مصر: 118 حالة انتحار في الثلث الأول من 2015

15 مايو 2015
على المجتمع بكل مؤسساته دراسة الظاهرة وعلاجها(GETTY)
+ الخط -

في ظاهرة توضح ما آل إليه المجتمع المصري من تدهور اقتصادي واجتماعي، وتوضح أن الحلول الحكومية لم تصل لأغلبية المواطنين، وأن الحل النهائي لكثير من المواطنين ليس لحل مشاكلهم بل للهروب منها، برزت ظاهرة الانتحار بشكل غير مألوف لدى مجتمعٍ طالما عانى من أزمات اقتصادية واجتماعية كثيرة.

ولم يسبق أن انتشرت هذه الظاهرة بهذا الشكل الكبير في مصر، فخلال الفترة من الأول من سبتمبر/أيلول 2014 وحتى 30 ديسمبر/كانون الأول 2014 كان عدد حالات الانتحار التي رصدتها التنسيقية المصرية للحقوق والحريات 91 حالة، لكن الرقم زاد بنسبة تتجاوز 35 في المائة خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام 2015، فتحول الانتحار من حوادث نادرة فردية إلى ظاهرة تستحق التوقف عندها ورصد متغيراتها، ما يستوجب على كل المجتمع بكافة قطاعاته السياسية والدينية أن يتوقف عند هذه الظاهرة التي باتت تحصد أرواح المصريين ليدرسوا أسبابها وطرق التعامل معها وعلاجها.

وجاء الشباب ليمثلوا النسبة الأكبر من المنتحرين لأسباب مختلفة، أهمها ضيق ذات اليد وظروف المعيشة الصعبة، لكن اللافت للنظر أن محاولتي انتحار تمّتا بين جنود في الجيش أو الشرطة بسبب سوء المعاملة، ويمتلئ الرصد الذي أعدته التنسيقية المصرية للحقوق والحريات بالعديد من الأرقام والحقائق الصادمة، وفق ما يعرضه "العربي الجديد" في هذا التقرير.

بلغة الأرقام

• بعد أن اختُتم شهر سبتمبر/أيلول الماضي 2014 بما يزيد على 16 حالة انتحار، بينها 12 حالة وقعت بالفعل ولم يتم إنقاذها، استمرت نفس الوتيرة من الإقبال على الانتحار في ربوع مصر كلها، حيث رصدت "التنسيقية المصرية" 31 حالة انتحار في الفترة منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول وحتى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2014.

• استمرت الوتيرة في التصاعد، فشملت 118 حالة في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2015، بينها 16 حالة انتحار في شهر يناير/كانون الثاني 2015 بنسبة 13.56 في المائة، بينها محاولة واحدة فاشلة، و15 تمت بالفعل، وفي شهر فبراير/شباط كانت هناك 17 حالة وقعت بالفعل، ولم يتم إنقاذ أي منها بنسبة 14.41 في المائة، وفي شهر مارس/آذار كان عدد الحالات 41 حالة بنسبة 34.75 في المائة، بينها محاولة واحدة فاشلة و40 تمت بالفعل، اقترب العدد نفسه أيضا في شهر إبريل/نيسان فقد استمرت الوتيرة نفسها، حيث شهد 44 حالة 37.29 في المائة بينها 5 محاولات فاشلة، و39 محاولة تمت بالفعل، ما يعني أن أربعة أشهر شهدت 111 حالة انتحار تمت بالفعل بنسبة 94.18 في المائة ولم يتم إنقاذها، بخلاف 7 محاولات تم إنقاذ أصحابها.

وكان الرجال أصحاب العدد الأكبر في حالات الانتحار، حيث بلغ عدد حالات الإناث في الأربعة أشهر 14 حالة فقط بنسبة 11.87 في المائة، بينما بلغ عدد حالات الرجال 104 بنسبة 88.14 في المائة.

وبلغت النسبة الكبرى لحالات الانتحار في شريحة الشباب والمنحصرة في الفئة العمرية ما بين (18 و35 عاماً) حيث بلغت 57 حالة بنسبة 48.31 في المائة، تليها 24 حالة انتحار في شريحة النضوج في العمر ما بين (35 و60 عاماً) بنسبة 20.34 في المائة، تليها 21 حالة مجهولة العمر بنسبة 17.8 في المائة، هذا بخلاف 14 حالة انتحار في شريحة الأطفال والأحداث (ما بين عام وحتى 18 عاماً) بنسبة 11.87 في المائة، كما أن هناك حالتي انتحار في فئة المسنين الأكبر من 60 عاماً بنسبة 1.7 في المائة.

وبذلك يدق هذا التقرير ناقوس الخطر بأن فئة الشباب تعاني من مشكلات خطيرة، حيث بات الانتحار حاضراً لدى تلك الشريحة وبقوة.

