تبرز نُذر معركة عسكرية في شبه جزيرة سيناء بين بعض القبائل البدوية وتنظيم "ولاية سيناء"، الموالي لـ"داعش"، بعد انقضاء شهر رمضان، في ظل التحشيد الإعلامي والميداني من الطرفين لهذه المعركة، التي حددت القبائل موعداً لها بعد عيد الفطر، في محاولة للتخلص من التنظيم. وتعوّل القبائل كثيراً على أن تحظى بدعم الأمن المصري، سواء كان الجيش أو المخابرات، وهذا ما بدأ فعلاً، بحصول مجموعات منها على سيارات وأسلحة من الجيش المصري، لرغبة الأخير في القضاء على التنظيم.
وعلى الرغم من أن محاولة الجيش لاستخدام هذه الورقة في 2017 باءت بالفشل، من خلال استنساخ نموذج "الصحوات" في العراق، إلا أنه يبدو في طريقه لإعادة التجربة مرة أخرى، استغلالاً لتحمس القبائل أكثر من ذي قبل، نتيجة تصاعد اعتداءات التنظيم بحقهم، والتضييق على أعمالهم ومصادر رزقهم. هذا الأمر ظهر جلياً في الأسابيع الأخيرة على مستوى مناطق وسط سيناء، التي تُعتبر مركز أعمال الصحراء، لما تحتويه من مصانع ومصادر رزق للمئات من أبناء القبائل، في مقابل أن التنظيم لا يزال يستهدف كل من يتعاون مع الجيش في وسط سيناء، الأمر الذي أسفر عن مقتل وإصابة العديد من المواطنين هناك، بالإضافة إلى إحراق منازل وسيارات ومزارع، وتعطيل أعمال، وهذا ما زاد من حنق القبائل تجاه "ولاية سيناء"، ودفعهم للتجمع لمواجهته في الفترة المقبلة، بدعم من الأمن المصري.
وفي التفاصيل، قال أحد مشايخ سيناء، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن لدى عدد من مشايخ قبائل سيناء توجهاً حقيقياً نحو الدخول في مواجهة عسكرية شاملة مع "ولاية سيناء" خلال الفترة المقبلة، في ظل استمرار انتهاكات التنظيم بحق المدنيين في شمال ووسط سيناء، وما نتج عنها من أضرار بشرية ومادية ومعنوية على السكان، من دون أي رادع للتنظيم. وأوضح أنه جرى عقد لقاء موسع مع قيادات في الجيش المصري في الثلث الأول من شهر رمضان، وتم الاتفاق على بدء التجهيزات لهذه المعركة، وأولى هذه التجهيزات يتمثل في حشد أكبر عدد من القبائل والمشايخ، ودعوة شبابها للاندماج في المجموعات العسكرية التي تديرها المخابرات المصرية في شمال سيناء منذ سنوات بهدف التحضير للمعركة.
وأوضح الشيخ القبلي أن عدد الأفراد المقدر تحضيرهم لهذه المعركة قد يصل إلى ألف شاب متطوع، سيحملون السلاح في وجه التنظيم، بالإضافة إلى معدات عسكرية خفيفة ومتوسطة، عدا عن سيارات دفع رباعي، سيتم توفيرها لهم بهدف التحرك نحو أهداف "ولاية سيناء" في مدن رفح، والشيخ زويد، وأطراف العريش، وبئر العبد، ومناطق وسط سيناء، بهدف التطهير الكامل والمتزامن لكافة الأماكن التي يوجد فيها التنظيم، وذلك كله سيكون بإسناد مباشر من قوات الجيش والمخابرات، بما يضمن نجاح هذه المعركة. وأشار إلى أن المجموعات العسكرية التابعة لقبيلة الترابين، العاملة في سيناء منذ عام 2016، بدأت في جمع المعلومات اللازمة عن التنظيم، ورصد تحركاته، وإبلاغ القيادات المسؤولة عنها بكل جديد، بهدف تحصيل أكبر قدر ممكن من المعلومات عن "ولاية سيناء" خلال الفترة الحالية، بما يساعد في نجاح الخطة الموضوعة للقضاء عليه.
يشار إلى أنه في شهر إبريل/ نيسان 2017 شهدت مدينتا رفح والشيخ زويد بمحافظة شمال سيناء هجمات متبادلة بين تنظيم "داعش" والمجموعات العسكرية التابعة لرجل الأعمال إبراهيم العرجاني، صاحب شركات سيناء المقربة جداً من دوائر المخابرات المصرية، الذي يدعي أنه زعيم قبيلة الترابين في سيناء. وقُتل خلال هذه الهجمات عدد كبير من أفراد المجموعات العسكرية، بينهم المسؤول البارز فيها سالم أبو لافي. وإثر تلك الهجمات اضطرت المجموعات إلى الاستقرار في مناطق جنوب مدينة رفح فقط، في ظل انتشار التنظيم في غالبية مناطق سيناء، وتنفيذه خلال السنوات الثلاث الماضية عمليات إرهابية، تمثلت في قتل العشرات.
