مصر.. منتدى الشباب وخطاب الثورة المضادة

10 نوفمبر 2018

السيسي في منتدى الشباب.. ضد ثورة يناير (2/11/2018/فرانس برس)

+ الخط -
اختتم منتدى شباب العالم الثاني في مصر، بحضور خمسة آلاف شاب من 160 دولة، نفذ المؤتمر توصية لأحد مؤتمرات الشباب، لتعلن الدولة المصرية أنها تمثل حاضنة للحوار ليس وحسب لشبابها، ولكن للشباب من مختلف القارات، تركزت موضوعات المنتدى حول عدة قضايا، أبرزها التنمية والسلام والنزاعات والإرهاب والاتصالات.
لم تغيّب القضايا المحلية المرتبطة بالواقع المصري عن المؤتمر، على الرغم من أجندة المؤتمر ذات الطابع الدولي، بل وظفت تلك القضايا لصالح تسيّد رؤية النظام المصري في ما يتعلق بقضايا الحريات وآثار التطور التكنولوجي وثورة الاتصال ومخاطر الإرهاب والنزعات المسلحة في المنطقة العربية. كانت غالبية المعالجات تصب لتسيد ثقافة الخوف، ومحاصرة حرية الرأي والتعبير في مصر، على الرغم من تقلص مساحتها، وهذا ما تبدى واضحا في جلسات مناقشة آثار الشبكات الاجتماعية ومخاطرها، أو في ما يتعلق بالأسئلة بشأن الديمقراطية أو الحقوق المدنية.
كان التركيز على القضايا الدولية يرتبط بهدفين. يتعلق الأول بالسياق العام للمؤتمر، من حيث الحضور وجدول الأعمال. وارتبط الثاني بمحاولة الهرب إلى الأمام، وتجاوز مناقشة القضايا المحلية، وملفات الأزمة، كالوضع السياسي وملف الحريات والحقوق الاجتماعية والاقتصادية. كما اتخذ المؤتمر طابعا ثقافيا، يحلّق بالشعارات والكلمات العمومية، حول السلام وثقافة الحوار والتعايش، وكان المؤتمر يقام في مقر الأمم المتحدة.
كان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في المنتدى أكثر وضوحا في الخطاب، وحاسما في طرح رؤيته في عدة قضايا، أبرزها الموقف من ثورات الشعوب العربية وانتفاضاتها، فقد
اعتبرها وبشكل حاسم سببا لكل النزاعات في المنطقة، ومصدرا للتخريب والإرهاب، ومعولا لهدم الأوطان. اعتبرها، وبدون مؤاربة، انتحارا قوميا، وسببا في الضعف النسبي لقوة الدول العربية. إذن، لم تعد ثورات الربيع العربي ثورات، ولا ثورة يناير ثورة، كما كان يقول ويُغضب مؤيديه من أنصار الثورة المضادّة، لم تعد حدثا ملتبسا في التوصيف والتأويل، ولا حتى ثورة كادت تعصف بالبلد، كما وصفها من قبل. انتهت الخطابات التي تحاول إرضاء الجميع، بعض أنصار الثورة الذين أيدوه، أو معارضيها الذين روأ فيه منقذا لوجودهم.
لم يكن هذا الخطاب مستغربا، إلا لدى من كانوا يعتبرون نظام "30 يونيو" امتدادا لثورة يناير واستكمالا لها، أو أن النظام الحالي يقدر تضحيات الشعب، من أجل تحرير إرادته، وبناء دولته التي كانت تغرق في الفساد والاستبداد أيام حسني مبارك. لم تعد حتى ثورة يناير، كما قيل قبل أسبوعين، علاجا خاطئا لتشخيص خطأ، بل هي وغيرها من ثورات وانتفاضات الخطأ بعينه، والأزمة في حد ذاتها.
انتهت، إذن، فترة المراوحة بين الثورة والثورة المضادّة، وأصبح كل ما ينتمي ليناير قولا وفعلا مجرّما، بحكم هذه الرؤية. ليس هذان الصراحة والوضوح في الموقف من الثورة صادمَين إلا لصفوف المؤيدين للسلطة، والذين كانوا يرون في نظام "30 يونيو" استكمالا لثورة يناير. أما المتابعون، بإنصاف وموضوعيةٍ، مجريات الأمور والسياسات التي تطبق على المستويين، السياسي والاقتصادي، فيدركون عمق الأزمة، ولمن تنحاز السلطة، فهناك تضييق على الحريات، وإماتة للسياسة، وإصلاح اقتصادي، يثقل كاهل أغلب المصريين. يعرف هؤلاء جيدا أن النظام الذي تشكّل بعد "30 يونيو"، وقفز إلى السلطة، مستغلا الحراك الشعبي المناهض للإخوان المسلمين، مناقض لثورة يناير وأهدافها.
