بدأت الانتقادات لبعض مواد لجنة إعداد اللائحة الجديدة لمجلس النواب المصري، قبل عرضها للبرلمان، بسبب مخالفات بدت واضحة لنصوص دستورية. وقلّصت اللجنة عدد موادها إلى 391 مادة، موزعة على 14 باباً، بدلاً من 419 مادة في اللائحة السابقة، بعد حذف مواد مجلس الشورى، الغرفة الثانية للبرلمان، الملغاة وفقاً للتعديلات الدستورية الصادرة مطلع عام 2014.
وتعقد اللجنة اجتماعاً أخيراً لها، اليوم الأربعاء، لإقرار الصياغات النهائية لمشروع اللائحة، تمهيداً لعرضه في الجلسة العامة للبرلمان، يوم السبت المقبل، لإقراره من حيث المبدأ، وإرسال المشروع إلى مجلس الدولة لمراجعة مواده، ثم إقراره بشكل نهائي في جلسة لاحقة.
واستحدثت اللجنة عدداً من المواد، أبرزها تقديم طلب اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية مرة واحدة خلال المدة الرئاسية، وإيقافه عن عمله في حال ثبوت اتهامه بالخيانة، مع تولي رئيس الحكومة مهامه حتى إجراء انتخابات رئاسية جديدة. كما منحت أعضاء المجلس حق طلب إعفاء رئيس البرلمان أو وكيليه من مناصبهم، في حال الإخلال بالتزاماتهم، بشرط موافقة ثلثي النواب.
زيادة مكافآت النواب
ونصّت اللائحة على تقاضي النائب مكافأة شهرية قدرها خمسة عشر ألف جنيه (نحو 1900 دولار أميركي)، تزداد بنسبة 10 في المائة سنوياً، مُعفاة من كل أنواع الضرائب. ويُحدد مكتب المجلس بالاشتراك مع اللجنة العامة، المبالغ التي يتقرر صرفها للأعضاء كبدلات لتغطية نفقاتهم، على ألا يزيد مجموع ما يتقاضاه النائب عن الحد الأقصى للأجور (المحدد بمبلغ 42 ألف جنيه أي نحو 5400 دولار).
ويُعدّ النص مخالفاً للمادة 34 من قانون مجلس النواب، التي نصّت على أن "يتقاضى عضو مجلس النواب مكافأة شهرية قدرها خمسة آلاف جنيه، تستحق من تاريخ أداء العضو اليمين، ولا يجوز أن يزيد مجموع ما يتقاضاه العضو من المجلس تحت أي مسمى عن أربعة أمثال المبلغ المذكور".
وكانت "العربي الجديد" قد نشرت تقريراً قبل أسبوعين تحت عنوان "البرلمان المصري يتّجه لمضاعفة قيمة بدلات النواب". ونصت اللائحة السابقة على مكافأة ثابتة تبلغ سبعة آلاف جنيه (نحو 900 دولار) شهرياً لعضو البرلمان، فضلاً عن بدل 150 جنيهاً للجلسة العامة الواحدة، و75 جنيهاً عن حضور اللجنة النوعية أيام انعقاد الجلسات، و100 جنيه في غير أيام الانعقاد، بإجمالي 12 ألف جنيه شهرياً (متوسط) (نحو 1500 دولار).
ومنحت اللائحة صلاحيات واسعة لرئيس البرلمان، تتعلق بمناقشة القوانين، ودعوة اللجان للانعقاد، ومنح الكلمة للنواب، على أن تقتصر هيئة المكتب على الرئيس، والوكيلين، وينتخبهم الأعضاء في أول اجتماع لدور الانعقاد السنوي بالأغلبية المطلقة لعدد الأصوات الصحيحة، مع عدم جواز انتخاب الرئيس أو أحد الوكيلين لأكثر من فصلين تشريعيين متتاليين. ويضع مكتب المجلس جدول أعمال الجلسات، مع مراعاة أولوية إدراج مشاريع القوانين المقدمة من الحكومة التي انتهت اللجان المختصة من مناقشتها.
