منذ تنحي مبارك في 11 فبراير/ شباط 2011، طالب الثوار، بالقصاص لشهداء ومصابي ثورة يناير، ظل غباشي يحاول الحصول على مطلبه في القصاص وتحقيق العدالة الانتقالية، بجانب استكمال أهداف الثورة من عيش وحرية وعدالة اجتماعية، من أجل ذلك شكل غباشي رابطة كان هو منسقها تجمع مصابي وأسر شهداء ثورة يناير.
في يونيو\حزيران 2011 حاول المجلس العسكري احتواء غضب الثوار، أنشأ صندوقا لرعاية أسر شهداء ومصابي الثورة، تحول بعدها إلى مجلس قومي في ديسمبر\كانون الاول من العام نفسه، تم تخصيص ميزانية بلغت نحو 25 مليون جنيه في عام 2012 للمجلس، ارتفعت بعدها إلى 44 مليون جنيه خلال 2014، يؤكد "غباشي" أن المجلس لم يقدم له ولزملائه شيئا خلال السنوات الماضية، لم يسمع سوى كلام دون تنفيذ، وأن حلمه في تحقيق العدالة الانتقالية له ولكل مصابي ثورة يناير تبدد بمرور الوقت.
يتهم غباشي في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد": "رؤساء المجلس القومي السابقين باستغلال المنصب لتحقيق منافع خاصة بهم، تحديدا في ملف علاج المصابين، إذ كانوا يحولون الحالات إلى مستشفيات تابعة لهم".
ظهور مصطلح العدالة الانتقالية
يعرف المركز الدولي للعدالة الانتقالية المصطلح بأنه "مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات".
في مرحلة مرسي تصاعدت مطالب الثوار من أجل تحقيق فكرة العدالة الانتقالية والقصاص، حتى أصبحت العدالة الانتقالية مطلبا أساسيا للمتظاهرين قبيل أحداث الإطاحة بالرئيس مرسي، وهو ما دفع نظام الحكم بعد أحداث 3 يوليو لاستحداث وزارة جديدة لأول مرة، تحمل اسم العدالة الانتقالية، على رأس الوزارة حاليا المستشار إبراهيم الهنيدي، فيما كان أول وزير لها المستشار أمين المهدي.
توالت الأحداث، وسقط ضحايا ومصابون جدد في الفعاليات التي تلت ثورة يناير، تزايد عدد روابط الدفاع عن حقوق المصابين والشهداء الباحثة عن العدالة الانتقالية، إذ بلغت أعداد المصابين خلال الأحداث من ثورة يناير وحتى أحداث مجلس الوزراء نحو 6200 مصاب وما يقرب من 777 شهيدا، وذلك حسب المجلس القومي لأسر شهداء ومصابي ثورة يناير.
ووفق إحصائية لموقع "ويكي ثورة – مسؤول عن توثيق الأحداث بعد ثورة يناير" فإن أعداد القتلى منذ مبارك مرورا بالمجلس العسكري ومرسي وانتهاء بالسيسي تخطت 5000 قتيل بينهم مدنيين وعسكريين،"على الرغم من ذلك لم تصدر وزارة العدالة الانتقالية قانونا للعدالة الانتقالية أو تخطو في إجراءات تحقق هذا الهدف"، كما يؤكد مصاب الثورة المتابع لعمل الوزارة إيهاب غباشي.
إهدار للمال العام
من أجل تقييم أداء وزارة العدالة الانتقالية تتبعت "العربي الجديد" وثائق الوزارة، تكشف مستندات ووثائق حصلت عليها الجريدة أن موازنة الوزارة خلال عامين تخطت 21 مليون جنيه (2.8 مليون دولا أميركي)، وطبقا للبيان المالي لعام 2014- 2015 بلغت الميزانية ما يقرب من 11 مليون جنيه مصري (1.6 مليون دولار)، وفي موازنة العام المالي الماضي 2013- 2014 بلغت الميزانية ما يزيد عن 10 ملايين جنيه (1.4 مليون دولار).
وتكشف بنود الموازنة المكررة خلال عامين من عمر الوزارة المشكلة بعد 30 يونيو/حزيران 2013، إنفاق ما يزيد عن 8 ملايين جنيه (مليون دولار) أجورا للعاملين في كل عام أي ما يساوي 16 مليون جنيه (2.1 مليون دولار) تم إنفاقها على الأجور فقط ، ونحو 800 ألف جنيه لشراء سلع خاصة بالوزارة في العام الواحد، ومليون ونصف المليون تستخدمه الوزارة تحت بند سنوي يسمى بـ"الاستثمارات".
ضياع حلم القصاص
يسيطر شعور بالمرارة على أهالي شهداء ثورة يناير ومصابيها وضحايا الأحداث المتلاحقة لها (محمد محمود وماسيرو وصولا إلى رابعة والنهضة ورمسيس)بعد أن حصل الرئيس المخلوع حسني مبارك على البراءة في قضية قتل المتظاهرين، إذ كانوا يأملون في العدالة الانتقالية والمحاكمة العادلة لمبارك ورموز حكمه حتى يشفي غباشي ورفاقه من ضحايا الثورة غليلهم، وبدلا من ذلك كما يقول فإن "مصروفات محاكمات مبارك ونقله بالطائرة كلفت الدولة مبالغ تجاوزت ما حصل عليه المصابون وأسر الشهداء كتعويضات خلال السنوات الماضية".
