المسلمين، ورفع الإصر عن إخواننا المظلومين".
وماذا بعد، يا سيد عشقي؟ ما هو التطبيع، إذن، إن لم يكن هو ما قمت به حرفياً؟
لن أسألك: لماذا توافق إسرائيل على زيارتك فلسطين، بل تشجعك، وتشجع العرب جميعاً على مثل هذه الزيارات المشبوهة، في وقتٍ تمنع الفلسطينيين من حق العودة. ولن أذكرك بفلسطينيين تقع بيوتهم في محيط الحرم القدسي، يمنعهم الصهاينة من العودة إلى بيوتهم إن تأخروا بعد ساعة معينة في الليل، في وقتٍ يدعونك فيه إلى العشاء، فتلبي دعوتهم. ولن أسألك كيف استطعت أن تقنعهم بوعد الملك عبدالله، رحمه الله، الذي لم يصدّقوه من صاحب الشأن، ولا من حكومته، ولا.. ولا.. سأتجاوز مضحكات رسالتك المبكيات، لأسألك سؤالاً واحداً: من أين أتيت بهذه الجرأة في الباطل التي جعلتك تشكر الغاصب المحتل على أنه سمح للفلسطينيين بالصلاة في أقصاهم؟ وبعد هذا كله، تأتي لتقول إن هذا ليس تطبيعاً مع العدو؟ حسناً؛ ما هو التطبيع، إذن، من وجهة نظرك يا سيد عشقي؟ بانتظار الإجابة.