مصر دولة وشعب لا شركة مقاولات

31 مارس 2016
+ الخط -
أجرى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، التغيير الوزاري الرابع، بعد صعوده إلى الحكم بشكل رسمي. الظروف القائمة حكمت وعجلت بالتعديل، إلا إنه لم يخرج عن منهج وطريقة تفكير السلطة وانحيازاتها.
شكلت الأزمة الاقتصادية المتفاقمة العامل الأساسي في التعديل الوزاري. لذا، شمل وزارات المجموعة الاقتصادية، بالإضافة إلى وزارة السياحة والقوى العاملة ووزارة العدل، وجاء التغيير أيضاً مرتبطاً بملفات الأزمة الاقتصادية، إلى جانب أزمة سد النهضة، وتراجع قطاع السياحة، وهي أزمات تفاقم من العجز في إدارة الدولة المصرية، وتُحدث سخطاً عاماً، حاول التعديل تجاوزه، وإن كان بشكلٍ يغير الوجوه، ويتجاهل المنهج والسياسات المطبقة لمعالجة تلك الملفات.
اقتصادياً، لم تشهد مصر تدهوراً بهذا القدر، فمعدلات التضخم ترتفع بشكل متصاعد، فتكرّس المعاناة على القطاعات الشعبية، بل تطاول الزيادة المتلاحقة لأسعار الخدمات والسلع شرائح اجتماعية من الطبقة الوسطى، أيدت معظمها السيسي، طمعاً في الاستقرار، كما انهار الاحتياطي النقدي، ليصل إلى أقل معدل له منذ اندلاع الثورة، ليصبح 16.533 مليار دولار في شهر مارس/ آذار الجاري. واستمرت أزمة الموازنة، بما فيها من خللٍ بين المصروفات والموارد المالية، نتاج تراجع إيرادات قطاع السياحة وقناة السويس، وإذا أضفنا ارتفاع الواردات في مقابل الصادرات المصرية التي انخفضت، أخيراً، سوف ندرك حجم الأزمة المالية التي انعكست على الديْنين، الخارجي والمحلي. بالطبع، هناك خلل بنيوي في الاقتصاد المصري، لكن بجانب هذا الخلل المتوارث، تؤدي سياسات السلطة إلى زيادة الأزمة.
تقف عدة عوامل وراء تدهور أوضاع السياحة الملحوظ، فإدارة الدولة هذا الملف مازال يتم اعتماداً على أساليب تقليدية، لا تحقق تحسناً في إيرادات السياحة، إضافة إلى أن عدم استقرار الأوضاع والأخطاء الأمنية الجسيمة وقفت وراء تراجع موارد السياحة، فحادثة مقتل السياح المكسيكيين وسقوط الطائرة الروسية ومقتل الباحث الإيطالي، جوليو ريجيني، جعلت صورة مصر أكثر عتامةً وطرداً للسياحة.
من هذه المنطلقات، أتى التغيير مركزاً على الوزارات الاقتصادية، وقف خلف التعديل تصورٌ يرتكن على مفاهيم "الشطارة"، وأن الوزراء السابقين أخفقوا نظراً لتواضع إمكاناتهم لا فشل سياساتهم. وهذا المنهج لا يعالج جذور الأزمة بالطبع، حيث يقصُرها في تصوراتٍ مفادها بأننا نحتاج وزراء نشطين، لديهم كفاءة في الإدارة، وهذا التصور هو الأساس في أن يطلب من رئيس الوزراء أن يكون حفاراً أو بلدوزراً، وكأننا في شركة مقاولات.
