كشفت مصادر قضائية وحكومية، ذات صلة بملف الانتخابات الرئاسية المصرية، عن صدور تعليمات من الدائرة الخاصة بالرئيس عبد الفتاح السيسي إلى جهاز الأمن الوطني، عبر مستشاره لشؤون الأمن الوزير السابق أحمد جمال الدين، لإجراء تحريات أمنية مكثفة على جميع القضاة والموظفين الإداريين وممثلي وسائل الإعلام ومندوبي منظمات المجتمع المدني، الذين سيكونون حاضرين للمشاركة في تسيير وتغطية أعمال لجان الاقتراع والفرز في الانتخابات، المقرر إجراؤها في مارس/ آذار المقبل.
وأوضحت المصادر أن هذه هي المرة الأولى التي يطلب فيها التحري الأمني عن المشاركين في تسيير وتغطية الانتخابات، باعتبارها إجراءات إدارية لا تمثل أي خطورة على صناديق الاقتراع، خصوصاً في ظل حراسة عسكرية وشرطية لجميع اللجان على مستوى الجمهورية، لكن الرسالة المقصودة من التحريات ليست تأمين الصناديق أو ضمان سيطرة الدولة عليها، بل تمييز الأشخاص الذين لن يجازوا أمنياً، وتعريفهم في محيطهم القضائي أو الوظيفي أو الإعلامي باعتبارهم معارضين للنظام وغير مرضي عنهم. وأكدت المصادر أن الانتخابات تمثل فرصة لا تتكرر كثيراً لإجراء التحريات الأمنية عن عشرات الآلاف من المواطنين المنخرطين في وظائف مميزة، كالقضاء أو الجهاز الإداري للدولة، فضلاً عن وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، توطئة لإعداد كشوف بالمواطنين المعارضين للنظام، أو الذين يمثلون خطراً عليه، ارتباطاً بمشاريع حكومية، كان مجلس الوزراء قد أعلن عنها في العام 2016 لاستبعاد الموظفين الحكوميين المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين والمناهضين للنظام من الوظيفة العامة، أو وقفهم عن العمل.
ففي القضاء، عممت الأمانات العامة لمختلف الهيئات القضائية على الأعضاء الراغبين بالمشاركة في إدارة لجان الاقتراع والفرز (الفرعية) واللجان العامة في المحاكم الابتدائية، بضرورة إرسال أسمائهم وصورهم وبياناتهم الشخصية والعائلية الحديثة تمهيداً لفحصها أمنياً، وذلك لاستبعاد القضاة المشكوك بانتمائهم إلى جماعات معارضة، أو من سبق توجيه اتهامات له بمعارضة النظام، سراً أو علناً، وبصفة خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي. وتستغل إدارات الهيئات القضائية في ذلك رغبة القضاة بالمشاركة في الإشراف على الانتخابات، إذ سيحصل كل منهم على 10 آلاف جنيه في أيام الاقتراع الثلاثة، وضعف هذا المبلغ بالنسبة للقضاة المشرفين على الانتخابات في شمال وجنوب سيناء، وهي مكافأة قياسية بالنسبة للاستحقاقات الانتخابية الماضية.
وبحسب مصدر في وزارة العدل، فإن عشرات القضاة قد أحيلوا للتفتيش خلال 2016 و2017 فقط بسبب تدويناتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، التي يعترضون فيها على قرارات عدة للسيسي، على رأسها تحرير سعر صرف الجنيه، وزيادة أسعار المحروقات، والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وإصدار قانون تعيين رؤساء الهيئات القضائية، الذي ألغى قاعدة الأقدمية، للمرة الأولى في تاريخ القضاء المصري، ولذلك أصبح هناك عدد كبير من القضاة غير المرغوب بدمجهم داخل النظام، وبات من المفضل استبعادهم، حتى من الإشراف على الانتخابات.