يعتبر وضوح هذا الخطاب، مقترنا بالسياسات التي تترجمه، آخر جرس تنبيهٍ لمن ما زالوا يتعشّمون الخير في أن ينفذ النظام الراهن في مصر مهام التغير على أرضية ثورة يناير، أو من يتوهمون أنه سيتعلم من التجربة والخطأ كتجربة جمال عبد الناصر، أو سيستفيد من تجربة إسقاط المصريين حكمَي مبارك والإخوان المسلمين، فليس للنظام علاقة بثورة يناير، ولا يعتبرها ثورة بالأساس، وسياساته نقيض لمبادئ هذه الثورة في تحقيق الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية، بل هو نقيض لها، وينتقم منها، ويسلب أبناءها الحرية على دفعاتٍ، لكي يستمر الخوف. وهنا ليس غريبا أن يستمر حبس ثلاث من نخب ثورة يناير، السفير معصوم مرزوق ويحيى القزاز والباحث الاقتصادي رائد صلاح. وكذلك تتالي حملات القبض على الشباب، ومنهم أخيرا الشاب الاشتراكي الثوري، الناشر أيمن عبد المعطي، من مقر عمله في دار مرايا، أو القبض على شادي الغزالي وآخرين على ذمة القضية 621 أمن دولة بتهمة نشر أخبار كاذبة. وتتم إعادة حبس محمد عادل ببلاغات معدّة مسبقا، أو استدعاء قيادات حزب 
العيش والحرية اليساري (تحت التأسيس) بشكل متكرّر، كما حدث مع القياديتين، إلهام عيدروس وسوزان ندا، أو يصبح المحامي العمالي، هيثم محمدين، ضيفا في السجون بشكل متكرّر منذ أربع سنوات، بل يتم حتى حبس العناصر الأكثر هدوءا وطواعية، ومنهم للموعظة غير الحسنة المدافعون عن النظام، مثل عبد الحليم قنديل الذي لم يشفع له تحوله من معارضة حسني مبارك إلى تأييد مرشح مبارك ووريثه عبر المؤسسة، وعبر تنفيذ سياسات مباركية، وهو الذي كان يهتف خلف المناضل اليساري (المطلق سراحه أخيرا من سرايا النيابة) كمال خليل من قبل، "لا لمبارك أب وابن". وما زال القوس مفتوحا لمؤيدين آخرين، ربما تقودهم جلسات الفضفضة بعيدا عن مقالات الصحف وشاشات التلفزيون إلى المحاكمة الهزلية في قضية سابقة أيام الحراك الشعبي.
اقترنت، في منتدى الشباب، منطلقات تجريم الثورات العربية بتجريم الحق في التعبير، وتبرير الظروف المعيشية القاسية بسبّ هذه الثورات، بل والمطالبة بالقبول بها، وعدم التململ منها أو التفكير حتى في الثورة ضدها، والتذكير بمصائر بلادٍ أخرى عصفت بها الصراعات، أو بإشارة واضحة إلى الثورات.
اتّسع المنتدى لشعارات السلام وثقافة الحوار والاختلاف وقبول الآخر، لكن كل هذه الشعارات مفتقدة، فلا حوار قائما ولا إمكانية لوجوده، في ظل سلطةٍ ترى بيدها الفعل والأخذ والعطاء، وامتلاك الحقيقة المطلقة. وحين يسأل عن موقع تلك القيم عمليا فى مصر، تكون الإجابات الجاهزة والمكرّرة، والمعروفة من السلطوية وكتبها والمدافعين عنها، عن الخصوصية والمحلية، وعدم تناسب الديمقراطية في مجتمعاتنا. وحين يتم التطرّق إلى الحريات، يحدثونك عن ضرورة إقرار الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وإتاحتها أولا، وكأن هناك تضاربا بينهما، أو أن الحريات لا تستقيم مع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أو تعطلها. وعلى الرغم من التعلل بأولوية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية عند الحديث عن ملف الحريات، فإنه لا ديمقراطية تحققت في مصر، ولا عدالة قائمة، بل أصبحت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية أكثر بؤسا، لذا يصبح الحديث عن أسبقية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية مجرّد مناكفةٍ، لا معنى لها، ولا تقنع أحدا.
D75BB17B-0520-4715-86EC-B6995DA95615
عصام شعبان

باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة القاهرة، أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير، عضو المجلس الأعلى للثقافة لدورتين متتالتين، عضو شعبة العلوم الاجتماعية. أحد كتاب الرأى في صحيفة وموقع "العربي الجديد".يقول: "نفعل كما يفعل السجناء، نربي الأمل".