كما كشف التعديل الوزاري عن وجه السلطة وسياساتها الاقتصادية والاجتماعية مستقبلاً، حيث
أعاد وزارة قطاع الأعمال المنوطة بإدارة الأصول الإنتاجية والشركات الخدمية، وهي الوزارة التي نفذت مشاريع بيع الشركات وتصفيتها. وإذا حللنا خلفية الوزراء الجدد وتوجهاتهم، سوف تكتمل الصورة، فقد عادت السلطات المصرية بالاستعانة برجال الأعمال، ليشغلوا مواقع اتخاذ القرار، فمعظم الوزراء الجدد، إما رجال أعمال، أو شغلوا مناصب عليا في إدارة شركات ومؤسسات اقتصادية مملوكة لرجال الأعمال. هكذا تُدار مصر، وكأنها شركة خاصة، تستهدف الربح، فالسلطة في مصر، منذ الثورة، يغلب عليها تصوّر أن إصلاح الخلل في إدارة الدولة يحتاج خبرات مديري الشركات، لتولي إدارتها، يتسق التعديل الوزاري مع هذا التصور، كما يحمل رسالةً لرجال الأعمال أن القادمين إليكم منكم، وأنتم منهم، يستطيعون التفاهم معكم، والتجاوب مع مطالبكم، يلعب على تبرير التغيرات الوزارية في مصر أننا نحتاج إلى الكوادر المهنية والخبرات الإدارية والتكنوقراط، ويغيب عن شروط الاختيار الكفاءة والسياسات التي ستطبق والتوجهات، ولماذا يتم الاهتمام بالسياسة أصلاً، إذ كانت مصر تدار بمنطق الصوت الواحد والانحياز لرجال الأعمال الذي لا يعتريه لبس؟
كما يعكس منهج استحداث وزارات جديدةٍ ثم إلغاؤها حالة ارتباكٍ تدل على نمط تفكير عشوائي، ينظر إلى حل الأزمات أنه سيتم باستحداث وزارة جديدة، لا تطبيق سياسات تعالج الأزمة. وفي أحيان أخرى، يتم استحداث وزارة لإرضاء قطاعاتٍ شعبيةٍ والتمظهر بموقف مساند لفئات محددة، تجلى ذلك في استحداث وزارة العشوائيات التي تم إلغاؤها بعد عام. وكذلك استحدثت وزارة للتعليم الفني ووزارة أخرى للهجرة وشؤون المصريين في الخارج.
وقد جاء بيان الحكومة الذي تلا التغيير بأيام ليوضح توجهات الحكومة الجديدة، ونيتها المنعقدة في الاستمرار على خطى بيع الشركات وتحرير الخدمات.
انتقل بيان الحكومة من عرض أزمة الاقتصاد ومؤشراته إلى الحديث عن الديون وعجز الدولة عن إيجاد استثمارات جديدة، وعادت، في البيان، نغمة أن سبب أزمة الموازنة الارتفاع المتواصل لعدد السكان، وهى المقولة التي طالما كرّرها حسني مبارك في خطاباته في مجلس الشعب. وأكد بيان الحكومة عدم قدرتها على دعم الاستثمارات، وهو ما يتسق مع توجهات الحكم بانتهاء دور الدولة في الإنتاج والاقتصاد، بينما شعار الحفاظ على الدولة هو السائد، والأغنية التي يتم ترويجها لإخافة كل المعارضين، أو حتى الإصلاحيين من داخل النظام، ولا يتبقى من شعار الحفاظ على الدولة سوى ممارسات القمع والتضييق على المجال العام، بعد أن تآكل دورها الاجتماعي.
استمرار سياسة النهب وسيطرة الاحتكارات وترك السوق رهينةً للاستيراد والاحتكار، وبيع القطاعات الإنتاجية والخدمية، هو ما ستشهده مصر مستقبلاً، ليس أدل على ذلك من طرح البنك العربي الإفريقي للبيع، كذلك ترحيب وزير العدل الجديد بالتصالح مع اللصوص من رجال الأعمال الذين نهبوا الثروات، وأهدروا المال العام.
ومع استمرار هذه السياسات، لم يكن مستغرباً أن يعلن رئيس مجلس الوزراء، في بيان الحكومة أمام مجلس النواب، أن حكومته ستضطر إلى اتخاذ إجراءت اقتصادية قاسية، لا بديل عنها لإنقاذ الاقتصاد، وهو تصريحٌ يمهد لما ستنفذه الحكومة من إجراءاتٍ تقشفية، خصوصاً وأنها ستتفاوض مع البنك الدولي على قرضٍ جديد، أحد أبرز شروطه تقليل ميزانية الأجور والدعم، ما يعني، مستقبلاً، رفع أسعار السلع والخدمات للمرة الثالثة منذ تولي السيسي الحكم.
D75BB17B-0520-4715-86EC-B6995DA95615
عصام شعبان

باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة القاهرة، أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير، عضو المجلس الأعلى للثقافة لدورتين متتالتين، عضو شعبة العلوم الاجتماعية. أحد كتاب الرأى في صحيفة وموقع "العربي الجديد".يقول: "نفعل كما يفعل السجناء، نربي الأمل".