أما في الدوائر الحكومية، فأرسلت الإدارات المركزية للأمن، في وزارات التعليم والصحة والزراعة والتموين والعدل، إشعارات إلى المديريات الفرعية بإرسال قوائم بأسماء وبيانات الموظفين المرشحين للمشاركة في تسيير أعمال اللجان الفرعية ومعاونة القضاة، قبل الاقتراع بنحو شهرين، للمرة الأولى، للتحري عنهم، بعدما كانت هذه الخطوة تتم تلقائياً داخل كل وزارة قبل الاقتراع بأيام معدودة. أما وسائل الإعلام، فسيتم تجميع بيانات جميع الصحافيين والمراسلين، من جميع الوسائل الإعلامية بمختلف أنواعها، في المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام، خلال الأسبوعين المقبلين، ثم سيتم إرسال الأسماء والبيانات للجهات الأمنية لفحصها واستبعاد المعارضين أو المتهمين بالانتماء إلى تيارات إسلامية، وذلك للمرة الأولى أيضاً، بعدما كان اختيار أسماء المراسلين حكراً على جهات عملهم الأصلية. والأمر نفسه بالنسبة إلى منظمات المجتمع المدني، التي تم اختيارها من الأساس بناء على ترشيحات أمنية، وسيتم إرسال أسماء وبيانات مندوبيها من الهيئة الوطنية للانتخابات، التي تدير جميع الإجراءات، إلى الجهات الأمنية، غداً الأربعاء، للبدء في فحصها، بما في ذلك أسماء المندوبين الأجانب.
وكان السيسي قد أحكم سيطرته على هيئة الانتخابات منذ إصداره قراراً بتشكيلها في سبتمبر/ أيلول الماضي، إذ تم اختيار أعضائها بواسطة وزير العدل، حسام عبد الرحيم، المقرب بدوره إلى الدائرة الشخصية للسيسي، لصداقته بشقيقه القاضي أحمد السيسي، وعلى رأسهم المستشار لاشين إبراهيم لاشين، (صديق الوزير وشقيق السيسي)، والمستشار محمود الشريف (صديق الوزير والأخ الشقيق للنائب أحمد حلمي الشريف عضو الأكثرية النيابية "دعم مصر"). وتم استبعاد نائبة رئيس هيئة النيابة الإدارية، المستشارة نادية الشهاوي، من ترشيحات عضوية مجلس الإدارة، لسبب واحد هو أنها شقيقة زوج المستشارة نهى الزيني، الباحثة الإسلامية، التي سبق وفضحت وقائع التزوير لصالح مرشحي الحزب الوطني المنحل بانتخابات مجلس الشعب في العام 2005، رغم أن الزيني لم تحاكم تأديبياً ولم تعاقب، وأثبتت التحقيقات صحة أقوالها عن وقائع التزوير. كما تم اختيار القاضي علاء الدين فؤاد لمنصب مدير الجهاز التنفيذي، المكافئ لمنصب الأمين العام للجان الانتخابات السابقة، وكان سابقاً يعمل بوزارة العدل لعدة سنوات ويشغل درجة رئيس بمحكمة الاستئناف. وتم تعيين أحد القضاة المنتدبين للعمل بوزارة العدل أيضاً كنائب للمدير، وهو أسامة غازي، أما النائب الآخر فهو أستاذ القانون في جامعة "عين شمس"، عاطف عبد الحميد حسن، والذي كان يشغل قبل ذلك عضوية اللجنة العليا للإصلاح التشريعي التابعة لرئيس الوزراء ووزير العدل. أما ثالث النواب، فهو اللواء رفعت قمصان، وهو ضابط شرطة متقاعد، وكان يتولى إدارة الانتخابات في وزارة الداخلية منذ عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك، وهو أحد من زعموا في تحقيقات النيابة العامة أنه تم تزوير انتخابات الرئاسة في العام 2012 لصالح الرئيس المعزول، محمد مرسي.