اهتزت الأرض تحت قدمي الشاب محمود برهوم، المقيم في حي البراهمة في مدينة رفح، الواقعة على حدود قطاع غزة، حينما علم أن منزله الذي ظل على مدى عامين يعمل لنحو 18 ساعة يومية لبنائه، لا بد من إخلائه خلال 24 ساعة ليتم هدمه وتسويته بالأرض.
حلم محمود المتجسّد في بيته، الذي بناه حجرا فوق آخر، وانتظر من دون أن يسكنه حتى موعد زفافه، الذي كان مقررا يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، تحول إلى كابوس لم يكن يخطر له على بال.
محمود ليس بمفرده، إذ قامت السلطات المصرية بحملة أمنية أمس، طافت خلالها على البيوت، التي تقع في منطقة الشريط الحدودي مع غزة في رفح سيناء، وطالبت السكان بضرورة إخلاء مساكنهم في فترة زمنية لا تتجاوز عدة ساعات، تنتهي في التاسعة من صباح اليوم الأربعاء، تمهيدا لإقامة منطقة حدودية عازلة مع قطاع غزة.
القرار، الذي نقله قائد المنطقة العسكرية في شمال سيناء، نزل على رؤوس السكان كالفاجعة، انتشرت حالات الصراخ والعويل بين الأهالي من سكان منطقة الحدود في رفح المصرية، إذ لا توجد أية فرصة للتردد أو الاعتراض، لأن القرار عسكري لا رجعة فيه ، ورد الفعل على أية محاولة للاحتجاج أو عدم الإخلاء سيكون رادعا وشديدا كما قال المسؤولون.
استثمار الحادث
بالطبع جاء القرار بعد مرور ثلاثة أيام على حادث تفجير حاجزين عسكريين في منطقة الشيخ زويد ، شرق شمال سيناء، وهو ما اعتبره السكانن في تصريحات لـ"العربي الجديد"، استثمارا للحادث من قبل السلطات، التي شرعت في عملية إخلاء منطقة الشريط الحدودي من السكان بعمق
اللواء محمد السعدني، رئيس مجلس مدينة رفح المصرية، أكد لـ" العربي الجديد" أن المرحلة الأولى في الترحيل والإخلاء ستبدأ لمسافة
وكشف السعدني عن أن القرار يشمل 680 منزلا في شقه الأول، نطاق الـ 300 متر، تزيد إلى 200 منزل في نطاق الـ 500 متر التالية، ليصبح العدد بكامله 880 منزلا، مضيفا أنه سيتم صرف مبلغ 300 جنيه شهريا (45 دولارا) لمدة 3 أشهر لكل أسرة بدل إيجار شقة في أي مكان، بعيدا عن أماكن الهدم فورا، لافتا إلى أنه سيتم صرف مبلغ التعويض في خلال تلك الفترة للبيوت، التي تم تسجيلها وحصرها من قبل.
"المبلغ السابق لا يكفي لإيجار عشة" يقول الشاب العشريني، أحمد فارس، من سكان رفح، وهو واحد ممن سيفقدون منازلهم، موضحا أن إيجار الشقة المكونة من غرفتين وصالة يصل إلى 700 جنيه مصري (92 دولارا)، وهو ما لا يوجد حاليا في معظم مناطق العريش، التي يسكنها موظفون ولا توجد فيها شقق خالية كافية مما سيرفع سعر تأجير الشقة الصغيرة ذاتها إلى 1000 جنيه (150 دولاراً) .
وبحسب رصد "العربي الجديد" فإن العائلات المتضررة من القرار هي البراهمة والقنبز وقشطة وفارس والنحال.
ويوضح اللواء، محمود عبد اللطيف، قائد المنطقة العسكرية في شمال سيناء، أن تعويض أصحاب المنازل، التي سيتم إخلاؤها في نطاق الـ 300 متر سيكون بقيمة 1200 جنيه عن المتر، بالنسبة إلى المنازل المقامة بالفعل، وسيتم البدء في إزالة المنازل الخالية فورا في المسافة المذكورة، لحين الانتهاء منها والبدء في المرحلة الثانية التي تصل إلى
وأضاف قائد المنطقة العسكرية لـ " العربي الجديد" أنه سترفع حالة حظر التجوال حتى صباح الأربعاء لإتاحة الفرصة للأهالي لتدبير حالهم.
فوضى الترحيل المفاجئ
ووفقا لما رصدته "العربي الجديد" في المنطقة، تسود حالة من الاستياء الشديد بين الأهالي، لضيق المدة الممنوحة لهم للرحيل والإخلاء، والتي لا تتعدى ساعات، بالاضافة إلى عدم وجود تعويض يمكنهم من التصرف واستئجار مسكن مناسب في هذه الفترة كما أنه لا توجد مساكن أو شقق فارغة لتحمل العدد الكبير من الأسر، التي سيتم تهجيرها قسريا وهو ما سيرفع الإيجارات أضعافا مضاعفة بحسب الأهالي.
