تصعّد السلطات المصرية معركتها ضد قيادات مشيخة الأزهر، على خلفية الصدام الذي وقع في فبراير/شباط الماضي، بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهيئة كبار العلماء، بقيادة الشيخ أحمد الطيب، بعدما طلب الأول عدم ترتيب الآثار القانونية الواقعة على الطلاق الشفهي إلا من خلال التوثيق، وهو ما رفضته، قطعاً، قيادات الأزهر، وشيخه. وفي هذا السياق، أعلن عضو ائتلاف الغالبية النيابية في مصر، محمد أبو حامد، أمس الثلاثاء، عن انتهائه من تعديل تشريعي خاص بقانون تنظيم الأزهر، وتقديمه إلى أمانة البرلمان رسمياً غداً الخميس، بعد استيفاء شرط جمع توقيعات أكثر من عُشر أعضاء مجلس النواب. ويهدف مشروع قانون أبو حامد إلى الإطاحة بشيخ الأزهر، أحمد الطيب، من منصبه بشكل تدريجي، وتحجيم استقلال مشيخة الأزهر، من خلال فرض سيطرة رئيس الجمهورية وأجهزته الاستخباراتية على طريقة اختيار هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية.
ونصّت المادة السابعة من الدستور المصري على أن "الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية. وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، ويُنظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء". ووفق تعديل أبو حامد، فإن شيخ الأزهر سيترأس المجلس الأعلى للأزهر، وهيئة كبار العلماء، أما مجمع البحوث الإسلامية فيترأسه رئيس جامعة الأزهر، مع عدم انفراد هيئة كبار العلماء بإجراءات اختيار شيخ الأزهر، عند خلو منصبه، سواء في حالة اختيار ثلاثة من هيئة كبار العلماء، أو عند إجراء الاقتراع السري لاختيار أحدهم. وأشار التعديل المقترح إلى تحديد مدة ولاية شيخ الأزهر بثماني سنوات، مع جواز التقدّم بفترة ولاية ثانية، بشرط أن يعاد اختياره ضمن الثلاثة الذين يجرى الاقتراع السري لاختيار واحد منهم، وأن يحصل على أعلى الأصوات أثناء الاقتراع السري.
ونصّ التعديل على "تدعيم وحدة المناهج، والبحث، والترجمة في مجمّع البحوث الإسلامية، وتكليفها بإجراء مراجعة شاملة، ودورية لمناهج الأزهر، وأية إصدارات دينية إسلامية، ومنع أي أفكار قد تتضمنها هذه المناهج أو الإصدارات إذا ما تعارضت مع جوهر الدين أو مصالح المجتمع، أو تهدد أمنه واستقراره ووحدته". كما أشار إلى "تحقيق استقلالية كاملة لجامعة الأزهر عن المشيخة، بما يضمن لها الحيادية العلمية كهيئة علمية مستقلة، وتفريغ الأزهر لدوره الدستوري، في حفظ الدين، والدعوة له في مصر والعالم، والحفاظ على اللغة العربية، ونقل تبعية الكليات العلمية من جامعة الأزهر إلى المجلس الأعلى للجامعات".
وكان حزب "الوفد" المصري قد شدّد في بيان صادر عن هيئته العليا البرلمانية، في مارس/آذار الماضي، على دعمه الكامل للأزهر، وشيخه، في مواجهة محاولات النيل من استقلاله، مطالباً مجلس النواب باحترام المادة السابعة من الدستور، التي نظمت طريقة اختيار هيئة كبار علماء الأزهر. ورفض الحزب محاولات أي من السلطة التشريعية أو التنفيذية للتدخل في أي شأن من شؤون الأزهر، أو المساس بلوائحه، وكل ما ينظم شؤونه، قائلاً في نص بيانه: "لقد ظل الأزهر على مدار ما يزيد عن ألف عام منارة للإسلام الصحيح بتسامحه، وقبوله بالآخر، فمواجهة الفكر المتطرف تحتاج إلى وسائل لنشر الخطاب الديني المجدد".
كما تقدّم البرلماني المستقل، سمير غطاس، ببيان عاجل إلى رئيس البرلمان، علي عبد العال، أعرب فيه عن "أسفه الشديد لما يتعرض له الأزهر من هجمة شرسة ومشبوهة، تستهدف المساس والنيل من مكانة إمامه الأكبر"، مؤكداً أن "بعض نواب البرلمان جرى تجنيدهم لهذه الحملة الممنهجة من المتاجرين بدعم الدولة".
في سياق موازٍ، تعمل لجنة التشريع في وزارة العدل، وإدارة التشريع في مجلس الوزراء، على إعداد مقترحات تشريعية لإعادة وضع الأزهر إلى ما كان عليه قبل إدخال تعديلات على قانونه في العام 2012، وضعتها هيئة كبار العلماء آنذاك، بإجماع آرائها، وحظيت بتأييد واسع بين علماء الدين الإسلامي، والأوقاف. وترتكز تعديلات حكومة السيسي على تحديد سن لتقاعد شيخ الأزهر بوصوله إلى السبعين عاماً، ليجد شيخ الأزهر الحالي، البالغ من العمر 71 عاماً، نفسه خارج المنصب بمجرد إقرار البرلمان للتعديل التشريعي، علماً بأن هيئة كبار العلماء، سبق أن رفضت بغالبية الأعضاء عامي 2012 و2014 وضع نص قانوني بسن تقاعد شيخ الأزهر. كما تشمل المقترحات إعادة سلطة رئيس الجمهورية في اختيار شيخ الأزهر من بين أعضاء هيئة كبار العلماء، أو مجمع البحوث الإسلامية، أو أساتذة جامعة الأزهر، كما كان الوضع منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وإلغاء النظام القائم بانتخاب هيئة كبار العلماء شيخ الأزهر، ويقر رئيس الجمهورية اختيارها من دون اعتراض أو ملاحظات.