أسباب الانتحار

تنوعت الأسباب المؤدية للانتحار بحيث شملت الأسباب النفسية والاجتماعية والمادية، وقد جاءت الأسباب الاجتماعية في المرتبة الأولى، حيث بلغت 33 حالة 27.97 في المائة، وتنوعت ما بين خلافات ونزاعات أسرية، ومشكلات تعليم وخوف وفصل من الدراسة، وكذلك شجارات ونزاعات زوجية، ويرتبط الكثير من تلك النزاعات الاجتماعية بسبب آخر؛ وهو الضيق والأزمات المالية، ولكن بشكل غير مباشر.

تلا ذلك في الترتيب أسباب "غير معلومة" وذلك على نحو غير دقيق، حيث بلغت 29 حالة انتحار لأسباب غير واضحة بنسبة 24.6 في المائة، في حين كانت الأسباب المالية المباشرة سبباً في انتحار 25 حالة بنسبة 21.19 في المائة، وجاء في المرتبة التالية الأسباب النفسية، وهي عادة تعني الاكتئاب والضيق النفسي والغضب العارم، وهو أيضا ما يرتبط بشكل أو بآخر بالشجارات والنزاعات الأسرية وبالأزمات المادية، حيث بلغ العدد في هذا البند 23 حالة بنسبة 19.5 في المائة.

• وهناك أسباب أخرى ربما هي غريبة بعض الشيء، تتعلق بالظلم الحكومي والأوضاع السياسية في البلاد، حيث انتحر 8 أفراد لهذا السبب بنسبة 6.78 في المائة، وتنوعت ما بين انتحار 3 سجناء أحدهم في إحدى دور رعاية الأحداث، وكذلك انتحر شخص لرفض المحافظ مقابلته، كما أقدم على الانتحار اثنان من المجندين (أحدهما تم إنقاذه) نتيجة سوء الأوضاع في مؤسسة الخدمة العسكرية أحدهما مجند بالأمن المركزي، والآخر بالقوات المسلحة، ما يعني ضرورة النظر في نظام التجنيد والأسباب التي تؤدي بالمجندين لهذا الوضع، لا سيما أنها ليست الأولى من نوعها، بل كانت هناك حالة انتحار في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2014 وكانت لمجند أيضا في الخدمة العسكرية.

• أما عن المدخل المهني، فقد رصدت التنسيقية تساوياً بين فئتي العمال والطلاب، حيث بلغ عدد الحالات في كل منهما 21 حالة بنسبة 17.8 في المائة، ما يعني أن فقدان الأمل وعدم الرغبة في مواجهة الصعوبات وكثرة أزمات الحياة ومشكلاتها تساوى فيها طالب العلم مع العامل البسيط الذي ربما لا يكون صاحب أي شهادة من الأساس. تأتي في المرتبة التالية فئة عمل "أخرى" وقد شملت ربة المنزل، والرجل المتقاعد، وكذلك مجندي الجيش والأمن المركزي مثل المجند بالقوات المسلحة الذي شنق نفسه لرفضه العودة إلى موقعه بالإسماعيلية، والمساجين.

وبلغ عدد الحالات هنا 20 حالة بنسبة 16.95 في المائة، تلتها بعد ذلك فئة "الموظف"، وهو أمر طبيعي نظراً لضعف دخله وكثرة الشدائد المالية، ومن ثم المشكلات الأسرية المترتبة عليها، وبلغ العدد هنا 15 حالة بنسبة 12.72 في المائة، ثم جاء بعد ذلك فئة "عاطل" وذلك بعدد 6 حالات بنسبة 5.9 في المائة، تلتها فئة "المهني" مثل الطبيب والمهندس حيث بلغ 4 حالات بنسبة 3.4 في المائة.

واحتلت القاهرة والجيزة ومحافظات الدلتا النسبة الأكبر في رصد عدد حالات الانتحار، حيث بلغت 63 حالة 53.4 في المائة، تلاها بعد ذلك الصعيد بعدد 31 حالة بنسبة 26.3 في المائة، ثم مدن القناة والوجه البحري حيث بلغت 16 حالة بنسبة 13.56 في المائة، أما فئة "غير معروف" فلم تزد على 8 حالات فقط بنسبة 6.78 في المائة.

والمتتبع للحالات السابقة يرى أن الأوضاع الراهنة التي تعاني منها البلاد منذ 3 يوليو/تموز وحتى الآن، قد مارست تأثيرها السلبي على أحوال الناس المعيشية والاقتصادية وحتى النفسية والاجتماعية بدرجة كبيرة، ما أدى إلى مراودة فكرة الانتحار للكثيرين، واعتبارها حلاً نهائياً لكل من يعانون من أزمات نتيجة فقدان الأمل، وعدم انتظار أي حلول للأوضاع الراهنة على اختلافها، وهو ما أكدته مصادر خاصة للتنسيقية من أن هناك يومياً ما بين من 5 إلى 6 حالات انتحار تصل إلى مستشفى قصر العيني، ما يؤكد أن محاولات الانتحار التي يتم إنقاذها أكثر بكثير مما يتم تسجيله وتدوينه.


اقرأ أيضاً:مصر.. انتحار طفلة وشاب بالقاهرة

المساهمون