وحسب شهود عيان تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فإن السكان المهجرين تجمهروا أمام مجلس المدينة للقاء رئيس المدينة وقيادة الجيش، التي صرحت بما سبق ، إلا أن قائد المنطقة العسكرية أخبرهم بأن القرار نهائي ولا رجعة فيه وعليهم عدم تضييع الوقت، والعمل بسرعة على إخلاء منازلهم المتاخمة للحدود في مدة أقصاها التاسعة من صباح الأربعاء.
وتشهد مدينة رفح حاليا حالة من التخبط بين الراحلين، لعدم تمكنهم من تجهيز مسكن بديل، مما دعاهم، تنفيذا للقرار، إلى إلقاء أمتعتهم وعفشهم في المزارع البعيدة وفي مخازن أقاربهم وأصدقائهم في مناطق حي الصفا في عمق المدينة، وهو ما أكده سمير فارس، مدير عام في مديرية التربية والتعليم في شمال سيناء ومن سكان منطقة الشريط الحدودي، والذي قال لـ"العربي الجديد" إن مجموعة من قوات الجيش مرت الثلاثاء، على منازل المواطنين المقيمين على الشريط الحدودي وطالبتهم بإخلاء المنازل خلال مهلة تنتهي في الساعة التاسعة من صباح الأربعاء، مؤكدة سرعة تطبيق قرار إقامة المنطقة العازلة، بدعوى أن ذلك يأتي حفاظا على الأمن القومي.
وأكد فارس أن الجيش ومجلس المدينة في رفح رفضا، خلال التفاوض مع المواطنين، تعويض ملاك المساكن، التي هدمتها قوات الجيش بدعوى تواجد فتحات أنفاق بجوارها أو بداخلها، والتي أكد القائد العسكري أنها خارج نطاق التعويضات لتلك الأسباب.
ويلفت المواطن، محمود منصور الأخرسي، من سكان الشريط الحدودي، لـ" العربي الجديد"، إلى أن المهلة التي حددها القائد العسكري في شمال سيناء لإخلاء المنازل غير كافية مطلقا لإخلائها، وخصوصاً أن عدد من سيقومون بإخلاء منازلهم كبير جدا، ولا توجد شقق فارغة للانتقال إليها، واعتبر أن الجيش لا يعبأ بالمواطنين وأمنهم وأسرهم المكونة من فتيات ونساء وأطفال، لكون القرار صدر دون تدبير منازل ينتقل إليها المواطنون.
وأضاف: "الكثير من المواطنين تتراوح مساكنهم ما بين 60 الى 80 مترا، والتعويض، الذي قرره الجيش للمواطنين عن منازلهم هو مبلغ 1200 جنيه عن كل متر مربع من مساحة الأرض المقام عليها المنزل، دون تعويض المبنى، وهو الأمر الذي سيشكل معاناة كبيرة لمن سيخلون بيوتهم، لكون مبلغ التعويض غير كاف حتى لشراء أرض فقط"، متسائلا "من أين سيبني هؤلاء المواطنون المعدمون مساكن تؤويهم"؟!.
أما المواطن، محمد جميل، والذي يقيم في منزل تم تشييده منذ عامين، بتكلفة وصلت إلى نحو 180 ألف جنيه في منطقة الشريط الحدودي في رفح، فيقول إن "السلطات العسكرية لم تمهل السكان غير مهلة هزيلة مؤكدة أن الجرافات العسكرية ستقوم بتسوية منازلهم بالأرض، على ما بداخلها من أمتعة وأثاث يخص سكانها".
خيارات ضائعة
وكان محافظ شمال سيناء، اللواء السيد عبد الفتاح مبروك، قد عقد اجتماعاً قبل 10 أيام في ديوان عام المحافظة مع 20 شخصا من رموز عائلات وقبائل رفح، لمناقشة قرار إخلاء منطقة الشريط الحدودي مع قطاع غزة، وطرح 3 خيارات للمواطنين لاختيار نوعية التعويض الذي يريدونه، سواء كان مبلغاً مالياً أو قطعة أرض بمقدار مساحة بيته، أو شقة سكنية جاهزة، إلا أن القرار العسكري الأخير جاء مباغتا ولم يطرح أية خيارات للمواطنين، وطالبهم بالإخلاء الفوري خلال 24 ساعة.
وقالت مصادر عسكرية، رفضت ذكر أسمائها، أن مصر ستشرع في إقامة منطقة عازلة وحفر قناة مائية على الحدود مع قطاع غزة، للقضاء على الأنفاق الحدودية، التي تشكل خطرا على الأمن القومي المصري، فور إخلاء مساحة
الساعات تمر سريعا ، والأمر العسكري بالإخلاء لا بد من تنفيذه، والارتباك والهلع سيّدا الموقف وسط السكان، بينما تسيل دموع إياد الشاعر، بعد استلامه قرارا بإخلاء بيته، الذي عاش مغتربا في السعودية قرابة 13 عاما لبناء 4 طوابق تقيم فيها أسرته ووالده ووالدته واثنان من أشقائه، يبحثون كلهم عن مأوى.