يتابع "أي تعويضات لن تجعلني أتنازل عن القصاص أو تحقيق مطالب الثورة، وسنضغط من أجل تحويل القضية لمحاكمة دولية، بعد أن قضت محكمة جنايات شمال القاهرة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعدم جواز نظر دعوى اتهام مبارك بقتل المتظاهرين في ثورة 25 يناير".
ثوار يناير لم يتوقعوا أن الأوضاع ستؤول إلى ما هي عليه الآن، إذ ضاع حقهم، في القصاص والمحكمة العادلة كما يؤكد أيمن حفني أحد مصابي الثورة، قائلا في تصريحات لـ"العربي الجديد": "لأوضاع تتحول من سيئ إلى أسوأ، ورغم أن الدستور الحالي 2014 به بعض المواد التي تلزم الدولة بتحقيق مطالب الثورة والعدالة الاجتماعية وغيرها، فإنه يتم تجاهله والتحايل عليه، وبالطبع لن تتحقق العدالة الانتقالية".
مناخ لا يصلح للعدالة
يعتقد محمد زارع الناشط الحقوقي ورئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي إن المناخ الاجتماعي والسياسي الحالي لا يمكن الحديث فيه عن العدالة الانتقالية وأي جهد في هذا الملف سيبوء بالفشل، مشيرا إلى أن معوقات حدوث العدالة الانتقالية هي كثرة الانتهاكات والفساد والقمع وانتشارالإرهاب والصراعات بين القوى السياسية المختلفة.
ويوضح زارع في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن :"العدالة الانتقالية تحتاج إلى توافق اجتماعي بين القوى المتصارعة والاتفاق على طي صفحة الماضي والاتجاه نحو المستقبل، وهذا يتطلب استقراراً سياسياً واقتصادياً، والمؤسف أننا في مصر لم نطبق من ملف العدالة الانتقالية إلا الاسم فقط، الذي تم إطلاقه على وزارة العدالة الانتقالية".
يؤكد زارع أن الحل القريب لتحقيق ولو جزء بسيط من العدالة الانتقالية -كما يرى- يتمثل في تعويض أهالي الشهداء والمصابين وتقديم المتهمين في قضايا قتل متظاهرين إلى العدالة للقصاص منهم لتقليل الاحتقان وتهدئة الأجواء.
غياب الإرادة السياسية
يرجع أحمد إمام، المتحدث الإعلامي لحزب مصر القوية وعضو المكتب السياسي، سبب تعطيل ملف العدالة الانتقالية في مصر، إلى غياب الإرادة السياسية، مشيراً إلى أنه لا يمكن تحقيق عدالة انتقالية على يد من هو متهم بإهدار العدالة، موضحاً أن "نظاماً قام بالقتل والقمع والسحل لا يمكن أن يحاكم نفسه"، ومؤكداً أنه لن تحدث عدالة طالما أن هذا النظام يحكم والحل في أن تحكم الثورة وتحقق أهدافها.
وأضاف إمام، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "عمل وزارة العدالة الانتقالية لا يمت بصلة إلى العدالة الانتقالية التي نعرفها، وأن اسمها خادع وكاذب، مؤكدا أن الوزارة جاءت من أجل عمل الانتخابات وتمرير القوانين مثل تقسيم الدوائر".
وسخر إمام من إنجازات المجلس القومي لأسر الشهداء والمصابين قائلا " أبرز الإنجازات هو ضم شهداء جدد إلى السابقين وأصبح هدفنا وقف نزيف الدماء وليس تحقيق العدالة"، مضيفا أن المجلس لم ينجز أي شيء على الأرض، والشهداء والمصابون لم يحصلوا على حقوقهم، ليست المادية فقط، ولكن حقوقهم في تحقيق القصاص.
قانون ينتظر البرلمان
قبل فترة أصدرت وزارة العدالة الانتقالية بيانا أكدت فيه أنها لن تقر قانوناً للعدالة الانتقالية، على الرغم من أن وزيرها يشغل منصب مقرر لجنة الإصلاح التشريعي المنوطة بإعداد القوانين التي يصدرها عبد الفتاح السيسي.
عللت الوزارة قرارها أنها ستترك القانون للبرلمان المقبل حتى يضعه نواب الشعب، وأن ما تفعله الوزارة حاليا هو إعداد مشروع قانون ودراسة التجارب المختلفة للعدالة الانتقالية في بعض الدول.
ويبقى القول الفصل في يد البرلمان المقبل حسب المادة 241 من دستور 2014 التي تلزم البرلمان في أول دور انعقاد له، بإصدار قانون للعدالة الانتقالية يتضمن المحاسبة وتعويض الضحايا، "الذين فقد العديد منهم الأمل"، في وزارة" الضحك على الذقون" كما يصفها زياد العليمي قائلا "مفوضية العدالة الانتقالية لا يمكن أن تكون جزءاً من السلطة التنفيذية أو التشريعية أو القضائية، عليها أن تكون مستقلة".