وشهدت مناطق وسط سيناء خلال الأسابيع الماضية تسارعاً في عمليات الملاحقة التي يشنها "ولاية سيناء" ضد المتعاونين مع الأمن المصري، والمسؤولين عن تحشيد القبائل لمواجهته. وهذا ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد منهم، وإحراق منازلهم وسياراتهم والقضاء على مصادر رزقهم، في محاولة من التنظيم لردع القبائل عن المشاركة في الخطة التي يجرى التحضير لها خلال الفترة المقبلة، بالإضافة إلى أنه هاجم أخيراً منطقة نفوذ المجموعات التابعة للعرجاني جنوب مدينتي رفح والشيخ زويد، وقتل اثنين منهم واختطف آخرين.
وتعقيباً على ذلك، قال باحث في شؤون سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن ما يجري في سيناء هي موجة جديدة من الخطر برعاية الأجهزة الرسمية، من خلال ضرب القبائل بالتنظيم الإرهابي، ما قد يجعل كافة المدنيين عرضة للقتل والاختطاف نتيجة الهجمات المتبادلة التي من المتوقع حدوثها بين الطرفين في حال توجّه القبائل للتخلص من التنظيم. واعتبر أنه "لا يمكن بأي شكل من الأشكال الاعتماد على المدنيين لمواجهة تنظيم بحجم ولاية سيناء، الذي تحاربه الدولة المصرية بكافة أذرعها العسكرية والأمنية على مدار ست سنوات. وقد تبدو فرص نجاح القبائل في القضاء على التنظيم ضعيفة، في ظل الاعتماد على شبان عاديين تم تجنيدهم للقتال. وهم، من المؤكد لا يمتلكون أي خبرة عسكرية تمكنهم من مواجهة أفراد التنظيم، وهذا ما قد يؤدي إلى مهلكة حقيقية بحقهم، ما يزيد من معاناة المحافظة، وارتفاع أعداد ضحايا هذه الحرب المستعرة أمام أعين الأمن المصري".
وأضاف الباحث، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته لوجوده في سيناء، أن "القبائل المحتشدة ضد التنظيم قد تملك أعداداً كبيرة من المقاتلين، وكذلك سلاحاً خفيفاً ومتوسطاً قد يزودها به الجيش المصري كما جرى مسبقاً، بالإضافة إلى الخبرة في دروب الصحراء، في مقابل أن عناصر التنظيم لديهم دراية عسكرية وبدنية بحرب العصابات، بالإضافة إلى أسلحة ذات قدرات متقاربة مع المجموعات المدعومة من الجيش. كما أنهم يملكون خبرات ميدانية حصلوا عليها من خلال مئات الهجمات الإرهابية التي شنها التنظيم ضد قوات الجيش على مدار السنوات الماضية، وشملت عمليات قنص وتفجير عبوات وإطلاق قذائف مضادة للدروع وقذائف مدفعية، واشتباكات مباشرة ومن مسافة صفر، بالإضافة إلى القدرة على التحرك في الصحراء".
من جهته، قال إبراهيم المنيعي، أحد أبرز مشايخ سيناء، لـ"العربي الجديد"، إن "أهالي سيناء يدركون خطورة المرحلة الحالية ويعون جيداً ما لهم وما عليهم، كما أنهم يجيدون لغة السياسة، ويدركون أن كل شيء بثمن، ووقت الخدمات المجانية انتهى بلا رجعة ويعرفون أين مصلحتهم، مع ضرورة الإشارة إلى أن حق العودة إلى أرضهم، التي هُجّروا منها قسرياً خلال السنوات الماضية، يُعتبر مطلباً قبلياً وحقاً مشروعاً بالنضال السلمي". لكنه رأى أن "محاربة الإرهاب منوطة بالدولة وحدها، ومن صميم عملها حفظ الأمن والحدود على كل الاتجاهات، ومن يريد مساعدة الدولة فهذا شأنه وحده فقط. أما نظام الميلشيات فإن أضراره أكثر من منافعه وعواقبه كارثية على الجميع". وأضاف "نريد دولة قانون وليس دولة مليشيات. كلنا رأينا وسمعنا تجاوزات ما يُسمَّون بالصحوات... هذا رأيي الشخصي، وأنا مع ما يقرره شعب سيناء، لأني كلي ثقة بأنه سيختار ما في مصلحته".