لجنة القيم
تتألف لجنة القيم من 14 عضواً، نصفهم على الأقل من غير المنتمين للحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد المجلس، وتختص بالنظر فيما ينسب إلى الأعضاء من مخالفات تشكل خروجاً على القيم الدينية أو الأخلاقية أو الاجتماعية، أو الإخلال بواجبات العضوية. وتستمع اللجنة إلى دفاع العضو، ولها اقتراح حفظ الموضوع المحال إليها، أو اقتراح توقيع إحدى العقوبات البرلمانية.
واستحدثت اللائحة مدوّنة للسلوك البرلماني، تتضمن العقوبات التي تُفرض على عضو البرلمان الذي يثبت إخلاله بواجبات العضوية، أو ارتكابه فعلاً من الأفعال المحظورة، وتتضمن: اللوم، والحرمان من الاشتراك في وفود المجلس، ومن أعمال المجلس مدة قد تصل إلى عشر جلسات، أو إلى نهاية دور الانعقاد، وأخيراً إسقاط العضوية.
ويفرض المجلس على النائب إحدى العقوبات إذا ثبت ارتكابه: إهانة رئيس الجمهورية بالقول أو المساس بهيبته، أو إهانة المجلس أو أحد أجهزته البرلمانية، أو استخدام العنف داخل حرم المجلس ضد رئيسه أو رئيس الحكومة أو أحد أعضائها أو أحد أعضاء المجلس.
اقرأ أيضاً: 5 أزمات تنتظر البرلمان المصري
إرضاء الأحزاب بزيادة اللجان
ومن اللافت أن لجنة إعداد اللائحة الجديدة، وسّعت من تشكيل اللجان النوعية، إرضاء للأحزاب والائتلافات الطامعة في مناصب لقياداتها، في ظل الخلافات التي ظهرت مبكراً بشأن رئاسة ووكالة اللجان، وزادت اللجان إلى 28 لجنة، بدلاً من 19 لجنة سابقة، بعد استحداث لجان للشؤون الإفريقية، والنزاهة والشفافية، والتعليم العالي، والتضامن الاجتماعي، والسياحة والآثار، والثقافة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والمشروعات الصغيرة.
ومنعت اللائحة ممثلي الصحافة، وغيرها من وسائل الإعلام، من حضور اجتماعات اللجان، إلا بإذن من رئيسها. كما منحت اللائحة لكل عضو مستقل، أو حزب حاصل على مقاعد، الاتفاق على تشكيل ائتلافات برلمانية فيما بينهم، من خلال توقيع أعضاء مجلس النواب المكونين للائتلاف على وثيقة سياسية، تتضمن اسم الائتلاف، ونظامه الأساسي، بشرط عدم تأسيس ائتلافات على أسس فئوية أو طائفية أو قبلية.
كما لا يجوز تشكيل ائتلاف إلا من عشرين في المائة من أعضاء المجلس (120 نائباً) من خمس عشرة محافظة، ثلاثة أعضاء على الأقل من كل محافظة، وترشحوا على مقاعدها. وتعليقاً على هذا الموضوع، يقول النائب المستقل هيثم الحريري، إن المادة "مفصّلة على مقاس ائتلاف دعم مصر"، المعروف بعلاقاته بأجهزة الدولة الأمنية، لافتاً إلى أن اللائحة نصّت على تشكيل الهيئة البرلمانية من خمسة أعضاء، في حين وضعت نصاً تعجيزياً بتشكيل الائتلاف من خلال 120 نائباً على الأقل، موزعين بطريقة جغرافية، لقطع الطريق تماماً على تشكيل ائتلافات موازية لائتلاف "دعم مصر". ويشير الحريري في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن النص يشوبه عدم الدستورية، لأنه أحدث تمييزاً واضحاً، وهدف إلى القضاء على التعددية الحزبية التي نصّ عليها الدستور.
سحب الثقة
واستحدثت اللائحة طلب اقتراح بسحب الثقة من رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، موقّعاً عليه من أغلبية الأعضاء، ولا يجوز تقديمه لذات السبب خلال المدة الرئاسية إلا مرة واحدة. ويصدر قرار المجلس بالموافقة على اقتراح سحب الثقة من الرئيس بأغلبية ثلثي أعضائه. ويُقدَّم طلب اتهام رئيس الوزراء أو أحد الوزراء، بالخيانة العظمى، كتابةً إلى رئيس المجلس، وموقّعاً من أغلبية أعضاء البرلمان، متضمناً الأفعال التي بُني عليها الاتهام، ويُحال الطلب إلى النائب العام خلال يومين للتحقيق، وفقاً للقانون المنظم. ويصدر قرار المجلس بالموافقة على طلب اتهام عضو الحكومة بأغلبية ثلثي أعضائه.
مخالفة "تمديد الطوارئ"
يتطلب إعلان الحرب، أو إرسال القوات المسلحة في مهمة قتالية إلى خارج حدود البلاد، موافقة أغلبية ثلثي المجلس، وكذلك عدم تمديد حالة الطوارئ لأكثر من ثلاثة أشهر، وهو ما تجاوزه الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي بقرار تمديد الطوارئ للمرة السادسة في سيناء، بمباركة رئيس مجلس النواب علي عبد العال، الذي رفض التصويت على القرار في مخالفة للدستور، بزعم أن القرار صادر قبل انعقاد المجلس، علماً بأنه لا يزال سارياً بعد انعقاده.
ويقول النائب عن دائرة الشيخ زويد، إبراهيم أبو شعيرة، إن استمرار تمديد الطوارئ في مناطق بسيناء "غير دستوري"، وفُرض على النواب من رئيس المجلس، من دون فتح باب المناقشة، أو التصويت على القرار. ويؤكد أبو شعيرة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن قرار التمديد الأخير "باطل"، طالما لم يحظَ بموافقة أغلبية ثلثي الأعضاء، لأن قرار رئيس الجمهورية صدر والمجلس منعقد.
تعديل الدستور والموافقة على الاتفاقات
ونصت اللائحة على تعديل الدستور بناء على طلب رئيس الجمهورية إلى البرلمان، على أن يتضمن الطلب تحديد المواد المطلوب تعديلها، وأسباب التعديل، ومبرراته. ويعقد المجلس جلسة خاصة خلال أسبوع لعرض الطلب، وإحالته إلى اللجنة العامة، وإعداد تقرير عنه خلال خمسة عشر يوماً. وإذا لم يحز طلب التعديل على قبول أغلبية أعضاء البرلمان، يعلن رئيس المجلس رفض الطلب، ولا يجوز إعادة طلب تعديل المواد ذاتها قبل حلول دور الانعقاد التالي.
من جهة أخرى، ألزمت اللائحة رئيس الجمهورية، بعرض المعاهدات والاتفاقات الدولية على المجلس، الذي له حق الموافقة عليها أو رفضها أو تأجيل النظر خلال مدة لا تتجاوز 60 يوماً. وقال رئيس حزب "الإصلاح والتنمية" محمد أنور السادات، إنه تقدّم ببيان عاجل إلى رئيس المجلس، موجّه إلى كل من رئيس الحكومة شريف إسماعيل، ووزير المالية هاني قدري، ووزيرة التعاون الدولي سحر نصر، بشأن عدم عرض الحكومة اتفاقيات القروض، والمنح التي أبرمتها مع الدول والمؤسسات الأجنبية في غياب البرلمان. وأوضح السادات، أن عدم عرض تلك الاتفاقيات مخالفة صريحة لنص المادة 127 من الدستور، التي تنصّ على "عدم جواز اقتراض السلطة التنفيذية، أو حصولها على تمويل، إلا بعد موافقة مجلس النواب"، لافتاً إلى خوف الحكومة من رفض بعضها، وما له من تداعيات على خطتها المالية.
كما استحدثت اللائحة مادة تنصّ على تقديم الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية تقارير سنوية إلى كل من رئيس الجمهورية، ومجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، فور صدورها. وعلى البرلمان اتخاذ الإجراء المناسب حيالها في مدة لا تتجاوز 4 أشهر من تاريخ ورودها. وتُبلّغ تلك الهيئات سلطات التحقيق المختصة بما تكشفه من دلائل على ارتكاب مخالفات، أو جرائم، وفقاً لأحكام القانون.
اقرأ أيضاً: لجنة لائحة "النواب المصري" تتراجع: تشكيل الائتلافات بـ120 نائبا